بغداد تقول … العروبة ليست ثوباً

اراء حرة (:::)
بقلم : ابراهيم ابو عتيله – الاردن(::::::)
في الوقت الذي حاول فيه الإعلام الايراني التخلص أوالتملص من تصريحات السيد علي يونسي نائب الرئيس الايراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية والتي قال فيها إن إيران قد أصبحت الآن امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد وأن العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب ، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم كما كان في الماضي ، تخرج علينا بعض أبواق الاعلام الايراني بتعليقات ودعوات تفوح منها رائحة الطائفية والعنصرية والتآمر المكشوف على العراق والأمة العربية ، تعليقات وتبريرات وأمنيات تصب في ذات المعنى الذي جاء في تصريحات السيد علي يونسي ، أبواق بدأت تكشف عن فكر عنصري بغيض وشوفينية وعصبية مقلقة منتنة فأخذت تطبل وتزمر لما ورد في تصريحات السيد يونسي ، بطرق وعبارات أخرى ،  فها هو السيد حسن هاني زاده رئيس تحرير وكالة “مهر” الايرانية يدعو العراق الى فك ارتباطه بمحيطه العربي الذي وصفه ” بالمزيف ” مؤكداً أن إيران هي الدولة الوحيدة التي وقفت مع العراق في مواجهة الارهاب في ظل تخاذل من وصفهم بـ”العربان” وداعياً الى ان توحيد العراق وايران لما يربطهما من قواسم مشتركة ، ولقد جاء ذلك في إطار رؤية المذكور لمستقبل العلاقة بين البلدين بعنوان “الوحدة بين ايران والعراق لا بد منها”، قائلًا: “لقد آن الأوان ان يقول الشعب العراقي كلمته الاخيرة ، وان يختار بين من وصفها بالعروبة المزيفة الجاهلية والاسلام الحقيقي وأن يقوم بنفض ثوبه من تراب الذل العربي فالعراق – حسب رأيه – بحاجة الى حلة جديدة بعيدة عن ” الكوفية والعقال والدشداشة” والاتجاه نحو ثقافة جديدة ليس فيها عنصرية وقريبة من الواقع الديموغرافي والمذهبي في العراق”.

ولعل قيامي بالكتابة في هذا الموضوع ينبع مما يلي :-

• التزامن بين تصريحات السيد علي يونسي وتعليقات أبواق الإعلام الايراني مما يعني وجود استراتيجية كامنة مستترة لدى النظام الايراني هدفها السيطرة على العراق تحت ذرائع واهية وترتكز على طائفية نتنة سعت ايران بكل قوتها لتنميتها منذ سقوط النظام السابق في العراق سنة 2003 .
• فشل المسؤولين الايرانيين والإعلام الرسمي الايراني بإقناع الشارع الايراني بأن ما ورد على لسان السيد يونسي قد تم تفسيره في غير سياقه فها هو حسن زاده يعارض التكذيب الرسمي الايراني ، فكيف لغير الايرانيين ان يصدقوا ذلك التكذيب .
• قيام بعض المفكرين العرب واليساريين منهم بالدفاع عن ايران في كل ما تذهب إليه بما في ذلك ما ورد على لسان اليونسي من تصريحات وعدم تصديقهم ان تصريحات كتلك من الممكن ان تصدر عن المسؤولين الايرانيين ومكررين أقوال الإعلام الرسمي الايراني بأن تلك الأقوال قد تم تفسيرها في غير سياقها .
• التحدي السافر للفكر العربي وللقومية العربية وتصوير الهوية القومية العربية والانتماء للعروبة ب ” الدشداشة والكوفية والعقال ” والتي من الواجب على العراقيين نزعها والتخلص منها .
• تصوير الرابطة الطائفية والعلاقة الطائفية بدرجة أعلى واقدس من رابطة الدم والثقافة والتاريخ واللغة والهم المشترك .
• رغبة ايران الجامحة بالتوسع الاقليمي على حساب القوميات الأخرى انطلاقاً مما يعتقده منظري الشوفينية الفارسية بتصنيف الجنس الفارسي بدرجة أكثر فهماً وتطوراً وتقدماً من الأجناس الأخرى بما في ذلك الجنس العربي .

