وهم الدولة ودولة الحق …

دراسات (:::)
ابراهيم ابو عتيله – الاردن (:::)
في ظل ما يعاني منه عالمنا العربي من مصائب ومجازر وفتن تعصف به وكانت سبباً في تدمير كل من العراق وسوريا والصومال وليبيا واليمن  – حتى الآن – ، وفي ظل نهوض قوى إقليمية أخرى في المنطقة كايران وتركيا علاوة على الكيان الصهيوني الذي يعتبر العدو الأساسي والسبب في كل ما يجري في المنطقة من فتن وحروب ، يكاد العرب يغفلون أو غفلوا عن عدوهم الأول ، مستسلمين لخدع وألاعيب ومؤانرات القوة الأعظم في هذا العالم فهي التي تقرر وتحيك وما علينا إلا ان نترجم هذه الألاعيب إلى الواقع بحجج وذرائع مختلفة فمن الأطماع الإقليمية إلى العداوات التاريخية إلى الطائفية والمذهبية فكلها تؤدي إلى طريق واحد ، طريق الفرقة والاقتتال والنزاع والدمار وقد وصل بنا الأمر لتصديق كل ما يجود به علينا العم سام من خدع ومؤامرات وأصبحنا نحارب الكل بما في ذلك أنفسنا ونتغاضى عن محاربة العدو الأساسي المتمثل بالصهاينة وهو ما أصبح سائداً في منطقتنا سواء على مستوى الدول أوالشعوب أوالعديد من التنظيمات السياسية بما فيها التنظيمات التي ترفع راية الدين وتتخذ الإرهاب وسيلة لتطويع الشعوب التي لم تكلف نفسها ولو بكلمة ضد هذا العدو المتربص بالجميع وكأنهم قد باركوا وجوده على أرض فلسطين العربية ، وكأن تلك التنظيمات الاسلاماوية التكفيرية قد خلقت ووجدت لكي تنسي الناس ذلك العدو ، فحربهم في سوريا والعراق والصومال وليبيا اهم وأعلى مرتبة ايمانية من حربهم للصهاينة متذرعين تارة بمحاربة العدو الباطن قبل الظاهر وبتطهير النفس وخلق دولة الخلافة تارة أخرى والتي لو استقرت حتى يقوموا بمحاربة الصهاينة او التصالح معهم وهذا هو الأمر المرجح ، فدولة الخلافة / البدعة التي ابتدعها كارهو العرب والمسلمين والطامعون منهم بثروات العرب والسيطرة عليهم ، فأي دولة تلك التي يقوم حكامها بقتل الأبرياء وتذبيحهم ونهبهم واغتصاب نسائهم .
أليست الدولة بتعريفها البسيط عبارة عن  تجمع سياسي يؤسس كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة ، وعناصره الأساسية الشعب والحكومة والإقليم والسيادة والاعتراف بهذا الكيان كدولة ، بما يؤهلها للاستمرارية وبما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة ، فلو طبقنا ذلك على بدعة دولة الخلافة لرأينا أنها دولة بلا شعب فالقاطنين فيها أناس مغلوب على أمرهم ولا يمتون بصلة لحاكميهم الوافدين من كل أصقاع الأرض ، علاوة على كون تلك الدولة البدعة لا ولن تحظى بالاعتراف الأقليمي مما يؤهلها للاستمرارية ، كما أن سيادة هذه الدولة الكذبة تعتمد على القمع والقتل والتكفير والاغتصاب ولم يسجل التاريخ دولة كتلك مما يعني بالضرورة أنها دولة تعاكس المنطق وتعارض التاريخ ولن تحظى يوماً بالاعتراف او السيادة أو الديمومة فما هي إلا وهم سيزول مع الأيام .
