رئيس الموساد ينشر خطة الحرب التي وقعت عام 1973 ويطلب الاستعداد لها

استخبارات وجاسوسية ….
موقع عرب ٤٨- فلسطين المحتلة ….
نشر أرشيف الدولة الإسرائيلي امس، الاثنين، البرقية التي بعثها رئيس الموساد في العام 1973، تسفي زامير، إلى رئيسة الحكومة الإسرائيلية، غولدا مئير، وبدأها بأن “الجيش المصري والجيش السوري على وشك شن حرب ضد إسرائيل عصر يوم السبت 6\10\73”. ويأتي نشر هذه البرقية، ووثائق أخرى بينها محاضر جلسات لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أثناء الحرب، بمناسبة الذكرى السنوية الـ45 لحرب 1973 والتي اندلعت في السادس من تشرين الأول/أكتوبر. ونشر البرقية كاملة في الموقع الالكتروني لأرشيف الدولة يعتبر خطوة غير مألوفة لأنه يمتنع عادة عن نشر وثائق الموساد وخاصة تلك المصنفة “سرية للغاية”.
وكان السكرتير العسكري لرئيسة الحكومة الإسرائيلية، يسرائيل ليئور، اتصل بمئير صبيحة اليوم الذي نشبت فيه الحرب، الذي صادف “يوم الغفران”، وأبلغها بالمعلومات التي تضمنتها برقية زامير. وقالت البرقية إن مصدرا مصريا رفيع المستوى أبلغ زامير بأن مصر وسورية توشكان على شن هجوم مشترك ضد إسرائيل. ويذكر أنه أصبح معروفا لاحقا أن المصدر المصري هو أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، وأحد المقربين من خلفه، أنور السادات.
زامير
وحضرت مئير إلى مكتبها واطلعت على البرقية الكاملة الممتدة على خمس صفحات، تحت عنوان “معلومات من اللقاء في 5\10\73” واحتوت على المعلومات التي زودها مروان لزامير أثناء لقائهما في لندن.
وأهمية هذه البرقية هي أنها قلبت الأمور رأسا على عقب، وكشفت حجم إخفاق شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. إذ قبل ذلك بيوم واحد، استعرضت شعبة الاستخبارات تقريرا خلال اجتماع هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وقالت إنه يوجد “احتمال ضئيل” لنشوب حرب. لكن برقية زامير أكدت أن احتمال الحرب كبير للغاية ومؤكد، إذ نشبت عصر اليوم نفسه التي وصلت في البرقية.
ونقل مدير مكتب رئيس الموساد، فريدي عيني، البرقية إلى ليئور الذي بدوره أطلع مئير عليها. وكتب عيني بخط يده في الصفحة الأولى من البرقية: “إسرائيل. كما هو مذكور، المادة (أي البرقية) ستنقل وتوزع على جميع الجهات بعد عدة دقائق. فريدي.”.
وكتب عيني في الصفحة الثانية من البرقية ملاحظة أخرى لسكرتير مئير العسكري، جاء فيها أن “هذه تكملة وانتبه رجاء إلى أنه توجد في المادة إشارة واضحة إلى المصدر ولذلك أحذروا”. وفي البند 14 من البرقية، كتب رئيس الموساد أن “المصدر يقدر وجود ’احتمال بنسبة 99 بالمئة’ أن الهجوم سيبدأ في 6\10ذهب بعيدا بخصوص الحرب”.
وأضاف زامير، في البند 27 من البرقية، أنه “بحسب أقوال المصدر فإنه بالإمكان ربما إحباط بدء الحرب من خلال نشر أنباء عن ذلك في الراديو والصحف، لتثبت لمصر، وقيادتها العسكرية، أن الإسرائيليين يعلمون بالخطة ومستعدون لها”. وختم زامير برقيته بأنه “أقترح دراسة النشر بواسطة وكالات الأنباء في البلاد. وبرأي المصدر أنه سيكون لذلك تأثير في مصر”.
وتابع زامير، في البند الثاني، أن “الهجوم سيبدأ بالتزامن في جبهة السويس وجبهة الجولان”، وقال في البند الثالث إنه “في الأسبوع الأخير نُقل إلى الجبهة فرقتين من منطقة القاهرة، وعمليا يتواجد حاليا كل الجيش المصري في جبهة القناة، وبقي في منطقة القاهرة لواء مدرعات واحد، ولواء الحرس الجمهوري وأربعة ألوية مشاة، ومعظم المدرعات والمدفعية يتواجدون في الجبهة”.
وكتب زامير في البند الرابع أن “السادات اتخذ في 25 أيلول/سبتمبر القرار بفتح حرب في 6\10، لكن لم يقل لأحد بشأن التاريخ. وحسب أقوال المصدر، تم اختيار هذا التاريخ لأنه ’عيد’ عندنا وعلى الرغم من صيام رمضان…”.
وقبيل توجه زامير إلى لندن، أطلع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، إيلي زاعيرا، أن أشرف مروان، طلب أن يلتقي معه وأوضح له معنى هذا الطلب. وشهِد زامير أمام “لجنة أغرانات”، التي حققت في إخفاق إسرائيل بتوقع الحرب، وقال إنه “هاتفت زاعيرا عند الساعة الثانية فجرا، وقلت له: ’تلقيت بلاغا هاتفيا من فريدي، بأن المصدر يريد أن يراني – هذه كلمة السر للحرب’”. رغم ذلك، في اليوم التالي، قال زاعيرا خلال اجتماع هيئة الأركان العامة إن احتمال نشوب حرب ضئيل.
