نتنياهو وداعش يعيشان بالسيف فحسب

دراسات (:::)
محمد خضر قرش – القدس (:::)
التصريحات الهستيرية والمتسرعة التي ما فتئ نتنياهو إطلاقها منذ بداية الهبة الشعبية المباركة تعكس حالة من الهذيان وعدم التوازن الذي أصاب فكره وتصرفاته لدرجة دفعت بالكاتب الإسرائيلي “ايريس ليعال” أن ينشر مقالا في جريدة هآرتس ونشرته جريدة القدس يوم الثلاثاء 27 تشرين الأول الجاري تحت عنوان ” من الأفضل استدعاء طبيب نفسي لنتنياهو” قال وبالحرف”ألم يكن من الأجدر البحث في الجوانب الخاصة باللاوعي وزلة اللسان وتشويه الحقائق؟”التي اعتاد عليها نتنياهو،ويضيف” فإحدى شروط الكذب هو أن الإنسان يقوم به بدون إدراك لأفعاله”. وفي مقال آخر يعكس إفلاسه السياسي، كتبه “جابرئيل شتيرمان”في نفس الصحيفة يقول “الخطر هو إيمان حكومة نتنياهو بالقوة وعدم طرحها أي حل”. فالتصريحات المهزوزة والمملوءة بالحقد والكذب معا والتي صدرت عن رئيس وزراء إسرائيل لا تظهر عدم توازنه فحسب وإنما تعكس حالته النفسية المضطربة التي تستحق وعن جدارة عرضه على طبيب نفسي كما ذكر” ليعال”.فجل مواقفه العنترية لا تتوافق مع كونه رئيسا لوزراء دولة قوية قادرة على مواجهة خصومها مجتمعين وإنما عن شخص مهزوم داخليا ولا يدري ماذا يفعل بالشباب والشابات الذين انطلقوا بأيدهم وصدورهم العارية يتحدون بطش جنود الاحتلال. وبدون الإطالة سأتوقف هنا أمام تصريحاته الأخيرة وسأغض الطرف عن كذبته المتعلقة بكون المفتي هو الذي كان وراء قرار هتلر بحرق اليهود!! فلقد كتب السياسيون والمؤرخون والصحفيون اليهود أنفسهم بما في ذلك بعض أعضاء حكومته وحتى الأميركيان والألمان مدى سخافة وكذب هذا التصريح المتعارض مع كل الحقائق التاريخية،لذا فلا حاجة لأعيد ما كتبه الكثيرون.فالتصريحات التي أطلقها، في جلسة لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست مخاطبا أعضاء المعارضة والتي قال فيها “بأنه يرفض دولة ثنائية القومية وان على إسرائيل مواصلة سيطرتها على المناطق كليا وللأبد حيث لا توجد هناك “عصا سحرية” لحل الصراع، وعلى إسرائيل“العيش على حد السيف إلى الأبد”،هكذا بالنص. وأضاف “يتوجب علينا أن نبدد آمال الفلسطينيين حول أمكانية هزيمتنا بحد السيف،وسنعيد السيف إلى غمده فقط حينما يدركون(أي الفلسطينيون) بان هذا الأمر ليس بمقدورهم تحقيقه”.وختم بتصريح تهديدي لا قيمة له ،انه ينوي سحب الإقامة من المقدسيين القاطنين في الأحياء التي تقع خارج الجدار العنصري.
أما التصريح الثاني والذي أدلى به في ذكرى اغتيال ‘رابين’ إن إسرائيل ستتخذ خطوات لتخفيف الاحتكاك مع الفلسطينيين حتى في ظل غياب شريك للحل النهائي.’فرغم كل الجهود التي بذلها ستة رؤساء وزراء منذ توقيع اتفاقية أوسلو فلم يتحقق شيء مع الفلسطينيين، فهم حسب رأيه،غير مستعدين للاعتراف بالدولة القومية اليهودية وغير مستعدين للتنازل عن حلم العودة إلى يافا وحيفا ويربون أطفالهم على كراهية اليهود وعلى النظر إلى إسرائيل ككيان امبريالي ومصدر للشر” وأضاف ‘سنقوم بخطوات تهدف إلى تخفيف الاحتكاك وتقريب المصالحة ودفع التقدم الاقتصادي إلى جانب حرب بلا هوادة ضد المنظمات الإرهابية وأنا (أي نتنياهو)على قناعة بان كل زعيم رصين كان سيفعل ذلك سواء بالطرق المعروفة أو غير المعروفة وبمساعدة دول من المنطقة’.ورغم عدم التجانس أو الاتساق في مضمون التصريحات سالفة الذكر إلا أنها تعكس حالة اليأس والخذلان التي تسيطر عليه بسبب صمود شعب فلسطين وتحديه المستمر لكل إجراءاته العنصرية والقمعية . فنتنياهو كان يتوهم – وقد بنى كل سياساته على ذلك – بان شعب فلسطين سيأتي إليه رافعا الراية البيضاء ومستسلما .ومما شجعه على هذا الوهم الاقتتال والتناحر العربي الداخلي الممتد من اليمن إلى ليبيا مرورا بالعراق وسوريا ولبنان بالإضافة إلى ضعف م. ت.