ومن الأوهام ما تروجه وسائل الدعاية المختلفة بأن لا حل لما يسمونه مشكلة ” الشرق الأوسط ” أو للنزاع العربي الإسرائيلي ” إلا حل الدولتين ، دولة أوجدوها وزرعوها في قلب العالم العربي بعد أن أغتصبوا 78 % من أرض فلسطين التاريخية سنة 1948 والأخرى غير محددة المعالم والحدود وكل ما هنالك انه قد تم  تعيين سلطتها وحكامها الواهمين واسموها أو أحبوا أن يسموها ” دولة فلسطين ” لتكون أداة لمحو إسم فلسطين التاريخي فالجزء سيمثل الكل ويعمل على إلغائه ، كذبة أخرى تضاف للمنطق فما من منطق يحكم بذلك ولا تاريخ يعترف بذلك ولا من شعب سيقبل بذلك خاصة وأن :
– الصهاينة قد اغتصبوا 78 % من أرض فلسطين التاريخية وهم يطمعون بالاعتراف الدولي بسيادتهم على ما احتلوه سنة 1967 باستثناء بعض أجزاء ذلك الجزء المحتل وربما يبارك لهم بذلك أدعياء الحكم والرئاسة من الفلسطينيين الذين قاموا بتوقيع اتفاقية “أوسلو” الثانية عام 1995 والتي تم بموجبها تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام، –  لكل منها ترتيبات وسلطات أمنية وإدارية مختلفة، كالتالي:
• مناطق (أ)
وتضم كافة المراكز السكانية الرئيسية وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة ! أمنياً وإدارياً وتبلغ مساحتها نحو 18% من مساحة الضفة الغربية البالغة نحو 5,802 كلم مربع وبمساحة تبلغ  1044 كم مربع .
•  مناطق (ب)
تشكل القرى والبلدات الملاصقة للمدن وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية إسرائيلية وتبلغ 21% من مساحة الضفة وتبلغ مساحة المنطقة ب – 1218 كم مربع .
• مناطق (ج)
وهي المناطق الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنيا وإداريا وتشكل نحو 61% من مساحة الضفة الغربية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار مساحة قطاع غزة البالغة 360 كم مربع التي لو اضيفت إلى نسبة ال 18 % أو مناطق – أ – تصبح المساحة التي اعترفت فيها اسرائيل نظرياً بسلطة الحكم الذاتي عليها 1400 كم مربع وفي حال إضافة المناطق منقوصة السلطة  الأمنية الفلسطينية والبالغة  21 % من مساحة الضفة الغربية أومناطق – ب – نصل لما مساحته 2600 كم مربع تقريبا وهي المناطق الخاضعة لسلطة الحكم الذاتي تلك السلطة التي تغير اسمها من جانب واحد ليصبح أكثر جاذبية لتصبح السلطة الوطنية الفلسطينية … سلطة وطنية فلسطينية اقصى سيادة لها 1400 – 2600 كم مربع من أصل مساحة فلسطين التاريخية  البالغة 27000 كم مربع تقريباً، أو بنسبة سيادة منقوصة تبلغ 5 – 9.5% من فلسطين التاريخية .. وهنا قد يخرج علينا البعض ليقول أن هدف السلطة إقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وأقول هل نسبة 22 % تعني ” فلسطين ” وتستحق أن يطلق عليها اسم دولة فلسطين ؟
هذا عن المساحة أما عن الشعب الفلسطيني فتشير الاحصائيات المتوفرة بأن عـدد الفلسطينيين فـي العالم يقدر بحوالي 11.8 مليون فلسطيني منهم 4.5 مليون فـي الضفة الغربية وقطاع غزة 42.1% منهم لاجئين أي بواقع 1.9 مليون نسمة ، وحوالي 1.4 مليون فلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948 ” وما يقارب 5.2 مليون فلسطيني في الدول العربية ونحو 665 ألف فلسطيني في الدول الأخرى، فيما يبلغ عدد سكان الضفة الغربية 2.8 مليون نسمة 27 % منهم لاجئين أو ممن أحتلت أراضيهم وطردوا منها عام 1948 وعدد سكان قطاع غزة 1.7 مليون نسمة 67 % منهم لاجئين .
