بين إعلامين: تقليدي ومعاصر! – بقلم : فايز رشيد

دراسات ….
د. فايز رشيد – فلسطين المحتلة ….
الإعلام هو أحد الوسائل الرئيسية للحياة. هو الموصل للفكرة  التي يحملها حزب .. حركة .. تنظيم .. دولة إلى الآخرين, بالرغم من صوابية الفكرة أو خطئها . وهو يحتل جزءا مهما في التعريف بعدالة القضية! أو إن كان قادرا ومتحركا , يستطيع خداع الآخرين بتحويل الحقائق إلى تزوير فعلي للتاريخ.

الصهيونية أدركت ما قبل تشكلها كحركة سياسية, أهمية الإعلام في إنجاح مشروعها, فقد خاطب الحاخام راستورون مستمعيه المجتمعين من أجل التهيئة لعقد المؤتمر الصهيوني الأول قائلا : ” إذا كان المال هو القوة التي نستطيع من خلالها السيطرة على العالم فإن الإعلام لا يقل عنه قوة”. المؤتمر الصهيوني العام الأول, الذي انعقد في بازل , ينص في واحد من قراراته على:اهمية السيطرة على وسائل الإعلام. منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم والحركة الصهيونية تحاول السيطرة دوما علة مفاصل الإعلام الرئيسية في غالبية دول العالم . تطورت وسائل السيطرة  الإعلامية بالتماهي مع التطور في التكنولوجيا والمخترعات الجديدة , للإحكام على الأولى , وتوظيفها في خدمة الأهداف الصهيونية ووليدها الصهيوني … فما أن ينطلق موقف إسرائيلي من قضية أم من شخص أو من جهة .. حتى تقوم كل وسائل الإعلام المسيطر عليه, بترديد ذات الموقف.

الاستمرار حتى في الكذب يخلط الانطباع فيما بعد لدى المستمع بأنه حقيقة! هذا ما عبّر عنه المثل العربي القائل :إكذب .. إكذب … ثم اكذب حتى يصدقك الناس ! الإعلام الصهيوني – الإسرائيلي ينشط وفقا لهذه المقولة. أيضا , فإن الحركة الصهيونية ودولتها  وتيار إعلامي كبير  تابع لها ولأضاليلها في الصهيو- مسيحية يرصدون أموالا طائلة للإنفاق على الإعلام  فمثلا : رصدت إسرائيل لتحسين صورتها في العالم في الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2015 مبلغ ثلاثة  ملايين دولار . الحركة الصهيونية من خلال إسرائيل ترصد 4 مليارات دولار لثلاث سنوات قادمة بدأت من منتصف العام قبل الماضي2014 للعمل على تهويد القدس. الجامعة العربية رصدت 15 مليون دولار للحفاظ على عروبة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تصوروا الفارق.

الإعلام الصهيوني ينفذ ويسيطر على كل الوسائل الإعلامية، بدءا من الجريدة والراديو والفضائية، مرورا بالسينما والمسرح وغيرها، وصولا إلى وكالات الأنباء والوكالات للدعاية والإعلام وإنشاء أشكال إعلامية جديدة متحركة ديناميكية للتناول السريع للحدث، وإلى الإنترنت بكل تفاصيله، وشراء الكفاءات الإعلامية في العالم وتجنيدها في خدمته، ثم الأهم الدعم المالي اللامحدود لما يسمى بـ”المنظمات غير الحكومية”. والهدف الأساسي من دعمها هو ترديد مستقبلي من العاملين فيها لمضمون السياسات التي يقصدها الأعداء .

المشرفون على الإعلام الإسرائيلي والصهيوني ينسقون خططهم مع متخصصين بصناعة الإعلام ومراكز دراسة السياسات، ومع أجهزة المخابرات والاستخبارات في دولتهم وفي دول كثيرة في العالم، خاصة الولايات المتحدة. من يريد التوسع في معرفة أساليب سيطرة المخابرات المركزية الأمريكية (وحلفائها في إسرائيل) على الإعلام في العالم عليه قراءة كتب كثيرة في هذا المجال، لعل من أهمها وأبرزها كتاب فرانسيس ستونر سوندرز تحت عنوان “الحرب الباردة الثقافية المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب”، هذا الكتاب القيّم الواسع في تفاصيله ومعلوماته. الإعلام الصهيوني، على سبيل المثال لا الحصر، حرص على صناعة رواية لا تمت إلى الواقع بصلة حول “الهولوكوست”، وتعميمها وفرض احترامها على الساحة الدولية وصولا إلى توليد شعور دائم بالذنب تجاه اليهود. من المفيد على هذا الصعيد قراءة كتاب اليهودي الأمريكي نورمان فلنكشتاين بعنوان “صناعة الهولوكوست”.

