آراء حرة ….
إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك ….
يقابلنا الكثير من المثقفين المزيفين الآن ، ولعل أكثرهم زيفا ، هم هؤلاء الذين يوهمونك بأنهم تعلموا وفكروا وتدبروا من أجل الوصول ، إلى حفنة مبادئ فقدسوها وتعصبوا لها ومضوا يشهرون سلاح الاتهام والرجعية في وجه أي شخص لا يعتقد بنفس اعتقادهم ، والحقيقة أنهم لم يفكروا ولم يتعلموا ولم يتوصلوا إلى أي حقيقة يمكن اتباعها ، هؤلاء تكيفوا مع منظومة ليس لها أي علاقة بالثقافة ، يرددون من الأقول ما يخالف رأي الجميع ، فقط من باب خالف تعرف . الثقافة التي عرفناها هي كتاب يقرأ منذ نعومة الأظافر ثم تتزايد المعرفة عام بعد عام مع القراءة المستمرة والتفكير فيما يُقرأ ، وفي النهاية يمكن أن يصل إلى ما يمكن أن يطلق عليه بأنه مثقف بحق وحقيقي . كنا زمان نتلهف على أن نوفر من مصروفنا بضعة قروش لنطير بها إلى محل بيع الكتب القديمة وننتقي منها ما يعجبنا . قصة أعادت إلى ذهني هذا الزمن ، قصة ” هيثم عبد ربه ومشروعه الجميل ” عربة الحواديت ” وذلك بعد أكثر من عامين أثبت فيهما قدرته على التواصل وقدرته على التأثير . كتبت من قبل ” الأطفال أحباب الله ، يرسل إليهم هداياه دائما كي يسعدوا في هذه الحياة الظالم أهلها والمتجاهلة حقوق الطفل ، ويرسل الله جنودا يعرفون جيداً أن دورهم هو الانتباه للأشياء التي يحتاجها الأطفال ، وكثير من أطفال مصر موهوبون ، لكنهم يحتاجون لمن يضئ لهم مصباح خيالهم ، والخيال يكمن في الكتاب ، والكتاب عند هيثم عبد ربه ، وهيثم يدور في القرى والنجوع بعربية الحواديت . البداية كانت عندما أبدت طفلة إعجابها بمجلة كانت فى يده ، ويتصفح قصة للأطفال، اقتربت منه الطفلة وعيناها معلقتان بغلاف المجلة، ومدت يدها للمجلة، وسألت: «إيه دى؟» قال لها هيثم: «دى مجلة، يعنى شوية ورق فيهم صور جميلة وحكايات مسلية.. “حواديت يعني” ولمح هيثم البسمة والضحكة والفرحة فى عيون البنت الطفلة فمنحها المجلة، وقرر من بعدها أن يجمع عدداً كبيراً من القصص المخصصة للأطفال، ويوزعها على الأطفال فى الريف، حتى أصبح «أيقونة» يعرفها الصغار ينتظرونه فى شوارعهم الضيقة وساحات أرواحهم الواسعة ، رحلة هيثم عبدربه وعربته الممتلئة بالحواديت كشفت كثيرا من معضلات الحياة اليومية للطفل التى غاب عنها الخيال الحقيقى، وأصبحوا عرضة لتلقى خيال الآخرين المعلب والمقولب والموجه والناتج من ثقافات مختلفة ومتغايرة ، كما رصدت التجربة غياب دور الأمهات فى الحكى، ومن ناحية أخرى تم الوقوف أمام رداءة الأساليب التعليمية فى مصر، هيثم عبدربه يعرف هدفه من هذه المبادرة العظيمة، فهو يرى أن أهمية عربية الحواديت تأتى فى شقين، الأول سد الفجوة والعجز المصابة بهما وزارة الثقافة، حيث إن القرى والعزب والنجوع تقريبا ليست على خارطة الوزارة، وكأن من يسكنها ليسوا بشرا، وأن الأطفال هناك ليست لهم حقوق فى حياة ثقافية ، حتى بات لدى هؤلاء الناس والأطفال معتقد أن الثقافة رفاهية على نقيض الواقع بأن الثقافة هى الحياة ذاتها ، والأمر الثانى الذى يراه هيثم هدفا لعربية الحواديت هو العمل على فكرة تتصدر لها أجهزة الدولة، وهى مكافحة الإرهاب، فيقول: «أنا أرى أن مكافحة الإرهاب تبدأ مبكرا من مرحلة تكوين شخصية الطفل، وتكوين ثقافته بعيدا عن ثقافة العنف والجهل وتقديس المادة ، تجربة رائعة ، ليت الدولة تتعلم ووزارة الثقافة تختشي !!
edwardgirges@yahoo.com