محاولات فاشلة لتبرير الأسطورة الصهيونية التأسيسية بأسطورة عربية بائسة – بقلم : فيصل جلول

دراسات ……
بقلم الكاتب اللبناني: فيصل جلول …
*يجب النظر الى مسلسلات التطبيع الخليجية فهي دليل على الاتجاه* يقول أحد الكتبة الصغار: نحن عرب الجزيرة أصل كل العرب وغيرنا ” لمم“* نحن عربناهم وفلسطين ليست ارضنا وقد استعادها اصحابها الصهاينة. نحن واليهود اهل المنطقة، ما تبقى من الناس تعربوا بواسطتنا. كنا نحتاجهم واليوم ما عدنا بحاجة اليهم !*
تضع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل الدول الخليجية منذ سنوات امام المعادلة التالية: مصيركم ومصير إسرائيل مشترك. اذا انهارت الدولة العبرية لن تبقى انظمتكم على قيد الحياة. سيتغلب الشيعة عليكم. لن يكون بوسع احد حمايتكم. كنتم من قبل تتحفظون على التطبيع مع اسرائيل والتحالف معها علنا. اليوم ما عاد لديكم من تخافون منه. غاب القذافى وحافظ الاسد وصدام حسين وياسر عرفات وقبلهما عبد الناصر وبومدين. اما بشار الاسد فهو كما تعرفون يحتاج الى عقود ليستعيد بلده. نصرالله يجب الا يخيفكم فهو شيعي ويمكنكم محاصرته طائفيا ونحن نحاصره اقتصاديا ونعمل ما بوسعنا حتى تصبح بيئة المقاومة مناهضة له. سنحول البحر الذي تسبح فيه المقاومة اللبنانية كالسمكة الى مياه ضحلة يموت فيها الممانعون. يجب ان نواصل معا الضغط عليهم جنبا الى جنب مع الانفتاح على اسرائيل.
لقد تراجع اليسار العربي وما عادت القومية العربية جذابة، عندما ينطق أحدهم باسم القومية يسخر منه كثيرون فيقولون هذا قومجي.
هزمت القومية العربية بعد انهيار الانظمة التي كانت تنطق باسمها. وما عاد لها زخم ولا تشكل خطرا على مصالحكم او مصالح اسرائيل، ما عاد أحد يرفع شعار “بترول العرب للعرب”. لقد قطعنا الطريق على هذا الشعار بعد حرب الكويت وسقوط النظام العراقي والليبي واخيرا بعد تدمير سوريا.
لقد ساعدنا “الربيع العربي” على تمهيد الارض لبناء تحالف عربي صهيوني يمضي عقودا الى الامام.
ها هي الحركات التكفيرية وبخاصة القاعدة وداعش تحتضر ولا يشكل التكفيريون خطرا عليكم. من كان يتخيل ان “نيكي ميناج” ستدعى الى بلادكم من اجل احياء حفلات فيها؟! هذا يعني ان التكفيرين باتوا اثرا بعد عين. أنتم تسيطرون على الجامعة العربية. كلمتكم لا تعترضها قوة مسموعة في العالم العربي.
القضية الفلسطينية تحتاج الى حل يدمج السلطة في رام الله بصيغة تنطوي على اعتراف بالأمر الواقع على الارض. لا احد يمنحكم مكاسب مجانا. الحل يجب ان يخنق المقاومة في غزة. سنعمل على خنقها وسنحول الناس في غزة الى اعداء لها. المقاومة في غزة مردوعة عسكريا، لا تستطيع اشعال حرب مع اسرائيل ومخنوقة اقتصاديا. سنحول غزة معا الى مستنقع لا حول له ولا قوة. لا تستطيع ايران ان تنقذ حماس و الجهاد الاسلامي. يجب ان تتقدموا باتجاه اسرائيل في هذا الوقت وفي هذه الظروف. ماذا تنتظرون؟ حان الان وقت التطبيع وبالتالي التعبير عن مصيرنا المشترك في المنطقة بمواجهة حماس ونصرالله وايران.
في الوقت المناسب يمكن لبوتين ان يضغط على الاسد للخروج من محور المقاومة فتنعزل سوريا وتحاصر اقتصاديا وعربيا ونشارك الروس في السيطرة على الشرق الاوسط.
