نتنياهو وترامب.. تزلّف متبادل – بقلم : جيمس زغبي

آراء حرة ….
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن …
طغت الأحداث المأساوية والمقلقة التي سبقت وأعقبت المؤتمر الصحافي الغريب الذي عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على اللقاء الذي جمعهما في واشنطن. وبدأ الأسبوع بالاستقالة الإجبارية لمستشار الأمن القومي «مايكل فلين»، وتقارير كشفت عن اتصالات بين مساعدي حملة ترامب والمخابرات الروسية، ما يُظهر أن البيت الأبيض في حالة فوضى، ويعمل في ظل سحابة سوداء من الشكوك. وفي اليوم التالي بعد المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب ونتنياهو، هيمنت على المشهد ردود الأفعال على المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب منفرداً، وبدا فيه غير متماسك بصورة غير مسبوقة، في بعض الأحيان، ومصاباً بجنون العظمة، ما ترك بعض المحللين يتساءلون حول اتزان الرئيس.
ونتيجة للمخاوف المتزايدة من علاقات ترامب بروسيا وسلوكه المنفلت عندما يتحداه مراسلون أو مؤسسات أميركية أخرى، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات، أو الهيئات القضائية أو الخصوم السياسيون، باتت زيارة نتنياهو قصة خبرية عابرة، ولم يخضع محتوى المؤتمر الصحافي الذي جمع الرجلين للتدقيق اللازم.
وكما كان متوقعاً بدا المؤتمر مناسبة لتبادل المشاعر الدافئة، ولاسيما أن نتنياهو، بصفته رئيساً لوزراء إسرائيل، اضطر للتعامل مع رؤساء ديمقراطيين مثل كلينتون وأوباما، اللذين ضغطا عليه، وإن كان بلطف، دون جدوى من أجل تقديم تنازلات لدفع عملية السلام إلى الأمام. أما الآن بعد أن أصبح الرئيس الأميركي «جمهورياً»، فقد بات لدى نتنياهو سبب لتوقع التوافق الكامل معه بشأن معظم القضايا. وبعد أن جعل الاعتراض على ما وصفه بسياسات أوباما «الضعيفة» تجاه إسرائيل وإيران من أبرز القضايا في أجندة السياسات الخارجية التي روّجت لها حملته الانتخابية من جانبه، يعتبر ترامب أن نتنياهو «شقيق الروح».
وقد أبرز المؤتمر الصحافي إفراطاً في التملق المحرج، فالقادة الأميركيون عادة ما يكيلون المدح للإسرائيليين، ويلزمون أنفسهم بعلاقة «وثيقة» و«راسخة». ولكن ترامب تجاوز ذلك بالإشارة إلى إسرائيل باعتبارها: «حليفة وثيقة» و«ديمقراطية منفتحة» لأنها «عززت قضايا الحرية والكرامة الإنسانية والسلام»، وزعم أن الولايات المتحدة وإسرائيل «دولتان تدعمان قيمة الحياة الإنسانية».
وبالطبع، كافأ نتنياهو هذه المجاملات التي لا مبرر لها بمناقب غير مستحقة، فمدح تعامل ترامب مع «التطرف الإسلامي»، قائلاً: «لقد أظهرت وضوحاً وشجاعة كبيرة في مواجهة هذا التحدي». ورداً على سؤال حول المنصة التي وفرتها ودعمتها حملة ترامب الرئاسية لعناصر معادية للسامية، برر نتنياهو للرئيس الأميركي قائلاً: «لا يوجد مؤيد (للشعب اليهودي) و(للدولة اليهودية) أكبر من الرئيس دونالد ترامب».
وبعد هذه «المقايضة السياسية» المخزية، عرض الطرفان رؤيتهما لمستقبل السلام في المنطقة، وهي مناقشة انطوت على جرعات متساوية من الهلوسة والفانتازيا والتحريض ضد الفلسطينيين.
وأصرّ ترامب على أنه يريد إبرام «صفقة كبرى» ترسي دعائم السلام في المنطقة. وبدا في البداية غامضاً بشأن ما سينطوي عليه ذلك، ولكن بعد أن أقنعه نتنياهو، أصبح من الواضح أن كلا الرجلين يتصوران أن بمقدورهما تحويل قلق العالم العربي من إيران و«داعش» إلى تحالف يمهد لاتفاق سلام إقليمي. وافترضا أن المصلحة المشتركة يمكن تحويلها إلى تحالف معلن يصنع السلام مع إسرائيل، وفق ما تمليه من شروط!
وبالطبع فهذا محض خيال. وعلى الرغم من أن الدول العربية قلقة بالفعل من كلا التهديدين، بيد أن بغض إيران و«داعش» لا يمكن ترجمته إلى تحالف معلن مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. ولطالما كانت هذه الصيغة حلماً إسرائيلياً، ولكنها تتجاهل بذلك، ما وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق «جون كيري»، بالارتباط العربي العميق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومثلما أظهر استطلاع للآراء، لم يزد السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين العرب إلا كراهية لإسرائيل، بل وقوّض بشكل كبير تأييد الشعوب العربية لمبادرة السلام العربية. وفي ضوء ذلك، من المرجح بشكل كبير، أن يصبّ أي موقف عربي من إسرائيل، يُنظر إليه على أنه يقلص حقوق الفلسطينيين، في مصلحة إيران والحركات المتطرفة التي ستستغله في تأجيج المشاعر ضد هذا الموقف.
وعلى رغم ردود الأفعال الكثيرة إزاء تصريح ترامب بأنه لا يكترث بشأن ما إذا كان السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيقوم على حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، لم يتم الانتباه بشكل كافٍ لسبب قوله ذلك وما سيعنيه في نهاية المطاف.
وبالطبع، ليست لنتنياهو رغبة في أن يرى قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولديه طموح بقيام «دولة إسرائيل الكبرى»، ولكنه يرغب في المضي قدماً بصورة تدريجية لسرقة مزيد من الأراضي، وبناء مزيد من المستوطنات، وإضعاف القيادة الفلسطينية المعتدلة، من أجل جعل ضم الأراضي الفلسطينية «أمراً واقعاً».
وفي حين أحرز نتنياهو بدرجة ما بعض النجاح في تحقيق هذه الجهود الخبيثة، إلا أن تطلعات الشعب الفلسطيني من أجل العدالة والحرية وتقرير المصير لم تخمد، ولم ينته الدعم العربي للفلسطينيين.