“إخفاقات أخطر من الهجوم المفاجئ في الحرب”
تركت حرب أكتوبر ندبة لدى الإسرائيليين الذين لا يزالون يعانون منها حتى اليوم. وكتب الجنرال في الاحتياط والباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، غيورا آيلاند، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، أن “الإخفاق هو نتيجة ’المفهوم’ الذي ساد في شعبة الاستخبارات، وتبناه رئيس أركان الجيش والمستوى السياسي، وبموجبه أنه لن تندلع الحرب بين إسرائيل وجاراتها في المستقبل القريب. ونتيجة لهذا التقدير الخاطئ فوجئ الجيش الإسرائيلي، ولم تُجند قوات الاحتياط في الوقت المناسب، وبدأت الحرب عندما كنا في وضع متدن صعب، تسبب بسقوط الكثير من المصابين وفقدان مناطق هامة. والحاجة إلى إعادة احتلال هذه المناطق، مثل جبل الشيخ، جبى ثمنا دمويا كبيرا”.
وأشار آيلاند إلى أن لجنة التحقيق الرسمية، “لجنة أغرانات”، قررت أن المفاجأة سببها تقدير الجيش الخاطئ “لنوايا العدو”. ولذلك، فإن العبرة في إسرائيل من هذا الإخفاق هو أن “علينا أن نكون مستعدين دائما مقابل قدرات العدو وتجاهل نواياه، إذ أنها قد تكون خفية دائما”.
وأضاف آيلاند “أنني أختلف مع هذين الأمرين، المتعلق بالإخفاق الاستخباري وقرار لجنة أغرانات. وبسبب ضيق المكان سأتطرق إلى القضية الأولى فقط. فعلا، الاستخبارات أخطأت وضللت الحكومة، لكن الخطأ الاستخباري هو أمر حدث ويحدث طوال التاريخ كله”، وأشار إلى المفاجأتين في الحرب العالمية الثانية، عندما غزا الألمان الاتحاد السوفييتي والهجوم الجوي الياباني على قاعدة بيرل هاربر الأميركية، وكلتا المفاجأتين حدثتا في العام 1941. “ينبغي طبعا فعل كا ما يمكن من أجل منع المفاجآت، لكن عندما يكون هناك جانب آخر يحاول أن يفاجئ، فإن الإخطاء في قراءة خطواته قد يحدث دائما”.
لكن آيلاند اتهم قيادة الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب بالجهل. وكتب أن “الأمر الأخطر الذي حدث في حرب يوم الغفران هو جهل قيادة الجيش الإسرائيلي. وخلافا للخطأ، فإن جهلا مهنيا لا يمكن الصفح عنه لأنه نتيجة استهزاء بالمهنة العسكرية وبواجبات ناتجة عنها. وقيادة الجيش الإسرائيلي – رئيس أركان الجيش، قادة الجبهات، ضباط هيئة الأركان العامة – كانوا يفتقرون للمعرفة العسكرية الضرورية لمستواهم”.
وأوضح أنه “تم التعبير عن هذا الأمر من خلال سلسلة طويلة من المواضيع”، وذكر ستة أمور تظهر حجم أخفاق قيادة الجيش الإسرائيلي:
أولا: تقرر فيما يتعلق بشكل استعداد الجيش الإسرائيلي أن “خط التماس مع العدو هو أيضا خط الإيقاف، الذي إذا اخترقه العدو، تكون القيادة العسكرية قد فشلت في مهمتها. وهذا الأمر تجاهل البديهية الأولى لنظرية الدفاع، التي تقول إنه من الجائز أن التماس سيُخترق ولو تم ذلك نتيجة السبب البسيط أن المهاجم هو الذي يختار أين يهاجم وأين يمكن أن يركز جهده في المكان الذي اختاره. من هنا، فإن الأمر العسكري الأول يلزم بالاستعداد بوجود عمق وقوات احتياط”.
غولدا مئير ورئيس أركان الجيش دافيد إلعزار (مكتب رئيس الحكومة)
ثانيا: “في كلتا الجبهتين، في الجنوب والشمال، استعدوا من خلال زج لواء دبابات واحد أمامي، رغم أنه في كلتيهما تواجد على الأقل لواءان نظاميان في حالة جهوزية. والانتقال إلى حالة جهوزية صحيحة جرى في الجبهتين تحت إطلاق النار، ودفعنا ثمنا غاليا جراء ذلك”.
ثالثا: “بنى الجيش الإسرائيلي استحكامات، في الجنوب والشمال، بصورة غير مهنية بشكل مرعب، ومن خلال تجاهل كامل لخبرة مئات السنين في هذه القضية البسيطة”.
رابعا: “هيئة الأركان العامة وقادة الجبهات كانوا جهلة بكل ما يتعلق بمعرفة دور سلاح الجو وقدراته والأهمية الناتجة من تغييرات مهمة ملحة تلقى أمرا بتنفيذها”.
خامسا: “إجراءات القيادة والسيطرة، لدى رئيس أركان الجيش وقادة الجبهات، تمت ملاءمتها لمستوى سَرية أو كتيبة وليس لمستوى الجيش كله”.
سادسا: “وهو الأخطر، أنه قبل يومين من نشوب الحرب تم الإعلان عن جهوزية كاملة للجيش النظامي، لكن لا أحد أوضح تجاه ماذا. وهكذا، فإنه في هضبة الجولان وكذلك في القناة تواجد الجنود في قواعدهم لكن أغلبيتهم جلسوا هناك بأحذية بيتية وقرأوا الصحف”.
وتوصل آيلاند إلى الاستنتاج بأنه “لو أن قيادة الجيش كانت مهنية كما هو متوقع منها، ولو أن الجيش النظامي استعد للحرب كما هو مطلوب، لكانت نتائج الأيام الأولى مغايرة كليا. وخلافا للمفاجأة، فإنه عن هذا الإخفاق يصعب الصفح”.