عباس وطلقاته الفارغة

التصنيف : آراء حرة (:::)
ابراهيم ابو عتيله – الاردن (:::)
منذ فشلت لعبة المفاوضات العبثية بين الكيان الصهيوني وسلطة رام الله والتي استمرت لأكثر من عشرين سنة ، تلك المفاوضات التي راهن عليها محمود عباس لتكون مفتاحاً للحل السحري لكل مشاكله ولتحقق نظرياته في التعايش السلمي حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، فمنذ فشلت تلك المفاوضات ومحمود عباس في حيرة واضحة وارتباك كبير يحس به كل متابع ، فهو لا يدري ماذا يفعل ولا يعرف ماذا يقول ، فتارة نجده مجاملاً لأمريكا وللكيان الصهيوني وتارة نراه  وقد لبس قفاز التحدي بإطلاق تهديدات لا يملك لها مفتاحاً ، فهو يعرف حق المعرفة بأن كل السبل تنتهي بيد الكاوبوي الأمريكي وهو الوحيد الذي سيعطل عمل أي مفتاح .
نوايا كثيرة سمعناها على لسان عباس تتضمن رؤيته لما بعد فشل المفاوضات ، نوايا أرحب بالبعض منها أو على الأقل بما فهمته من خلالها ، وعن نيته التوقيع على كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية بما فيها ميثاق روما والجنائية الدولية ، واستنتجت ربما أكون مخطئاً بانه سيوقف اي تعامل مع سلطة الاحتلال بما في ذلك التنسيق الأمني سيء الذكر، ولكن أي من ذلك لم يحصل فكل ما حصل خطاباً لغوياً بليغاً ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يعي ولا يتذوق بلاغته الا الناطقين بالعربية ، أما الآخرين فلا يعوا ولا يستوعبوا الا ما يقوم المترجمون الفوريون بترجمته ، وترجمتهم في أحايين كثيرة تخرج المضمون عن سياقه ، ولعلني لا أجافي الحقيقة في قول ذلك من واقع تجربتي العملية في برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( الفاو ) حين كنت اشارك في اجتماعاتها فكثيرا  ما كان أحدهم يتكلم بالعربية وكثيراً ما كانت الترجمة تأخذ منحاً آخر غير ما ذكره المتحدث ، فالأمم المتحدة لا تشبه بأي حال من الأحوال سوق عكاظ ، فالمنبر هناك يحتاج إلى طرح محدد واحخ المعالم دون تلوين أو تشذيب أو تجميل .
ربما أعجبنا نحن باسلوب صياغة الخطاب ولكننا لا نملك حلاً ولا نفرض شرطاً ، لقد احتوى الخطاب على كلمات وعبارات أثارت أمريكا فكيف لا تغضب وهي بالأصل راعية مخلصة للكيان الصهيوني وهي بالكاد أو ربما لا تعترف اصلاً بأن هناك شيئاً يسمى ” أراض فلسطينية محتلة ” وربما لا تعترف ايضاً بشيء اسمه احتلال في منطقتنا قياساً على احتلالها لأفغانستان وللعراق وتدميرها لليبيا ورعايتها لتدمير سوريا حين أدعت بأنها ترعى حرية الشعوب فقد حررت العراق وافغانستان وحققت الحرية في ليبيا وهاهي في طريقها لتحرير سوريا ، وهنا أجد لزاماً علي أن أذكر حادثة خضتها بنفسي مع مندوبي الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من حلفاءها الاوروبيين حيث اتخذ الاتحاد الاوروبي ذات الموقف الأمريكي رغم تفاوت المواقف بين دوله الأعضاء ، كان ذلك في اجتماعات الدورة السادسة والثلاثين للجنة الأمن الغذائي العالمي الذي عقدت في مقر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( الفاو ) تشرين الأول / أكتوبر – 2010 ، ففي ذاك الاجتماع تم الاقتراح بإضافة الأراضي الفلسطينية المحتلة للقائمة التي تصدرها حول الدول التي تعاني من أزمات مستمرة في مجال الأمن الغذائي فلقد جوبه هذا الاقتراح بمعارضة شديدة من قبل الأمريكان وحلفائهم بحجتين الأولى :
-أن هذه القائمة تعنى بالدول فقط والأراضي الفلسطينية ” المحتلة ” ليست دولة ، وبعد نقاش مستفيض بين الدول الأعضاء تم التوافق على تسمية القائمة ( قائمة الدول التي والمناطق التي تعاني من أزمات مستمرة في مجال الأمن الغذائي ) لتشمل الأراضي الفلسطينية وأي منطقة أخرى في العالم .
