الشيب علامة حكمة ووقار لا نقيصة أو عار..؟؟!! بقلم : طلال قديح

منوعات …
طلال قديح – كاتب فلسطيني من السعودية
الشيب  أصلا هو بياض الشعر في سن متقدمة، لكن قد يشيب الفتى لسبب من الأسباب يختلف باختلاف العمر والمؤثرات التي يتعرض لها، وقد يبدأ بشعيرات بيضاء في الرأس تخطو على مهل وربما اشتعل الرأس شيبا بين عشية وضحاها فتثير تساؤلات كثيرة لا تجد إجابات مقنعات.
والعرب ينظرون إلى من شابت رؤوسهم ولحاهم نظرة تقدير واحترام ، تُوسّع لهم المجالس وتُعطى لهم في الصدارة  الوثير من المقاعد، وإذا تكلم الشايب كان الحضور كلهم آذان صاغية يتلقفون ما يقال بلهفة واشتياق وحرص ألا يفوتهم منه شيء على الإطلاق.
والشعر ديوان العرب سجل زاخر بكل عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وتبارى الشعراء بنظمها في قصائد غراء تمثل تراثا خالدا للأحفاد والأبناء.
وقد يرى البعض أن شيب الرأس لا يكون بالضرورة علامة على الشيخوخة أو الهرم بل دليل على الحنكة والحكمة وبعد النظر ليبدأ المرء يضطلع بمسؤوليات جسام يخدم بها مجنمعه وأمته بثقة واقتدار بعيدا عن الزلات والعثرات.
لذا نجد الشاعر ينفي تقدمه في العمر ويرى ان شيبه دليل على شجاعته وإقدامه:
وما شاب رأسي عن سنين تتابعت عليّ ولكن شيبته الوقائع
ويقول آخر في تشبيه ضمني رائع:
قد يشيب الفتى وليس عجيبا أن يُرى النور في الغصن الرطيب
ونجد من الشعراء العرب من يرحب بالشيب ولا يجد فيه نقيصة، فهذا الشريف الرضي يقول:
مسيري في ليل الشباب ضلال  وشيبي ضياء في الورى وجمال
سواد ولكن البياض سيادة   وليل ولكن النهار جلال
أما البحتري فيقول متغزلا ومدللا:
عذلتنا في عشقها أم عمرو  هل سمعتم بالعاذل المعشوق
ورات لمة ألمّ بها الشي  ب فريعت من ظلمة وشروق
ولعمري لولا الأقاحي لأبصر تُ أنيق الرياض غير أنيق
وسواد العيون لو لم يكمل ببياض  ما كان..بالمرموق
أي ليل يبهى بغير نجوم   أو سماء تندي بغير بروق؟!
ويقول أبو فراس الحمداني شاكيا:
رأيت الشيب لاح فقلتُ أهلا  وودعتُ الغواية والشبابا
وما إن شبتُ من كبر.. ولكن  رأيتُ من الأحبة ما أشابا
ومن أبيات البارودي التي نظمها في منفاه بسرنديب:
كيف لا أندب الشباب وقد أصبحت كهلا في محنة واغتراب
أخلق الشيب جدتي وكساني  حلة منه رثة الجلباب
ولوى شعر حاجبي على عيني حتى أطل كالهدّاب
ويهزأ ابن الرومي ممن يصبغون:
يا أيها الرجل المسوّد شيبه كيما يعدّ به من الشبان
أقصر.فلو سودت كل حمامة  بيضاء ما عُدّت من الغربان
وبالمناسبة لا ننسى الفنان العراقي ناظم الغزالي وهو يغني قصيدته التي تلامس شغاف القلوب وتهيج العواطف وتثير أصدق المشاعر:
عيرتني بالشيب وهو وقار   ليتها عيرتني بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني فالليالي تزينها الأقمار
وبعد ، فهذا غيض من فيض  مما قاله الشعراء في مختلف العصور، ولعله كاف ليدل على آرائهم في الشيب وتعليلاتهم له لتظل كنزا للأجيال في كل زمان،
ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.