ف وترددها في وقف التنسيق الأمني معه واللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية والانقسام الفلسطيني الذي طال أكثر مما يجب. فمن الناحية النظرية البحتة يمكن لإنسان أو لمجموعة أو لحزب أن يتوهم ولكن من غير المعقول أن ينسحب هذا الوهم على حكومة بأكملها وتتخذ قراراتها بناء عليه. فالوهم الذي تعيش عليه حكومة نتنياهو ببقاء سيطرتها على الضفة الغربية وحصارها للقطاع إلى الأبد يماثل تماما الوهم الذي تعيشه داعش بأنها قادرة على إقامة ما يسمى بدولة الخلافة،فالقاسم المشترك بينهما حد السيف. أي أن كليهما يريدان تحقيقه بالسيف .فنتنياهو لن يعيد السيف إلى غمده إلا حينما يدرك الفلسطينيون، حسب قوله، بأنهم غير قادرين على هزيمة إسرائيل. وهذه نفس مقولة داعش. علما بان الفلسطينيين لا يفكرون بهزيمة إسرائيل وهي غير مطروحة على برنامج نضالهم الوطني منذ أن أعلنوا قيام دولة فلسطين في الجزائر عام 1988 وتوقيعهم اتفاقية أوسلو واعترافهم بإسرائيل رسميا. إذا لما كل هذا التشنج والتبجح والتصريحات العنترية والهروب إلى الأمام، لتجنب الحل السياسي المتفق عليه بين الطرفين من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس،تعيش إلى جانب دولة إسرائيل!!. هو لا يريد دولة ثنائية القومية ولا يريد دولة فلسطينية مستقلة على 22% من ارض فلسطين التاريخية، إذن ماذا يريد؟؟ يريد كما قال مواصلة احتلاله وسيطرته على الضفة وحصار القطاع كليا وإلى الأبد بحد السيف!! يريد أن يجبر شعب فلسطين على الاستسلام الكامل للمشيئة الصهيونية ومضمونها أن يتحول شعب فلسطين إلى عبيد فوق أرضهم لأسيادهم الإسرائيليين.لكن لا بأس وفقا لنتنياهو من القيام بخطوات تهدف إلى تخفيف الاحتكاك وتقريب المصالحة ودفع التقدم الاقتصادي!! بدون الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعب فلسطين صاحب كل الأرض من البحر إلى النهر.فالتسوية السياسية!! التي يتحدث عنها نتنياهو سقفها تخفيف
الاحتكاك ودفع التقدم الاقتصادي!! أما مضمونها الفعلي فهو استسلام وخنوع فلسطيني كامل لإرادة الاحتلال الإسرائيلي.
وهم نتنياهو سيتبدد
على ما يبدو فإن نتنياهو لم يأخذ العبر من كل الاحتلالات في العالم ولم يستفد من كل تجارب أسلافه من رؤساء الحكومات السابقين ، لذا فهو بحاجة إلى من يخرجه من الوهم الذي يسيطر عليه وعلى حكومته وأن يلقنه درسا يعيد إليه توازنه. من المؤكد أن نتنياهو لم يتعلم الدرس من هبة فتح النفق عام 1996 ولا من الانتفاضتين الأولى والثانية التي لقنت أعتى أعداء شعب فلسطين وهما إسحق رابين وأرئيل شارون وإعادتهما إلى ناصية طريق الحل ، من خلال إقرارهما بحق شعب فلسطين في إقامة دولته الوطنية وهدم وتفكيك كل مستوطنات قطاع غزة ومغادرته كليا.وأعتقد جازما على ضوء كل تجاربنا مع المحتل الإسرائيلي ،بأنه يحتاج لمن يبدد له الوهم الذي يسيطر عليه ويدفعه للتصرف وفقا له. ففيما يتعلق بنا كشعب فلسطين نقول لنتنياهو ما يلي: أنه من الممكن أن يلج نتنياهو وحكومته يوما ما في سم الخياط بل ويمكن أيضا بناء وتشييد خط قطار مزدوج إلى القمر ويمكن أيضا أن تهزم الصومال لوحدها الولايات المتحدة الأميركية وتحتلها وتقيم الدولة الإسلامية فيها ويمكن أن تشرق الشمس من الغرب أو الشمال، فكل ذلك ممكن الحدوث لكن الذي لا يمكن حدوثه حتى قيام الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها، هو أن يأتي شعب فلسطين يوما ما رافعا يديه ومستسلما لجبروت وطغيان نتنياهو فذلك لن تراه عينا نتنياهو وحكومته وأية حكومة قادمة أبدا. فالهبة الشعبية المباركة والمجيدة الحالية والهبات الآتية بعدها لا محالة هي الكفيلة بتبديد وهم نتنياهو كما بددت أوهام غيره من رؤساء الحكومات.ليس هذا فحسب بل وسيبقى الآباء والأمهات يزرعون في عقول الأجيال القادمة بحقهم التاريخي والديني والوطني بحلم العودة إلى يافا وحيفا والجليل كما سيبقوا يربون أطفالهم على أن إسرائيل هي كيان امبريالي ومصدر للشر في الشرق الأوسط والعالم. فجذور شعب فلسطين في الأرض متأصلة ومنغرسة ومتجذرة كشجر الزيتون لا تأبه للرياح والعواصف والزلازل العاتية والمدمرة . نحن باقون هنا فوق أرضنا وعلى الذي لا يعجبه ذلك أن يرحل.