امريكا وايران : الخصمان الحميمان

 

التصنيف : اراء حرة (:::)

طلال قديح * – السعودية (:::)

في زمن الشاه ، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تربطهما علاقات صداقة وثيقة، وتحالف استراتيجي تفرضه المصالح المشتركة بين البلدين ، لذا كانت سياستهما متطابقة إلى حد كبير، وقلما تشوبها شائبة أو تتعرض لانتكاسة، فهما حريصتان على أن تبقيا بعيداً عن كل ما يعكر صفوها..!!

وقامت الثورة الإسلامية بقيادة الخميني،فأصابت العلاقات في مقتل،هكذا يبدو على الأقل و بدأت تتدهور إل حد بعيد فتتحول الصداقة والتحالف إلى عداء مرير.. و أصبحت أمريكا هي الشيطان الأكبر الذي يجب القضاء عليه والتخلص منه ليعيش العالم في أمن وسلام.. وكان احتلال السفارة الأمريكية في طهران والتنكيل بها، هو القشة التي قصمت ظهر البعير!!

ومن هنا بدأت الأمور تتفاقم بين الدولتين وتصل إلى حد اللاعودة.. وتراوحت  العلاقات بينهما وفق المستجدات لتصل إلى شفير الهاوية ، حتى ليظن العالم أن الحرب بينهما  قاب قوسين أو أدنى.. ثم تهدأ العاصفة وكأن هناك اتفاقاً ما، يكبح جماح الغلو والتشدد ليبقى الوضع تحت السيطرة ، خدمة للمصالح المشتركة في المدى المستور.

ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا لا تذهب بعيدا في عدائها لإيران ، وليست على استعداد لأن تدخل في حرب معها ليست في مصلحتها أو مصلحة حلفائها وفي طليعتهم إسرائيل التي تتحكم من خلال اللوبي الصهيوني في كثيرمن المجالات في أمريكا. فهذا اللوبي يتحكم في الكونجرس الذي يسيطر على كل شيء حتى إن الرئيس الأمريكي لا يجرؤ على الذهاب بعيداً فيما يراه أو يقرره.

ولعبت هنا إسرائيل دوراً بارزاً في إذكاء الخلاف ،وصب الزيت على النار لتبقى إيران التي تحولت بعد الثورة إلى ألد الأعداء وأشدهم تهديداً للدولة الصهيونية التي اغتصبت فلسطين التي تمثل قبلة المسلمين الاولى وفيها المسجد الأقصى ثالث الحرمين التي تشد لها الرجال، وتتعلق بها القلوب حباً وتقديساً.

وناصبت إسرائيل إيران العداء واعتبرتها العدو الأخطر على وجودها وأطماعها، لذا وقفت حجر عثرة في طريق أي تقارب أو تهدئة مع أمريكا.

ومن باب شروع إيران  في محاولة امتلاك الذرة والبحث عن كل السبل التي تؤهلها لدخول النادي الذري.. هنا قامت قيامة إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية فبدأتا بالتهديد والوعيد بعدما شرعت إيران في تخصيب اليورانيوم.. وظن العالم أن الحرب ليست بعيدة.. ومضت التجاذبات بين الطرفين مداً وجزراً سنوات طويلة وكأن هناك اتفاقاً سرياً  بينهما ألا تفضي الأمور إلى القطيعة أو اللاعودة. كانت الحال أشبه بلعبة الحبال شداً وتراخياً فلا تنقطع أبدأً.

وأخيراً بدأت العلاقات بينهما تبتعد عن لغة العداء والخصام لتميل إلى الليونة والحل عن طريق المفاوضات التي تحقق للطرفين مصالحهما المشتركة.. وهنا قامت قيامة إسرائيل وأرغدت وأزبدت، وهذا ليس إلا من قبيل ذر الرماد في العيون لتخفي فرحتها ولتحصل من أمريكا على أقصى ما تريد، علما بأنها كانت تزودها حليفتها بكل تفاصيل وسير الاتفاق أولاً بأول

لكن إسرائيل  ما كانت في تاريخها ترضى بشيء مهما عظم فهي تطمع في المزيد طالما كان ذلك ممكناً. وهي في الحقيقة تخفي فرحها وسعادنها بما حصل..

وأخيراً توقع أمريكا وإيران اتفاقاً تعترف فيه بحقها في تخصيب اليورانيوم وامتلاك الذرة التي تستخدم في توليد الطاقة السلمية وتسخيرها للأغراض العلمية.وهكذا هدأت أو تكاد اختفت لغة العداء بين الطرفين لتبدأ إسرائيل دورها المرسوم لها في الاعتراض والتهويل مما حدث.. وهذا دورها وهذه سياستها الخبيثة على الدوام لا تتغير ولا تتبدل.

والقارئ للعلاقات بين الدول يدرك أنها لا يدوم على حال لها شان إ فهي تتغير وتتبدل وفق ظروف ومعطيات وأنها لا تحكمها قوانين ثابتة ولا تخضع لمعايير أو مقاييس.. فقد تتناقض مع القيم والمبادئ وحتى الأخلاق ليكون المعيار الفصل هو المصالح المشتركة ليس إلا.. أما التغني بالسلم العالمي فهو هراء ودجل وضحك على الذقون.. والأنانية المتحكمة أولاً وأخيراً، أنا ومن بعدي الطوفان.

وهكذا صحونا من سبات طويل لنفنح عيوننا على اتفاق تاريخي بين العدوين اللدودين بالأمس القريب ليتحولا إلى صديقين وربما حميمين في القريب العاجل ليتحالفا ضد عدو مشترك.. ومن هو يا ترى؟!، وعلى العرب أن يفيقوا ويصحوا قبل فوات الأوان.. ولات ساعة مندم.. فلا مجال للنوم أو اللامبالاة ونحن نرى الأعداء يتكالبون علينا من كل الاتجاهات ونحن ننظر للأمور بحسن نية! .. ومن يعش ير! وعش رجباً تر عجباً. كاتب ومفكر عربي