مليارات الخليج تتدفّق على السودان لإفشال ثورته وقمع موجة الربيع العربي الثانية! بقلم : د. كاظم ناصر

آراء حرة …..
د كاظم ناصر – كاتب فلسطيني يقيم في امريكا …
بعد ثماني سنوات من انطلاق الربيع العربي في تونس في أواخر عام 2010 للمطالبة بالديموقراطيّة والحريّة والعدالة الاجتماعية، هبّت موجة ربيع عربي ثانية خلال الشهور الماضية تكلّلت بالنجاح في الجزائر، وأدّت إلى إقصاء الرئيس السوداني عمر البشير، وما زالت مستمرة رغم محاولات كبار ضباط النظام السابق الذين سيطروا على الحكم احتوائها والسيطرة عليها.
قبل أعوام بدى الربيع العربي وكأنه يذوي ويتلاشى وسط الحروب الأهليّة التي عصفت بالمنطقة، وكانت فكرة فشله وموته السريري مريحة للحكام العرب الذين اهتزت عروشهم وذعروا من فكرة النشاط الجماهيري الثوري؛ لكنهم، أي الحكام العرب، لم يتعلّموا الدرس ويقوموا بإصلاحات سياسية تلائم طموحات المواطنين، بل على العكس ازدادوا بطشا واستبدادا وفسادا وتآمرا، وارتفعت نسبة الفقر المدقع، وزادت المعاناة والانقسامات والحروب، واشتد حنين المواطنين العرب للعيش في دول قانون ديموقراطية تساوي بينهم، وتمنحهم حقوقهم، وتحمي وتصون كرامتهم وكرامة وطنهم.
بعد تراجع موجة الربيع العربي الأولى تسلّم قادة الكتلة العربية التي تتزعّمها السعودية والإمارات زمام الثورة المضادّة، وقاموا بتشديد السلطة في بلادهم، وفعلوا كل ما بوسعهم للقضاء على المعارضة وتصوّروا أن موجة الربيع العربي انتهت إلى الأبد، إلا ان أحداث الجزائر والسودان وتظاهرات الأردن والمغرب والعراق تظهر خطأ حساباتهم، وتؤكد أن قوى الربيع العربي ما زالت حيّة، ونيران التغيير ما زالت تحت الرماد ولم تنطفئ، وقد تشتعل قريبا وبقوة وتحرقهم كما أحرقت غيرهم.
ولهذا فإنه من المتوقع أن تتصدّى الأنظمة العربية لموجة الربيع العربي الثانية وتبذل كل جهد ممكن لإفشالها؛ فقد تحرّكت مصر ودول عربية أخرى لتطويقها، وألقت السعودية والإمارات بثقلهما وأعلنتا أنهما ستقدمان مساعدات لجمهورية السودان تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار أمريكي.
نحن نريد الخير لإخواننا في السودان، لكننا نشك في نوايا الدولتين لأن الإعلان عن هذه المساعدات جاء بعد أن أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان عن استمرار قوات بلاده في التحالف العربي باليمن الذي تقوده السعودية والإمارات؛ كذلك هناك الكثر من الأسئلة التي تطرح نفسها منها: لماذا حصل هذا الكرم السعودي الإماراتي المفاجئ؟ وألم يكن الشعب السوداني يعاني الأمرين عندما كان البشير صديق البلدين وشريكهما في”عاصفة الحزم” في السلطة؟ ولماذا لا تدفع الدولتان مليارات مماثلة لوقف تهويد القدس؟ هذه الأموال والمساعدات السعودية الإماراتية رشوة واضحة لدعم العسكر وحرف مسار الثورة ومنع التحول الديموقراطي، وإعادة انتاج نظام البشير بمعاونة عناصره السابقة في الجيش والسيطرة على القرار السوداني، وإبقاء السودان متورطا في دعم سياسة الدولتين ضدّ قطر وفي حرب اليمن القذرة. انها، أي المليارات السعودية الإماراتية، جزء من حروب قذرة يستخدم فيها المال العربي المدنس لقهر الشعب العربي ومنع التغيير.
الأنظمة العربية القائمة أفلست ودخلت في مرحلة تفكّك ستوصلها إلى الانهيار الحتمي لأنها أنظمة فردية ” أبويّة ” لا تعتمد على مؤسسات ورجال دولة أكفاء مخلصين، بل إنها تعتمد في وجودها على حكام طغاة، وعصابات، ومجموعات من اللصوص والمرتشين من رأس الدولة حتى الموظف الصغير الذي لا يوقّع ورقة تافهة أو شهادة وفاة إلا برشوة.
لكن ما يبشر بالخير هو ان الشعب السوداني ما زال مستمرا في ثورته ويصرّ على إقصاء العسكر من السلطة، ويطالب بتشكيل حكومة مدنية تقود مرحلة انتقالية تمهّد لإقامة نظام ديموقراطي تعدّدي تبادلي، ويرفض هذه العلاقة المشبوهة بين نظام العسكر الجديد والسعودية والامارات؛ فقد ذكرت صحيفة ” واشنطن بوست ” في عددها الصادر بتاريخ 25 – 4 – 2019 ان المحتجين السودانيين حذّروا السعودية والامارات من التدخل في الشأن السوداني ورفعوا شعارات من ضمنها ” لا تتدخّلا ” و ” لا نريد الدعم من السعودية حتى لو أكلنا الفول والفلافل. ”
عندما يخرج ملايين الشباب والشابات العرب إلى الساحات في الجزائر والسودان ويسقطون أنظمة فاسدة، وعندما يتظاهرون في العديد من الدول العربية ويطالبون بالتغيير، فانهم يعطون أمتنا أملا جديدا بمستقبل أفضل، ويؤكدون بأن الامة ستنهض حتما، وان مؤامرات الحكام العرب على هبة الربيع العربي الثانية ستفشل، وما حدث لبوتفليقة والبشير سيحدث لهم وان المسالة مسالة وقت لا أكثر ولا أقل.