انطباعات اولية حول فيلم الجوكر – بقلم : عبد الحي كريط

فن وثقافة …..
عبدالحي كريط كاتب مغربي …
استاثرت قصة الجوكر السنيمائي الاخير الكثير من الردود و الصدى في الاوساط الفنية والثقافية والفلسفية لموضوع الفيلم الذي يلمس قضايا سياسية واجتماعية ويلمس البعد الاخلاقي للنفس البشرية , وعنما شاهدت الفيلم لاول مرة انبهرت بأداء الممثل العالمي خواكين فينيكس الذي اتقن شخصية الجوكر وعاش الشخصية بكل تفاصيلها وتقمصها لابعد الحدود مما حدا بي اعادة مشاهدة الفيلم لعدة مرات لان قصة الفيلم هو نقاش فلسفي وجودي ذت عمق وجداني عرف مخرج العمل تود فيليبس كيف يوظف بطل الفيلم والشخصيات المصاحبة له بطريقة فريدة من نوعها في الابداع الفني السينمائي ونقلنا من البعد الواقعي الى البعد النفسي والسيكولوجي لسبر أغوار النفس الانسانية المتأرجحة بين الخير والشر والتي تتداخل فيها عوامل تضاددية تجعل منا شخصيات سيكوباتية و انطوائية وهو امتداد لعوامل ماضوية ومكانية تكون خاضعة للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يبلور هذه الشخصية.
في احدى المشاهد الاولية لبداية الفيلم يظهر ارثر فليك بطل الفيلم بعد لاعتداء عليه بالضرب وهو يضحك ويقهقه بطريقة هستيرية جنونية فهو يعاني من مرض نفسي ويتجاهله المجتمع بسبب اطواره الغريبة وبعد ذلك يطرح التساؤل التالي على معالجته النفسية هل هو أنا فقط ؟ ام ان الوضع يصبح في الخارج أكثر جنونا وسوءا؟ فتجيبه معالجته الامر حاد بالتأكيد , الناس منزعجون هم يعانون يبحثون عن العمل , انها أوقات صعبة … فتطلب المرشدة النفسية من أرثر ان تنظر الى مذكراته الخاصة فيعطيها لها فوقعت عينيها على جملة بين سطور الجمل في المذكرة , آمل فقط أن موتي يصبح مفهوم اكثر من حياتي , في هذ الحوار القصير يصور لنا مخرج الفيلم عن معاناة الناس الوجدانية والوجودية في عالم اضحى تحكمه سياسات التجويع والتفقير حيث اضحى الناس يجدون صعوبة في تدبير حياتهم اليومية بسبب ضغوطات الحياة المنهكة , وبالرغم من أن المشاهد الاولى للفيلم فيها رتابة الى ان المشاهد التالية لتي تبدأ في الدقيقة الستة والعشرون تدخل بعد ذلك في مناطق انسانية رهيبة جدا ومؤلمة حيث ان ارثر فليك يخرج الجانب المتمرد من شخصية الجوكر حيث انه بعدما طرده مدير عمله بسبب حمله لمسدس,في احدى عروضه الكوميدية كمهرج , يركب ارثر فليك القطار للرجوع الى بيته وعلامات الاحباط والاسى والحزن بادية على محياه وبينما هو جالس في مقعد القطار واذ بثلاث شبان يركبون نفس القطار وبدأو بالتحرش والتنمر على فتاة وهم يضحكون ويستمتعون بذلك واذا بارثر فليك عند مشاهدته وهم يضحكون دخل في نوبة هستيرية من الضحك المتواصل بدون توقف فتعجب الشبان وبدأوا يقتربون منه لمعرفة سبب ضحكه فأراد آرثر اخراج بطاقة توضح لهم انه مريض بمتلازمة الضحك فلم يعطوا له فرصة لكي يشرح لهم حالته المرضية فاءذا باللكمات تنهل عليه من كل حدب وصوب من طرف الشبان والركل الرفس فاءذ بارثر يخرج مسدسه الذي اهداه له زميله في العمل وكان سببا في طرده فاطلق النار على الشبان فارداهم قتلى على الفور وسط ذهول تام من احد الشبان الذي استطاع الهرب من القطار لكن ارثر تبعه حتى تمكن منه في بداية سلالم محطة القطار, فكانت هذه الحادثة بداية خروج وظهور شخصية الجوكر التي اضحت حديث مختلف وسائل الاعلام في غوثام في هذا المشاهد رسالة واضحة في خطاب الوعي الجماهيري الشعبي حول كيف يتحول شخص هادئ ووديع الى مجرم قاتل بسبب شبان ينتمون الى الطبقة العليا في المجتمع وكانه صراع طبقي بين الفقراء والاغنياء ولذلك اضحى الجوكر رمز للعديد من الناس في غوثام لرفض السياسيات الطبقية المفروضة