من هذه الارقام يتبين أن ما استحدث على اطلاق اسم فلسطين عليه من أراضي فلسطين التاريخية يقطنه 2.6 مليون فلسطيني من السكان الأصليين لتلك المناطق – ان جاز التعبير -أي بنسبة 22% من الشعب الفلسطيني ،ومن هنا فإن الدولة المخترعة ستحل مشكلة تلك النسبة من الشعب الفلسطيني فيما لن تراعي باي حال حل مشكلة الجزء الأعظم من الشعب الفلسطيني سواء من كان منهم من سكان فلسطين المحتلة 1948 أو من اللاجئين المتواجدين على أراضي الدولة المخترعة بفتح الراء أو من كان منهم في الشتات .
هذا من جانب المساحة والسكان أما من حيث السيادة فإن كافة سيناريوهات الحلول المطروحة ينص على عدم قيام تلك الدولة الوليدة بتشكيل جيش لحماية مصالحها وان تكون دولة منزوعة السيادة ، فأي حل ذلك الذي يتحدثون عنه إذا علمنا أن السلطة الفلسطينية – أو سلطة الحكم الذاتي – قد جاءت وريثة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تاسست عام 1964 والتي كان هدفها واستراتيجيتها الأساسية ينحصر بشكل أساسي بتحرير فلسطين التاريخية، ففي ذلك التاريخ كانت الضفة الغربية موحدة مع الأردن وكان قطاع غزة تحت الإشراف المصري ، ولم يكن في بال أحد عند تأسيس المنظمة بأن ينحصر دورها مستقبلاً بما سيحتل من أراضي وان تتخلى عن هدفها الأساسي ، علاوة على ما يثار من شكوك منطقية عن التمثيل الشرعي والوحيد لتلك المنظمة للشعب الفلسطيني ، حيث أثبتت الأحداث والوقائع أنها لم تعد تمثل ولم تراعي شؤون اللاجئين حيث تخلت عن التحرير والعودة ، علاوة على أنها لم تفعل شيئاً لمعالجة ما يعاني منه الفلسطينيين في الشتات بما فيهم من يسكن مخيمات اللجوء في الدول المضيفة وعرفنا كم كانت عاجزة في معالجة قضية مخيم اليرموك أو أوضاع مخيمات لبنان وغيرها الكثير، كما أنها لم تفعل شيئاً للحصول على حق الفلسطينيين من حملة وثائق السفر في التنقل حتى للدول العربية التي اصدرت قرارها بحصر تمثيل الفلسطينيين بها .
وللتذكير أقول ،
• لقد سبق وأن تم إعلان للفلسطينيين للإستقلال!   وتشكيل حكومة  عموم فلسطين  في غزة بتاريخ 23 أيلول / سبتمبر 1948 برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي حيث جاء في مذكرة الإعلان ” بالنظر لما لأهل فلسطين من حق طبيعي في تقرير مصيرهم واستنادًا إلى مقررات اللجنة السياسية ومباحثاتها، تقرر إعلان فلسطين بأجمعها وحدودها المعروفة قبل أنتهاء الانتداب البريطاني عليها دولة مستقلة وإقامة حكومة فيها تعرف بحكومة عموم فلسطين على أسس ديمقراطية ”
• في سنة 1969 أعلنت حركة فتح كبرى المنظمات الفلسطينية تبنيها لفكرة الدولة الديموقراطية في فلسطين التاريخية كهدف يمكن إنجازه بعد التحرير وقد وافقت على ذلك أغلب الفصائل حينذاك.
• في 15 تشرين الثاني نوفمبر 1988  تم إعلان قيام دولة فلسطين خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي أقيم في الجزائر على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس وهي دولة لم يتم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة وقد جاء في  نص مذكرة الإعلان على لسان الراحل ياسر عرفات “بسم الله وبسم الشعب اعلن قيام دولة فلسطين فوق ارضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف” وهو إعلان يشوبه الكثير من الاشكاليات وأهمها :
1. كون الدولة المعلنة تقع تحت الاحتلال وهو ما يجعلها عملياً دولة غير قادرة على ممارسة دورها السيادي المتعارف عليه بين الدول.
