صورة سيلفي مع ثور وكوز صبر – بقلم : شوقية عروق منصور

فلسطين ….
بقلم : شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
كلما مررنا على بلدة يهودية أو أطلال بيوت وجدران  تقع ضمن الاحضان الاحتلالية اليهودية كان أبي يشير بأصبعه ويقول : انظري وجود نبات الصبر يدل على أنه كان هناك شعب فلسطيني .. فالصبر نبتة كانت تحيط وتعيش داخل القرى العربية ، كان الصبر يشكل سياجاً وحماية للبيوت والمزارع والحقول ، ونبات الصبر كان من مقومات الحياة في فصل الصيف .
في المجمع التجاري في المدينة اليهودية تأملت المربعات البلاستيكية الشفافة التي ترقد في داخلها أكواز الصبر المقشرة الشقراء التي تميل الى الاحمرار  ، همست في داخلي ،  متعة الصبر في تقشيره ، حين تمسك السكين وتشقه من رأسه ثم تواصل الشق على جانبه الذي يرضخ ويترهل مستسلماً لخلع قشرته الكاملة ، عندها تكون نعومته المخلوطة بحبات البزر شهوة المضغ .
في طريق العودة الى البيت ، يقف الشيخ العجوز على مفترق الطريق وأمامه الدلاء المملوءة بأكواز الصبر ، شعرت أن عمره قد تجسد في تلك النبتة التي لمسها يؤلم الأصابع ، نعم ملامحه ، شيخوخته التي خطت على وجهه حفراً بعيدة عن شكل كوز الصبر ، لكن معنى  العذاب القابع في أعماقه  داهمته اشواك الحياة وغرزت الأشواك رؤوسها المؤلمة في أيامه وسنواته ، سالته من أين أجاب من قلقيلية
وضعت اكواز الصبر المليء بالأشواك  في الماء وأخذت اقشر الواحد تلو الآخر ..  لكن المفاجأة أن جميع الأكواز كانت من الداخل خضراء ، جافة ، قاسية ، قساوة الأرض وشح المطر ، ضحكت من المفارقة ،  الصبر اليهودي المدلل في المجمع التجاري اليهودي وبين الصبر الفلسطيني  النائم بحسرة على قارعة الطريق ، فتحت أمامي هرماً من الوجع ، في داخله رائحة ذلك القهر وضوء الانتظار .
بينما كنت اجمع القشر عن الطاولة تمهيداً لرميه ، كان التلفزيون يعرض صوراً لهدم منزل الأسيرين خالد مخامرة ومحمد أحمد موسى مخامرة في بلدة يطا جنوب الخليل بحجة عملية اطلاق نار في تل أبيب .
الجرافة بأسنانها الحادة الشرسة تأكل الجدران والغرف التي كانت تحمل الأنفاس والاحلام ، والغبار المتطاير يطير ليعلن أن هناك في المكان لحماً عارياً لا يعرف فك شيفرة الصمت العربي ، ولا إجابة على تساؤلات أين المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الانسان والدول الأوروبية على العقاب الجماعي الذي تمارسه سلطات الاحتلال ؟؟ مع أنه من المعروف أن العقاب الجماعي هو لغة الاحتلال والاستعمار على مر التاريخ ، لكن كنا نعتقد أن العصر الحديث قد دخل مرحلة الإحساس البشري بعد الغرق في  التكنولوجيا والتعاضد الإنساني العالمي ، اليس الكرة الأرضية قرية صغيرة .
تنتصب المقارنة أمامي  من خلال نبتة الصبر  ، الاحتلال في العلب الشفافة أشبه بأكواز الصبر اللامعة التي تباع على الرفوف باهتمام ، يشتريها الجميع – المجتمع الدولي  – ماضغاً حلاوتها بابتسامات ورضى ، والشعب الفلسطيني أشبه بأكواز الصبر الموجودة في الدلو البائس ، التي تئن من الوحدة والقسوة والجفاف.
حين زالت صورة الهدم  في بلدة يطا ، أطلت عبر الفضائية صورة الثور الذي نطح ( فيكتور باريو ) المصارع الاسباني الذي قتله الثور  ، وفيكتور من أشهر المصارعين ويعتبر أول قتيل اسباني في هذا القرن ، فقد قتل آخر مصارع للثيران في اسبانيا عام 1985 – في القرن الماضي –  وقد اظهرت اللقطات التلفزيونية والثور يخترق بقرنيه صدر المصارع ثم يحمله في الهواء ويلقي به على الأرض .
اللقطات التي سلطت الأضواء على مصارعة الثيران هي مقدمة لاحتجاجات في اسبانيا ضد هذه الرياضة العنيفة  التي ضحيتها الثيران . ولا أحد أهتم لحياة وموت المصارعين ، بل كان لباس وزينة ورقص المصارع حول الثور جزءاً من عملية قتل الثور الذي من حقه الدفاع عن نفسه بغرز قرنيه في جسد المصارع .
إضاءة على المشهد في فلسطين المحتلة : لكل زمان انذاله وعملاؤه