من النظام فخرج توماس وين العمدة المترشح لقيادة غوثام الى الدفاع عن هؤلاء الشبان باعتبارهم من علية القوم وسخر من سكان غوثام بسبب مساندتهم لفعل الجوكر ووصفهم بالمهرجين … وبعد احداث متتالية وفي رحلة البحث عن عمل ككوميدي وجد نفسه يقدم عروضا في المقاهي الليلية ويكتشف ارثر انه ابن متبني من طرف والدته الغير الحقيقة وانها مريضة نفسيا وغير سوية حيث اخبره توماس وين انه ليس والده وان والدته تكذب عليه عكس ماكان يعتقده من ان والدته كانت على علاقة بالاب المزعوم ولتي قالت له انها اخفت هذه العلاقة بسبب الوضع الاجتماعي لتوماس, فبحث ارثر عن تاريخ والدته فعرف من خلال وثائق انها كانت مريضة نفسيا وانها تبنت ارثر وانه اعتدي عليه من طرف بعض اصدقاء والدته المتبناة وتحت هول الصدمة قرر ارثر التخلص من بيني فليك والدته المتبناة فخنقها وقتلها , وكأن لسان حاله يقول هذا ماجناه أبي علي وماجنيت على أحد, وكنها كلمات ابي العلاء المعري تتجدد وقعها في هذا المشهد الدرامي المخيف والذي ينطوي على أبعاد سوداوية وتشاؤمية من الحياة انها الفلسفة النيتشويه التي تتمميز بالاغتراب الاجتماعي وبالقلق والذعر والشعور بالذنب , انها الكافكاوية بكل ماتحملها من عبثية فوضية وسوداوية انها احدى فصول رواية المسخ .
وفي المشاهد الاخيرة يظهر الجوكر في جو من المرح والرقص في منزله بعد قتل بيني فليك على انغام موسيقى صاخبة حيث يقوم باعداد نفسه لكي يكون ضيفا في برنامج المذيع موراي فرانكلين والذي قام بتجسيد دوره روبير دينيرو, حيث كان ارثر يعتبره المثل الاعلى بالنسبة له لكن كان الجوكر قد تمكن من ارثر وكانت خطته هي ان يقتل موراي فرانكلين لانه استغل فيديو له وهو يضحك وعرضه في برنامجه فاعتبر الجوكر ان موراي استغله مثله مثل الجميع كلهم متشابهون انها بوثقة النظام الذي يحتوي على فروع تمكنه من فرض اراءه وتنظيراته على المحكومين فكان الجوكر يرى ان التقاليد والعادات هي نكتة بحد ذاتها, وبينما هو في يحتفل مع نفسه في منزله ويعد نفسه للذهاب الى البرنامج زاراه زميلاه السابقان في العمل فقتل الجوكر زميله الذي اهدى له المسدس لانه وشى به لرب عمله من اجل طرده من العمل السابق كمهرج اما الثاني فلم يلحقه سوء لانه كان يعامل ارثر بكل لطف واحترام فخلى سبيله.
وبعد هذه الحفلة الفوضوية في منزله ينزل الجوكر على سلالم حيه الفقير والمعدم راقصا بعشوائيته وارتجاليته المميزة قبل ثورته المرتقبة انها صورة رمزية مرعبة الرقص نزولا الى الفوضى , انها ناقوس الخطر نحو انحدار النظام وايديولوجيته الى زوال نها جدلية السعادة بين الرأسمالية الاشتراكية ولعل المناظرة الاخيرة التي جمعت الفيلسوف الماركسي سلافوي جيجيك والسيكولوجي المحافظ بيترسون الذين اعترفوا باءخفاقات كل من الجهتين الفكريتين تفسر لنا الكثير من التناقضات في شخصية الجوكر انها فلسفة التبرير التي تقع خارج الايديولوجيات هي ماتؤدي الى البؤس والتعاسة لحياة البشر.
وفي نهاية المشهد يقتل الجوكر موراي امام المشاهدين في بث مباشر بعد نقاش فلسفي بينه وبين المذيع والتي اراد من خلالها كسر الانماط التي يعيشها البشر فتلك القواعد الاجتماعية بالنسبة له نكتة سخيفة او هو اتفاق مؤقت يحافظ عليه جميع البشر بطريقة غير رسميىة,وبعد القاء القبض على الجوكر انطلقت اعمال الفوضى في غوثام وقتل توماس وين مع زوجته وبقي طفله الوحيد في زقاق ضيق وظلام دامس فظهر الجوكر يضحك ضحكته المعتادة المستفزة وتساله الطبيبة النفسية مالذي يضحكك فيجيب انها نكتة لن تفهميها ابدا, انها كوميديا الحياة او القدر ستتجدد فصولها في الطفل الذي بقي بدون ابوين ومصيره المجهول وسط هذا النظام الاجتماعي الفوضوي.