أعداء النجاح وبقايا الحلوى – بقلم : بكر السباتين

آراء حرة ….
بقلم : بكر السباتين – الاردن \ فلسطين …
حدث معي في مناسبة جمعتني وبعض الأصدقاء قبل أيام، وكان محور الحديث يدور حول بعض الأصدقاء الذين نجحوا في حياتهم المهنية والعلمية والثقافية الإبداعية، وكان بعض الحاضرين وبلا تحرج من الفاشلين حتى في حياتهم الاجتماعية.. وفي أتون نقاشهم البيزنطي كنت أفضل الاستماع بانتباه شديد حتى أغذي ذاكرتي بأهم الومضات الحياتية، التي تمر دون أن نكترث بها.. فلا تمس فكرنا أو تتفاعل معها ضمائرنا.. وفي صريح العبارة كانت جلسة سادتها النميمة وعن غير قصد. ومن تلك الأحاديث التي تجاذبت أطرافها الألسن بعد أن تلمظت بقايا ما علق بين الأسنان من حلويات، تعليقات خرجت من قلوب حاقدة مدفوعة من شعور أصحابها بالعجز، بعد أن كمموا ضمائرهم الميتة بابتسامات بلهاء، حينما انفتح الحوار على موضوع مًنْ برز من الأصدقاء وأصاب نجاحاً مادياً أو معنوياً في حياته ونحن ندرك كم عانوا واجتهدوا لأجل ذلك!! أنا لا أتحدث هنا عمن قفزوا إلى القمم في سويعات تاركين وراءهم عاصفة من الأسئلة المبهمة!! بل عن أصدقاء عاشوا بيننا ونعرف تفاصيل حياتهم منذ أيام الدراسة وكيف عانوا شظف العيش في أسر كانت ترزح تحت أثقال الحياة وهمومها.. باعوا الكعك وكرابيج الحلب والترمس أثناء الدراسة، وحصلوا على درجات عالية في مرحلة التوجيهي، وفي الجامعة كانوا يوفقون بين الدراسة والعمل حتى يتمكنوا من إتمام مسيرتهم الدراسية، حتى نهضت فيهم الرجولة وأثمر التعب وتبوءوا مكانتهم المشرفة وكان النجاح المبهر حليفهم أنّا حطت بهم الرحال. حصل معهم كل ذلك دون أن يتنكروا لبداياتهم الصعبة.. فنتلمس مبلغ كرمهم أثناء قيامهم بواجباتهم على أحسن حال، فيما بدت أوضاعهم واضحة المعالم ولا شبهة فيها ولا يتباهون بالمظاهر الكذابة.. ورغم كل ذلك كانوا في نظر الفاشلين إما لصوصاً أو نصابين متجبرين فاسدين.. متنطعين.. يجملون سيرهم الذاتية بالكذب والتدليس والتفاخر الأجوف بالبطولات الوهمية! وكأنهم في نميمتهم هذه يميطون اللثام عن كنوز من الحقائق الدامغة! فلا عجب وكنت أعرف أحدهم من الكسالى ممن أدمنوا الهروب من فوق سور المدرسة والالتحاق بأولاد الشوارع للعب كرة القدم، والنتيجة أن حصادهم خيبة.
وبينما كنت أدلق مشروب الكولا في فمي، وأطوف بعينين متفحصتين في وجوه الجالسين كي أقرأ فيها الدهشة سواء كانت لمن انتبه أو أهمل سياق الحوار، شرعت في عقد مقارنة موضوعية، بين النموذجين من الرجال، ولنبدأ بهذا الرجل الذي كان يجلس قبالتي وقيل لي بأنه مدرس متقاعد ومتدين جداً، وأدركت من خلال الهمز واللمز الذي أحاطه من كل جانب بأنه لا يملك زمام الأمر في بيته (يعني خروف) حتى أن أبناءه كانوا من أرباب السجون، يدخلونها بتهم البلطجة والسطو على المحلات ومعاقرة الخمر، ورغم ذلك يفتح حربه الشعواء على الناجحين مستعيناً بتأويلاته للأحاديث النبوية وكأنه معصوم عن الخطأ؛ مقابل ذلك كان هناك النموذج الآخر ممن نيل من سمعتهم، أحد الرجال الناجحين ، والحاصل على شهادة الدكتوراة (الحقيقية) في المحاسبة، ويمتلك شركة تدقيق حسابات في دبي، وكنت إذا التقيته وحدثته عن ظروف رفاق الطفولة ترقرقت دموع الحنين في عينيه وتحركت في قلبه الشهامة باتجاه الواجب الممكن، ولو دققت المقارنة بين النموذجين ستدرك حينئذ كيف يكون مجتمع الرياء الذي يتحكم به الخصيان ممن يرمون النخلة العالية بالحجارة كي يظفروا بالرطب دون إذن. فضحكت في سري وأنا أراقبهم يتسابقون في قذف الناجحين بالحجارة، كأنهم يتبادلون الأنخاب في مواخير الغيبة والنفاق:
“هذا لص.. بل فاجر.. متنطع متفاخر..إلخ”
وكان أحد أصدقائي قد تلمس ما يدور في رأسي.. ولكزني بطرف أصبعه مومئاً برأسه إلى أحدهم.. وهمس في أذني المشنفة بانتباه وحذر:
” هذا الفاشل قبل ساعات طلب مني التوسط لدى معارفي لمساعدته في قبول معاملة التقاعد المبكر لزوجته التي تعمل في أمانة العاصمة! وهذا أمر طبيعي.. ولكن المستهجن في الأمر أن طالب الواسطة الذي أومأت إليه بعيني، نعت صاحبها في سياق هذه الجلسة وهو رجل ناجح يتبوأ منصباً إدارياً بارزا في إحدى المؤسسات العامة، قائلاً” لولا أنه لص كبير وفاسد لما تبوأ منصبه هذا”.. وهمست في سري “لماذا تنشد واسطته إذن أيها المرائي”.. وضحكت بصمت متلمظاً طعم الخيبة المرة في أحاديثهم المملة.. فقد آن وقت مغادرتي المناسبة والومضات ما لبثت تطرق فكري، وتفتح ضميري على كثير من المواقف التي يجب ألا تمر دون انتباه رغم أنها تتكرر معنا دائماً….