2. إن الاعلان لم يحدد حدود دقيقة للدولة الفلسطينية فقد تحدث عن ” اراضينا الفلسطينية” والأصل أن يكون ذلك فلسطين التاريخية إلا إذا كان المعنى في قلب القائل حينذاك !
فمسألة الحدود على درجة بالغة من الأهمية فلا فلسطين هنا إلا فلسطين التاريخية ، ألم تكن قضية الحدود أساساً لرفض مشروع التقسيم لسنة 1947 .
• بتاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر2012 تم إعلان دولة فلسطين كعضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة “الدولة التي أخذت اسم فلسطين تنحصر بالأراضي المحتلة عام 1967 ” .
ومن خلال ما تم عرضه من حقائق تتعلق بالجغرافيا والمساحة والسكان والحدود فإنني اصل لنتيجة قاطعة بأن :
• لا مكان في منطقتنا للدول المارقة فدولة الخلافة بدعة وستزول حتماً بمنطق التاريخ والحق وذلك لعدم انسجامها مع ابسط قواعد واسس الدولة فهي دولة بلا شعب فالقاطنين فيها هم أناس محكومين ومقهورين ولا يمتون بصلة لقاهريهم الذين قدموا من كل أصقاع الأرض كما أنها سوف لن تحظى بالاعتراف الأقليمي وستكون مركزاً للعداء مع الدول المجاورة مما لا يؤهلها للاستمرارية علاوة على ان سيادة هذه الدولة البدعة تعتمد على القمع والقتل والتكفير والاغتصاب ، ولم يسجل التاريخ دولة كتلك ، مما يعني بالضرورة أنها دولة تعاكس المنطق وتعارض التاريخ فما هي إلا وهم وسيزول مع الأيام .
• إن حل الدولتين او إقامة دولة فلسطينية على الأراضي 1967 أو على جزء منها فيما لو تم ” جدلاً ” لن يكتب له النجاح والاستمرارية ، فهو حل لا يلبي طموح الشعب الفلسطيني ولا يقدم حلاً منطقياً أو واقعياً يراعي حق غالبية الشعب الفلسطيني بتقرير مصيرهم على أرضهم التاريخية أسوة بكل شعوب الأرض ، علاوة على أن هذا الحل الذي تتبناه السلطة الفلسطينية وتهدف إليه ، لا يحظى بقبول فعلي من الصهاينة المستعمرين المستمرين في توسعة مستعمراتهم وبمحو السمة العربية والفلسطينية عن مدينة القدس عاصمة فلسطين التاريخية.
• إن أي حل لا ينسجم مع تطلعات الشعب ولا يحقق طموحه لايمكن له أن يستمر ولن يكون سوى وهم براق خادع حتى لو تم تسمية الدولة المخترعة بدولة فلسطين فلن تكون الا دولة قد تسمى دولة فلسطينية وليست دولة فلسطين ففلسطين يجب ان تكون فقط فلسطين التاريخية .
• إن منطق الحق والتاريخ والجغرافيا يقضي بأن تكون دولة فلسطين على كامل التراب العربي الفلسطيني من النهر إلى البحر حتى لو كانت دولة ديمقراطية يتعايش فيها الجميع بعيداً عن التمييز تبعاً الأصل أو الدين ..
وهنا أتساءل إن كانت منظمة التحرير الفلسطينية تنوي الاحتفاظ بهذا الاسم وبحقها بالتمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني :  لماذا لا تتبنى حل الدولة الواحدة – دولة فلسطين الديمقراطية – الدولة التي تنسجم مع التاريخ والمنطق وتتآلف مع محيطها وتكون جزءاً لا يتجزء منه وهو حل سبق لمنظمة التحرير الفلسطينية أن أعلنته وطالبت به .
ابراهيم ابوعتيله
عمان – الأردن
25/5/2015