-أما  الرفض الآخر والأكثر شدة فقد تمحور على رفض استعمال كلمة ” المحتلة ” مقرونة بالأراضي الفلسطينية فعلى الرغم من أن كافة المواثيق والقرارات الدولية تنص على هذه التسمية إلا ان الصلف الأمريكي وقف بشدة أمام ذلك سانده بذات الموقف الموقف خبث أوروبي بامتياز وحيث أن القرارات هناك تؤخذ بالتوافق فقد توصلنا إلى صياغة تكفل توسيع القائمة المشار إليها إعلاه لتشمل الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة مع تحفظ دول مجموعة الشرق الأدنى وبعض الدول الأعضاء على هذه الصياغة ومطالبتها باستخدام المصطلحات المتفق عليها في منظومة الأمم المتحدة فلقد كان الهم الأكبر لدينا هو القبول بمضمون إضافة الأراضي الفلسطينية لتلك القائمة.
( للاطلاع على تقرير اللجنة انظر إلى الفقرة 25 / 6 منه على الرابط  http://www.fao.org/docrep/meeting/021/k9551A.pdf )
وقد يظن البعض أن هذه الواقعة لا تعني شيئاً بما يتناوله المقال ولكني أرى غير ذلك بل وأبعد من ذلك فالكيان الصهيوني لا يعترف باحتلاله لأرض فلسطين بل يعتبر الفلسطينيين هم المحتلين لما يسمى ” أرض الميعاد ” ومن هنا جاء الموقف الأمريكي والأوروبي منسجما وذلك الطرح التوراتي .
لقد أثبتت المفاوضات العبثية لمدة العشرين سنة ونيف الماضية عدم القبول الفعلي من قبل الصهاينة وراعيتهم أمريكا التي هي بالمناسبة راعي مفاوضات ” السلام ” بحل الدولتين فكل ما لديهم من حل يتركز على منح القلسطينيين حكماً ذاتياً يديروا به شؤونهم دون سيطرة فعلية على الأرض ودون حق يكفل لهم الوجود على ارض فلسطين فهي بالنسبة لهم أرض الميعاد التي لا تقبل القسمة بل أن هدفهم ما زال منصباً على الوصول إلى دولة من الفرات إلى النيل فإن لم يتحقق ذلك فعلياً فعلى الأقل سيتحقق اقتصادياً.
لقد كنا ننتظر من محمود عباس بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يعلن صراحةً وعلى الأقل:
-إنهاء الوجود الفعلي للسلطة “الوطنية” الفلسطينية، وإعلان “دولة فلسطين” بديلا سياسياً لها، على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة.
-وقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني بعد أن ألغتها دولة الكيان من جانب واحد حين أفشلت المفاوضات .
-اشتراط اعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطين؛ وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 19/67 لعام 2012 وقف العمل برسائل الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل، إلى حين ذلك .
-الطلب من مجلس الأمن وضع آلية لاستكمال التفاوض حول بعض القضايا العالقة، كترسيم الحدود، وعدم الاعتداء، وإطار زمني لتطبيق قرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين.
–  اعتبار أي خطوة يتخذها الكيان الصهيوني ضد دولة فلسطين بمثابة عدوان على أرض دولة عضو تستوجب تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
أقول ذلك بعد ان استمعت لكلمات محمود عباس وهو يتحدث عن بدء مشاورات قد تستغرق أسابيع ثلاث بشأن مشروع القرار الفلسطيني – العربي حول وضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خلال ثلاثة سنوات حيث قال عباس ربما لن ننجح بالوصول إلى عدد الأصوات اللازمة للموافقة على عرض المشروع على مجلس الأمن وهو يعرف حق المعرفة بأن مشروعه أيضاً سيواجه مشكلة أكبر من عدد الأصوات اللازمة لعرضه على المجلس …. وهو الفيتو الأمريكي المنتظر … ولعلني أكرر بعضاً مما قال عباس عن صواريخ المقاومة بانها صواريخ عبثية  واقول … أن السعي لمجلس الأمن والجمعية العامة كمثل الصياد الذي يستخدم طلقات فارغة للحصول على صيده وتأمين غذاءه .. فالطلقات الفارغة مثلها كمثل من دفع ثمن رائحة الغذاء برنين الدراهم فلا ذاك شبع ولا هذا إغتنى .
ابراهيم ابوعتيله
عمان – الأردن
3/10 / 2014