هذا المنطق يمكن توقعه في احاديث خلف الستار بين فريق ترامب / نتنياهو والدول الخليجية. ان مجمل التحركات على الارض تعكس هذا المنطق ضُمّتْ القدس ولم يشن قادة العالم العربي الخليجيين حملة دولية للدفاع عنها.
اُعلنِتْ صفقة القرن والتزموا الصمت. نتنياهو يستعد لضم مستوطنات الضفة الى اسرائيل فنراهم يشنون حملات على ايران والمقاومة بدلا من نتنياهو. اما حرب اليمن فهي تفسر لمن لم يفهم بعد، الاستراتيجية الخليجية المبنية على اعتبار اعداء اسرائيل اعداء الخليج. وهكذا دواليك.
بالمقابل هناك الخطاب الاخر. لا يمكن اهمال استراتيجية محور الممانعة الذي عين منذ زمن بعيد دول الخليج في خانة حلفاء امريكا مباشرة واسرائيل بصورة غير مباشرة. حتى بات بديهيا لدى الممانعين اعتبار كل انتصار على اسرائيل وامريكا هو انتصار في الوقت نفسه على حلفاء واشنطن في المنطقة. كان هذا ما اعلنته الناصرية وحزب البعث وحركة القوميين العرب واليسار العربي ومن بعد الثورة الخمينية التي اعتبرت ان الانتصار على الشاه لا يكتمل الا بعد سقوط دول الخليج. لقد رفعت هذه التيارات صراحة او ضمنا شعار “بترول العرب للعرب” وليس لآل سعود او للأسر الخليجية الحاكمة وهذا يعني ان الصراع بين الاتجاهين مصيري. لقد بينت حرب الكويت كما بينت الحرب على العراق وسوريا واليوم على اليمن هذا الطابع المصيري للصراع الذي كان يشهد احيانا في الجامعة العربية فترات مساومة ومصالحة لكنها باتت متعذرة بسبب اختلال موازين القوى لصالح التيار الخليجي.
من هذا الباب يجب النظر الى مسلسلات التطبيع الخليجية فهي دليل على الاتجاه المذكور يواكبها كلام احمق عن اصل العرب اذ يقول احد الكتبة الصغار: نحن عرب الجزيرة أصل كل العرب وغيرنا ” لمم “.
**نحن عربناهم وفلسطين ليست ارضنا وقد استعادها اصحابها الصهاينة**.
** نحن واليهود اهل المنطقة، ما تبقى من الناس تعربوا بواسطتنا. كنا نحتاجهم واليوم ما عدنا بحاجة اليهم !
لا يمكن لأصحاب هذا المنطق الغبي ان ينتصروا في الجدل العربي حول اصول العرب وفروعهم. كيف ينتصرون وهم يرتكبون المجازر بقحطانيي وهاشمي جنوب الجزيرة العربية اصل كل العرب ومنبتهم. لا يمكن لهؤلاء التحريفيين ان يجعلوا الحق الفلسطيني باطلا الا اذا انتصروا بالضربة القاضية على محور الممانعة وهو امر متعذر حتى اشعار اخر.
ان الوجه البشع لهذا المنطق الانتروبولجي الغبي مستمد من اطروحات المستشرقين ومن اثرها المدمر على الارض. فقد روج مستشرقون كثر اطروحات جذابة مفادها ان الحضارة العربية وهمٌ اسلاميٌ وان العلماء المنسوبين الى العرب ليسوا عربا. وان بلاد الشام فينيقية وسريانية عرّبها اهل الخليج كما عربوا العراق البابلي واليمن السبئية ومصر الفرعونية وشمال افريقيا الامازيغي. وعمل الاستعمار المباشر وغير المباشر على ترسيخ هذا المنطق العدائي حتى تبناه قسم مهم من اهالي هذه المناطق وهو ما نراه في خطب التيارات الانفصالية الاثنية التي بنت اطروحاتها على أعمال المستشرقين واستفادت من موازنات مخصصة لهذه الغاية وضعتها الدول التي كانت تستعمر العالم العربي. لقد وصل الذكاء الاستشراقي الى حد ترويج اطروحة خلدونية ضد العرب اذ نسب الى مؤسس علم الاجتماع انه غير عربي وانه اتهم العرب بالعداء للعمران في حين ان ما كان يقصده ابن خلدون هو ان البدو يعادون العمران بفعل تنقلهم من مكان الى مكان واعتمادهم على الغزو ولم يقصد الحَضَرْ. وظاهرة البدو ما زالت معمرة حتى اليوم وان كانت تكاد تكون كالأطلال الدارسة.
