. بين إلفرد هتشكوك وإضراب المعلمين أسئلة كبيرة وجدت الجواب. بقلم : بكر السباتين

آراء حرة ….
بقلم : بكر السباتين – الاردن ..
لا بد من توصل الحكومة إلى حل يرضي المعلمين ويحفظ كرامتهم بعيداً عن قرار المحكمة الإدارية وتبعاته على الأرض.. مقابل ذلك يطلب من نقابة المعلمين أن تبدي مرونة بعض الشيء لأنه في معركة العض ستقضم أصابع الأبناء الطرية وهذا مالا يرتضيه الأهل لأبنائهم.
المعيشة ضنكا بالنسبة للمواطن الأردني عموماً ومسألة رفع الرواتب لا تتعلق بفئة دون أخرى؛ ولتبدأ المطالبة في ذلك بالمعلم أولاً لأنه هو من علق الجرس وكسر حاجز الخوف، ثم يتبع ذلك بقية المهن التي من حقها أن تطالب أيضاً بذات الزيادة .. أما الطلاب فهم ضحية من بيده سلطة الحل.
القضية في هذا السياق أكبر من موضوع الرواتب، كونها تعكس تردي التعليم في الأردن الذي يؤخذ إلى الخصخصة بالتدريج وتجيير المحتوى لصالح مشاريع التسوية الإقليمية المرفوضة شعبياً.
بالمختصر المفيد أنا مع المعلم وخاصة أن الأزمة دخلت مرحلة تكسير العظام.. والتداعيات تشير إلى تصادمات محتملة بين طرفي الأزمة، فمن يبادر من العقلاء إلى تنفيس الاحتقان! لا أنكر أن أبناءنا سيدفعون ثمناً باهظاً ولكن الحل يناط بالحكومة التي بوسعها إنهاء هذه الأزمة المتفاقمة.. وخاصة أن أزمة المعلمين أصبحت ممتطى للمتسلقين، ووضعت المجتمع على محك التآكل فلمصلحة من يحدث كل هذا! القضية أصبحت مبدئية حقوقية ولا مكان للمتفرجين في هذه المصيبة.. لكن ما أريده من نقابة المعلمين أن تستمر في تبني لغة الحوار لمناقشة كل ما يتعلق بالعملية التربوية، على أن تصر أكثر على استعادة المناهج التي أدى التغيير فيها إلى برمجة الطالب على عدم احترام قيم المواجهة لأجل الحقوق المسلوبة بدءاً من حقوق المعلم المهدورة وصولاً إلى مهادنة العدو الصهيوني وتجرع قبوله رويداً رويداً..
هذه مواجهة مفصلية وهي أكبر من ضيق الحال وتردي أحوال المجتمع المعيشية؛ لأنها أيضاً مواجهة مع الذات في أن (يتقبل الإنسان الحقوق المنقوصة ويرتضي لنفسه بأن تعبد الطرقات بكرامته.. أم يتبنى صرخة “لا” ضد ما يمتهن الكرامة ويستنقص العقل العربي.. فكلمة “لا” تبدأ من شعار “احترام المعلم” وصولاً إلى ” مقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي” ناهيك عن “محاربة الفساد وعدم خصخصة الصحة والتعليم استجابة لنصيحة صندوق النقد الدولي..
أما موقف النقابات المهنية ورابطة الكتاب الأردنيين فقد عبر عن الاختلاف في مواقف الأعضاء المنتسبين إليها بموضوعية وتوازن مع الدعوة إلى حل الأزمة حتى لا تتفاقم الأمور.
أكتب هذا المقال وعيني على المناهج التي غابت عن مضامينها شمس الحرية وتسطح عقول أبنائنا وتلحقهم بسياسة القطيع.. هكذا أنا أفهم الأمور.. لذلك أنا مع المعلم وأنحاز إلى العقل الآخذ في الاضمحلال ويجب الضغط باتجاه تحسين الرواتب إلى جانب فتح كل الملفات ومنها المناهج.
في فلمه الشهير “الطيور” طرح الفرد هيتشكوك سؤالاً مخيفاً لم يجد له النقاد جواباً إلى يومنا هذا، تلك الغربان السوداء التي هاجمت المدينة كالجراد، كانت المعلمة المرتعدة تحتضن طلابها وتوجههم إلى النجاة عبر الطرقات المكشوفة للغربان التي أشبعتهم نقراً حتى سالت الدماء من وجوههم وقد نال المعلمة من ذلك نصيباً، والأسئلة تكبر مع الحدث دون أن يحظى أحد بجواب: من أين يا ترى تأتي هذه الغربان التي تستهدف البلدة الصغيرة! أين ملائكة الرحمة كي تنظف السماء من هذه الطيور الغادرة! لماذا لا تتهيأ البنادق لصيد هذا الخوف الذي أفزع الصغار وأدمى معلمتهم التي عجزت عن حمايتهم! الجواب صرخت به نقابة المعلمين حينما توحدت الحناجر، كأنها تقول لألفرد هيتشكوك “الكارثة حدثت لأن المعلمة بدت وحيدة فعجزت عن حماية هؤلاء الأطفال الذين أطعموا مستقبلهم للخوف.. فمررت الأجندات من فوقهم، وتحولوا إلى قطيع. فمن يقبل على نفسه في الأردن أن يكون العش الكبير الذي فقست فيه بيوض الغربان!
المخرج البريطاني الذي أرعبته العائلة في صغره تحول في كبره إلى مفكر حفز العقول على مواجهة الخوف من خلال أسئلته الكبيرة. ولكن لم تسعفه حياته ليشاهد كيف أن المعلمة تحولت إلى نقابة أردنية للمعلمين وقد صرخت في وجه المجهول وقالت “لا” دون خوف؛ كي تبرمج عقول الطلاب على مناقشة التفاصيل دون وجل، كي يقولوا:
لا لهدر الحقوق مهما كان نوعها.
وأخيراً على الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم إنقاذ الوطن لإعادة قطار التربية والتعليم إلى سكة السلامة باستخدام لغة العقل وتضمين ذلك في المناهج بعد استعادتها، ولو كان الثمن على حساب ميزانية الدولة حتى لا نستجلب الكارثة إلى ديارنا ثم نقول “يا ليت”.. وبعد ذلك حاسب المعلم إن شئت على أدائه بشدة وفق أغلظ العقوبات. عجبي.