لقد فرض التاريخ والجغرافيا التجاور بين العرب والفرس في كل من ايران والعراق منذ عهود وعقود سابقة ، ولم تكن العلاقة بينهما دائماً علاقة ود ومحبة واحترام ، فكثيراً ما كانت تنشب الحروب ويحصل الاقتتال حتى في فترات ما قبل الاسلام الذي جاء ليطور هذه العلاقة على قاعدة لا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى ، فحث الجميع على نفض غبار الجاهلية والتحلي بقيم وتعاليم الاسلام ، ودخل الفرس في الاسلام بعد أن انهارت الامبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين – أالأمر الذي لم ينساه غلاة الشوفينية الفارسية – ، وبدأت المنطقة عصراً جديدا مبني على التآخي الديني قبل أن تبدأ سموم الطائفية بالتأثير عليه وذلك بعد ان تم تحول ايران للمذهب الشيعي مع بداية القرن السابع عشر وما قام به الصفويون حينذاك من قتل وتدمير وانتهاك حقوق ضد معتنقي المذاهب الأخرى ، وكان ذلك سبباً في تغذية الصراعات الطائفية في هذه المنطقة ولكنها لم تصل إلى مرجلة الاصطفاف المذهبي في مواجهة الاصطفاف القومي فالقومية شيء والطائفية نقيضها .
إن أبواق الإعلام الفارسي الكسروي يخطئون كثيراً عندما يصورون العلاقة الطائفية بأنها أكثر قوة ومتانة من العلاقة القومية ، فلو صح ذلك لتغير العالم كثيراً عما هو عليه الآن ، هذا العالم الذي يكاد يتفق على رفض الدولة الدينية باستثناء ما يدعو اليه الصهاينة ومطالبتهم بيهودية الدولة على أرض فلسطين ، فكيف لهذا العالم أن يتفق على ما تطالب به أيران – أو على الأصح الفرس في ايران – بدولة تعتمد المذهب في كيانها وبنيانها ، وماذا سيكون عليه مصير معتنقي المذاهب الأخرى في مثل تلك الدولة وهل هي دعوة صريحة للتخلص منهم وإضفاء صبغة المذهب الواحد على الامبراطورية التي ينشدون ….
نعم ، تقوم ايران بدعم المقاومة في لبنان – وقد تستند على المذهب في ذلك – كما تدعم الحوثيين في اليمن وقد يكون ذلك على نفس القاعدة وهاهي تدعم النظام السوري وقد يكون بعضاً من الاصطفاف المذهبي سبباً من اسباب ذلك ، إلا انها تقوم بدعم حركة المقاومة في فلسطين على الرغم من اختلاف المذهب ، ومع تقديري لكل ما تقوم به ايران من دعم للمقاومة إلا أنني وبعد ما سمعت من السيد يونسي ومن حسن زادة بدأت بالتخوف مما وراء ذلك، وهل قيام ايران بمحاربة الدواعش في العراق يأتي من منطلق حربهم على الارهاب والظلاميين التكفيريين أم أن هناك اسباب أخرى تتجاوز هذه الواقعة وأقلها محاولة الحصول على مزيد من النفوذ في العراق  .
وهنا أقول ، ” إن ما فات مات ” فامبراطورية دُفنت و قبرت منذ 1400 عام لن تعود إلى الحياة أبداً لأن في ذلك مغالطة لمنطق التاريخ ، كما واقول بأن تغيير لبس العرب من ” الدشداشة والكوفية والعقال ” لشكل آخر ولباس آخر لن يغير ابداً في جيناتهم ومورثاتهم فمن العرب الكثير ممن لا يلبلس الدشداشة إلا انهم يعتزون بعروبتهم أيما إعتزاز ، لا لشيء إلا لأنهم منها ، وهي فيهم ، فمورثات وجينات العروبة تنتقل من جيل إلى جيل ، وهي غير قابلة للتغيير بتغيير اللباس والمظهر الخارجي ،  وربما كنت سأتفق مع السيد حسن هاني زادة لو قام بالدعوة لحوار بين الطوائف الاسلامية على قاعدة تدقيق أسباب الخلاف الذي دب قبل اربعة عشر قرناً ومحاولة التخلص من تلك الأسباب وتعظيم التقارب الاسلامي ونبذ الخلاف الطائفي الذي منه يستفيد هو والكثيرون من أمثاله من الطوائف المختلفة .. حوار يستند على إحترام كل قومية للقوميات الأخرى وعلى أن لا تتسيد إحداها على القوميات الأخرى ، وعلى ذلك اقول ستبقى العراق ركناً اساسياً من أركان العروبة الحقة كما كانت كذلك دائماً ففيها ومنها تطورت لغتنا الجميلة ومنها برزت منارة العلم وخرج منها الضوء لينير مناطق الظلام في كافة أنحاء العالم ، ولعل بغداد ترد بقوة على كل تلك التصريحات والأطماع قائلةً إن عروبتي عصية على المساومة فهي ليست ثوباً بدشداشة وكوفية وعقال ….

ابراهيم ابوعتيله
عمان – الاردن
16/3/2015