مجزرة نيوزيلاندا وبشرى للعرب في المهجر- بقلم ك محمد مسلم الروسان

الجريمة…
محمد مسلم الروسان – الاردن …
صباح أسود ذلك الذي استيقظنا عليه يوم الجمعة في بلادنا العربية، ونحن نرى مجزرة تحصد خمسين مسلماً دفعة واحدة ذنبهم الوحيد أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهو ذات الآله الذي يؤمن به المسيحي واليهودي، ولكن الخلاف بيننا وبينهم هو: كيف نعبد الله؟! وهو الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ما قاله أبو العلاء المعري:
في اللاذقية فتنة  ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق  وذا بمئذنة يصيح
كلٌ يعظّم دينه   يا ليت شعري ما الصحيح؟
هذا ليس مقالي؛ فمقالي اليوم حول البشرى التي تحملها مثل هذه المجازر للمسلمين بعامة، ولمن هم في بلاد المهجر بخاصة، فنحن نعرف تاريخنا جيداً، نعرفه حتى وإن ألغت وزارات التعليم العربية مناهج التاريخ من المدارس، تاريخ الحملات الصليبية، وتاريخ الاحتلال الفرنسي والبريطاني والإيطالي لبلادنا، وعن مجازر محاكم التفتيش بحق المسلمين في بلاد الأندلس، لم ولن ننسى ذلك، ولكننا قوم مسالمين، قوم لا نبحث إلا عن السلام، ولكنه أصبح محض استسلام.
إننا نعلم تمام العلم ما فعله سايكس وبيكو وكيف تم تقسيم الوطن العربي إلى الكيانات التي نراها اليوم والتي نسميها أوطاناً، وكيف تم تفتيت الشعوب العربية إلى قطعان بعضها كبيرة وأخرى صغيرة، ووضعوها في حظائر ووسموها بأوسام نحملها في جيوبنا، ليعرف كل صاحب قطيع أي ناقة هي له، تماماً كما كان العرب يفعلون قديماً لتمييز قطعانهم من الماشية. وبات كل صاحب قطيع يرى نفسه آلهة على من هم تحته، ويرفض كل واحد منهم أن يغادر كرسي السلطة إلا أن يقتل في عبّارة، أو رصاصة بالرأس، أو معلقاً على حبل، حتى وإن كان الأمر يقتضي من ذلك الآله أن يحكم وهو يرتدي “فوطة” لأنه يتبول لا إرادياً، وليذهب الشعب إلى الجحيم.
إن التضييق والظلم الذي واجهه، ويواجهه أبناء الوطن العربي؛ دفع بهم إلى بلاد المهجر، بحثاً عن لقمة عيش، وعن أبسط ما يحفظ به كرامته وكرامه أسرته، فلو وجد أبسط الحقوق ما هاجر ولا فكر في ذلك إلا على سبيل السياحة، وإلا ما الداعي لرجل سوري أن يعمل سائساً للخيل في نيوزيلاندا؟ أهي من قلة الخيول العربية؟ أم أنه لا يجد من يدفع له مقابل حرفته؟ ولكنها ضرورات العيش، وضغط الشعور بالحاجة مع القدرة على العطاء، نعم القدرة على العطاء، فكم سمعنا الآف الروايات عن ألمع العقول العربية العاملة في كل أصقاع الأرض، وفي كل الميادين، علمية، وأدبية، وطبية، وهندسية، وسياسية، واقتصادية، وتجارية، وحتى الفنية، لا بل وقد شاءت الأقدار أن نعرف عدداً كبيراً منهم. وجميعهم دون استثناء يتمنون العودة إلى مسقط رأسهم ولكنهم يعلمون تماماً المصير المحتوم الذي ينتظرهم هناك، ظلم وفساد، تهميش واستبعاد. وأعرف فيما أعرف الكثير ممن جربوا العودة ولكنهم فشلوا وعادوا للمهجر من جديد، عازمين على عدم العودة مرة أخرى للبلاد العربية.
البشرى كل البشرى للعرب المسلمين في بلاد المهجر، حتى وإن نزفت دمائكم، فلولا الشعور بالخطر منكم ما نزفت دمائكم، والخطر منكم ليس إرهاباً تحملونه في عقولكم، ولا سلاحاً تحملونه في أيديكم، ولستم بمحتلين ولا مغتصبي أرض، فالخطر منكم يأتي من أخلاقكم الكريمة، وانتشاركم انتشار النار في الهشيم، الخطر منكم يأتي من إبداعكم في كل أمر تفعلونه، فأنتم فوق كل ذلك أفضل ممن تعيشون بينهم، تحملون في صدوركم آخر الرسالات السماوية، المتممة لما سبقها من رسالات، تؤمنون بالمسيح وموسى ويوسف وسليمان ودواد ويعقوب وإبراهيم، والخطر منكم يأتي بتأثيركم الإيجابي على كل من حولكم.
فإن كان من فسروا لنا القرآن سابقاً قد فسروا قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله ، بالقول بأن المقصود بالحديث هم المهاجرين مع الرسول من مكة إلى المدينة في بداية الدعوة الإسلامية، فإن هذا القول ينطبق عليكم أنتم الآن، فما هاجر المسلمون الآوائل مع الرسول إلا من ظلم أهلهم وأقاربهم وبني جلدتهم وأسيادهم في مكة، وها أنتم تعيدون الكرّة مرة أخرى، فأنتم خير من أخرجت هذه الأمة من سفراء لها إلى بلاد المهجر، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى، وكونوا خير سفراء فأنتم تحملون من الأمانة ثقلها. فقد تكون العناية الآلهية تقتضي أن تكون رفعة الأمة الإسلامية من جديد على أيديكم أنتم المهاجرين، كما كانت على أيدي المهاجرين مع الرسول، ولكن لموعد يعلمه الله ولا نعلمه نحن.
وفي النهاية فإنني لا أعتب ولا تعتبوا أنتم على مشايخ السلاطين في بلادكم العربية، فمثلهم لا يؤخذ عنهم سوى أحكام الوضوء والحيض والجنابة، فليس هناك واحد منهم سليل أو وريث لمشايخ أمثال #العز_إبن_عبدالسلام