فيلم النتيجة : براندو يرتجل ويبدع ويشاكس قبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة! بقلم : مهند النابلسي

فن وثقافة ….
بقلم : مهند النابلسي – الاردن …
بعد أن افقدتنا هوليوود متعة التمثيل الكلاسيكي، وتحولت معظم الأفلام الجديدة والحديثة لصرعة المؤثرات والمونتاج والتقطيع والمبتكرات الصوتية والموسيقى التصويرية، ودخل على خط الاخراج ممثلون محترفون ( كجورج كلوني وانجلينا جولي وبن أفليك ومؤخرا راسل كراو) بعد استهانتهم بالجهد الاخراجي، حيث كادوا ان يوكلوا المهمة الصعبة لكوادر الانتاج والمصورين وعباقرة المؤثرات، فاجأنا منذ اكثر من عقد هذا الشريط المميز الذي يسترجع حنين الشوق لمتعة التمثيل الكلاسيكي: فشاهدنا بطلي العراب الكبار (لشخصية المافيوزي
العتيق دون كوروليوني) براندو ودينيرو في فلم واحد اخير، مع ابداع ادوارد نورثون من الجيل الثالث، الذي اخرج ربما احسن ما في جعبته بهذا الفيلم الشيق (بدور شخص معاق مسكين)، أما القصة فهي كلاسيكية بامتياز، حيث هناك لص ماهر يضطر لأن يقدم على آخر عملية خطيرة قبل التقاعد المريح كصاحب نادي للجاز بمونتريال، وذلك تحت تأثير “عرض لا يقاوم قيمته” 4 ملايين دولار (عبارة “كورليوني” الشهيرة بفيلم العراب) !
اتفاق اللص الشاب الذكي نورتون مع مدير الأعمال الداهية مارلون براندو لم يترك لنيرو اية فرصة للتردد، أما الهدف فهو”صولجان ذهبي” يعتبر تحفة تراثية تعود للقرن السابع عشر، محفوظة تحت حراسة امنية مشددة وبكاميرات رقابة متعددة في سرداب تحت مبنى الجمارك.
طبعا براندو بدوره الأخير هنا يترك التمثيل للبطلين “دي نيرو ونورثون”، ولكنه يسرق الكاميرا بالمشاهد التي يظهر فيها (كصوت وصورة)، ويظهر مترهلا عجوزا أنيقا وخفيف الظل “كاريزميا” بصوته الخفيض “المرتج” المميز، حيث يقوم هنا بآخر مغامراته السينمائية قبل تقاعده النهائي (ووفاته لاحقا)، ولكنه يؤكد “بصمته” التمثلية المميزة منذ اللقطة الاولى، ويذكرنا بشغبه وتمرده المعهودين، حيث اشترط عدم تواجده والمخرج في مكان واحد، كما يبدو احيانا وكأنه انغمس تلقائيا بمناظرة اداء ابداعي مع “دي نيرو”! .
“ذا سكور” متعة تمثيل كلاسيكي لا تخلو من فذلكات ومؤثرات متقنة جعلتنا نقتنع بعملية السرقة، وحيث يراهن المخرج “فرانز اوز” على تملكه لحواسنا وانتباهنا طوال ساعتين من هذه الدراما الشيقة…سيناريو محكم يبدو وكأنه كتب خصيصا على مقاس الشخصيات بأقل عدد من الثغرات، تمكن فيه هذا الثلاثي من ابهارنا بتقديم وجبة دسمة من فن التمثيل الراقي، ولم تخلو هذه الدراما من المفاجآت والعنف بحده الأدنى، كما ادخل المخرج مؤثرات حركية-بصرية ذات بعد تشويقي واقعي، ولكن بعيدا عن هوس وصرعات الابهار الحركي الدارجة هذه الأيام، الفجوة الأدائية الوحيدة تمثلت هنا بدور “أنجيلا باسيت” المختصر، الذي بدا وكأنه حشر بلا داعي كرتوش تجميلية!
حبكة السيناريو تتطور بهدؤ وتتصاعد بوتيرة حابسة للأنفاس في اللقطات الأخيرة، وبدون لجؤ مصطنع للعنف والقتل، حيث لا يقدم”نورثون” على قتل الحارس العجوز مع انه تعرف عليه، كذلك لا يقوم بقتل زميله نيك “دي نيرو” ليستولي على السيف “الصولجان الذهبي”، بل يجبره على تسليمه له، فاللصوص الثلاثة ينهجون دربا “ذكيا مسالما” بطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض وحتى آخر الشريط، فالاحتراف هنا يقيدهم “مهنيا واخلاقيا”، كما أن ذكاء الممارسة المهنة يجبرهم على هذا النمط من التعامل، وان كان “نيك ويلسن” (دي نيرو) يجبر على التخلي عن قاعدتين ذهبيتين باسلوب عمله، وهما العمل دائما لوحده، وتجنب السرقات بمكان اقامته بمونتريال!