حريّ القول أيضا، أنه وإضافة إلى الثورة الهائلة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ,وكشف المعلومات وسرعة نشرها وتعميمها… فإن الوضع الاقتصادي وقوته وامتلاك الإعلام النشيط ووسائله، هما الخلفية التي تستند إليها سياسة الدولة ونفوذها عالميا. إن الإعلام ومستواه يعبّر في حصيلته عن مكانة الدولة إقليميا ودوليا، عن مكانة الحزب/الحركة/المنظمة بين جماهيره وفي منطقته، وامتداداته على الساحة الدولية في كسب موجات المؤيدين لطروحاته وأهدافه وسياساته.

الإعلام العربي في عموميته يخاطب المستويات المحلية بطابع كلاسيكي, بهدف الترويج للسلطات الحاكمة ونشاطاتها والإيحاء، بأنه لولا “أفضالها وحكمتها” لما استطاع المواطن العربي المغلوب على أمره، تنفس الهواء. الإعلام العربي في غالبيته, لا يواكب التطورات في مختلف المجالات.. يقدمها بسطحية وبمحاذير تقليدية, محاولا تقديم الحدث بالطريقة التي تريدها الحكومات، في زمن أصبح فيه كل شيء مكشوفا، فالشمس لا تغطى بغربال. الإعلام العربي في معظم الدول العربية, تابع للسياسات الحكومية التابعة بدورها لقواعد “اللعبة”, المرسومة في دوائر ترسم أهدافها بدقة لكل منطقة في العالم بما في ذلك في الوطن العربي .الحصيلة، انفضاض المشاهد العربي عن متابعة إعلام دولته والدول المجاورة والانشداد لمعرفة ما يدور في بلدانه من خلال القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية., وهذا للأسف الكبير والفعلي والمزعج.

الإعلام الحزبي العربي في العديد من حلقاته.. هو إعلام موميائي محنّط بقوالب مضى عليها الزمن.. في عهد كان يقال فيه عن اتجاه حزبي عربي معين: بأن قادته يحملون المظلات.. عندما تمطر السماء في موسكو، لموسكو رأي في الاعتراف بوجود الكيان منذ لحظة إنشائه، لتكن موسكو حرة في آرائها…. لكن لا يمكن لاتجاه حزبي عربي، ترديد مواقفها في منطقته.

الإعلام الحزبي العربي في بعض جوانبه لا يزال متقيدا بنصوص وقواعد قال عنها منظّروها ,بأنها متحركة وليست جامدة.. البعض من مثقفينا يصرّ على إبقائها في “فريزارات” أشد انخفاضا في حرارتها من صقيع شتائي سيبيري.
الإعلام الحزبي كما الرسمي العربي في معظمه! يستعرض الحدث من دون استشراف ما يعنيه حتى على صراعه مع العدو.. إعلام بعيد عن الإعلام، يشرف عليه أشخاص قد يجيدون كل شيء إلا الإعلام.

ما يلزمنا إعلام استشرافي يعمم المعلومة في قالب تحليلي إقناعي، يشد ويجذب قارئه من دون ملل، أيا كانت المعلومة: خبرية.. سياسية أو فكرية شريطة عدم التأخر في توزيع المعلومة.. قامة إعلامية كبيرة راعت أصول اللعبة الإعلامية بكل قواعدها.. انتبهت إليها الدولة الصهيونية وقامت باغتيالها المبكر والسريع، نعم لطالما انتظر المثقفون في العواصم العربية.. المجلة التي أشرف على صدورها.. انتظروا وصول المجلة الهدف لقراءة مقالة الشهيد غسان كنفاني.
ربما جرى التركيز في هذه المقالة على الجوانب السلبية في الإعلام العربي، ومنه من سيظل في قالبه المرسوم بدقة.. ومنه من يشكل نوايا لمستقبل إعلامي عربي جديد: بعض الفضائيات، صحف، مجلات، وسائل أخرى، هذه أثبتت بتجربتها أنها، ستكون قادرة على حمل عبء القضايا الوطنية العربية، خاصة مستلزمات عكس القضية الفلسطينية إعلاميا، بالشكل الإعلامي المتجدد والصحيح.
ما نقوله في النهاية.. إن مهمة الكاتب كشف ثغرات وعيوب محيطه بالمعنيين الوطني, والقومي العربي الصحيح، في كافة المجالات، هذا ما وددنا قوله وأختتم: بجملة الكاتبة البريطانية الشهيرة إيتيل مينون: العرب أسوأ المحامين عن أعدل القضايا، وبمقولة الحيّ فينا غسان كنفاني: إذا فشل المدافعون عن القضية فيجب تغييرهم لا استبدال القضية.