الكاتب الخليجي الصغير الذي يرى العرب في الخليج حصرا، اي ما لا يتعدى ال 20 مليون عربي من اصل 450 مليونا، ينطلق من الخطاب الاستشراقي الأنثروبولوجي المذكور. لكن هذا الاحمق لا يدري ان الخطاب نفسه ينطوي على معطيات تقود الى اعتبار العرب ظاهرة مفبركة وغير قائمة اصلا وان الاسلام هو الذي فبركها وبالتالي فان سلاح النفي الذي يستخدمه هذا الابله ضد العرب الاخرين سيرتد عليه.
في الدراما، ليست مسلسلات رمضان التطبيعية الاخيرة هي الاولى من نوعها، فقد سبقها فيلم سينمائي سعودي اسمه “وجدة”، للمخرجة هيفاء المنصور، وهو يروي سيرة فتاة سعودية تحلم بشراء دراجة هوائية وتخوض لهذه الغاية مسابقة في التجويد القرآني، وتفوز بالجائزة لكن اللجنة الفاحصة ترفض منحها المكافاة وتقرر التبرع بها من اجل فلسطين. هكذا توضع فلسطين كحاجز كابح لأحلام الجيل السعودي الناهض. سيصل الفيلم الى مسابقة الاوسكار لهذا السبب وليس من اجل قصته الرتيبة. نعم يراد لفلسطين ان تكون سدا امام احلام الجيل السعودي وليس اسرائيل التي احتلت ارض الفلسطينيين وشردت اهلها واجبرت العالم العربي على ان يبذل الغالي والرخيص من اجل اعادتهم الى ارضهم.
هكذا يراد ان تظلم فلسطين الجيل السعودي الشاب وليس الكيان المحتل.
في افلام اخرى سنجد ان فلسطين تدافع عنها بنات الهوى الشمال افريقيات وليس زبائنهم الخليجيين الذين يمضون عطلهم هناك. ان تعيين فلسطين في هذه المكانة ليس مسالة عفوية بل اختيار نفسي مدروس وصولا الى المسلسلات التطبيعية الأخيرة.
لم تظهر هذه المسلسلات الى النور بسبب التعددية وحرية التعبير، ذلك ان مغردا خليجيا يقبع في السجن بسبب تغريدة على تويتر كلفته الف جلدة، وحكما بالحبس لمدة عشر سنوات. ظهورها هو امتداد لسياسة فنية تطبيعية تتقدم ببطء لكن بثبات.
وهنا لا بد من الاعتراف ان البنية التحتية للفنون العربية كانت تتركز في مصر ولبنان بيد ان اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية قد حملت مصر على اعادة النظر في استراتيجيتها الفنية بحيث تتلاءم مع اتفاقية السلام. ومع تراجع الدور المصري في هذا المجال تقدم الخليجيون بمساعدة الخبرات الفنية المصرية واللبنانية والاجنبية وتجمعت في مدنهم بنى التعبير الفني والاعلامي العربية وبالتالي صار بوسعهم التحكم بما يمكن ان ينتجه العرب في الفنون المختلفة وصار هذا الانتاج يُقيّمُ ويُدعمُ بمهرجانات منتظمة وجوائز مهمة ولجان تحكيم مختبرة.
حاولت الدراما السورية ان توازن مع الخليج لكنها ظلت محدودة الاستثمار وسقطت في التاريخانية ان جاز التعبير وبخاصة باب الحارة وهو امر محير لان المسلسل يستجيب الى الذوق الفني الفولكلوري الاستشراقي ولا يعكس استراتيجية مختلفة وواعية للانتقال التعبيري من بيروت والقاهرة الى دبي بخاصة والخليج عموما.
لا يبدو حتى الان ان المسلسلات التطبيعية قد اسست لتيار قادر على كي الوعي العربي المؤيد لفلسطين بل يظهر لي ان العكس هو الذي وقع. فقد هزمت هذه المسلسلات نفسها بنفسها وبينت الى اي حد يبدو من الصعب على المطبعيين ان يحلموا بغد مشرق في عالم لم يحمله ” الربيع العربي ”
ولا الهزائم المتتالية على التنكر للحق الفلسطيني في دولة شرعية على ارض فلسطين كغيرها من دول شعوب الارض قاطبة.