معركة مجدو في التاريخ – بقلم : الأستاذ : حسني حنا

 

الرابط : دراسات (:::)

بقلم الاستاذ : حسنى حنا – نيوجرسي (::::)

يقول المؤرخون العسكريون ان معركة (مجدَو mageddo)التى جرت فى فلسطين عام (1468) ق.م ، بين جيش مصر بقيادة تحوتمس الثالث ، وتحالف المدن الكنعانية فى سوريا . هى أول معركة موصوفة فى التاريخ ، يمكن إعادتها الآن بكل تفاصيلها . أما المارشال البريطانى مونتغمرى فى كتابه (فن الحرب) وهو مجلد شامل ، عن تاريخ الحرب منذ سبعة آلاف سنه قبل الميلاد ، حتى أيامنا هذه ، وعلى الرغم من موافقته على هذا الرأى ، إلا أنه يفضل إعادة عرض المعركة الشهيرة ، بين فرعون مصر رمسيس الثانى والحثيين حول مدينة (قادش) قرب حمص ، التى وقعت فى أواخر شهر أيار من عام (1296) ق.م ، بسبب وجود تفاصيل أكثر عنها ، بين جيشين قويين . ولأنها نموذج لمعركة كبرى ، فى أرض مفتوحة ، فى ذلك الوقت المبكر من التاريخ .

سوريا والامبراطورية المصرية : كانت سوريا قد أدخلت فى الامبراطورية المصرية عند ظهورها فى عهد الفرعون (أحمس) مؤسس المملكه الحديثه (ت 1546 ق.م) وكان احمس هو الذى طرد الملوك الرعاة (الهيكسوس) من مصر ، ولحق بهم الى سوريا ، التى أتوا منها ، وحمل بلاده على اتباع سياسة الفتوح والتوسع . وتابع خلفاؤه من بعده خطة التوغل فى سوريا وفلسطين . واجتاح الفرعون (تحوتمس الاول) البلاد كلها حوالى عام (1520) قبل الميلاد ، بدون مقاومة كبرى ، ووصل الى نهر الفرات الاعلى .

موقعة مدينة مجدو : بجوار (تل المتسلم) بين مدينة جنين ومدينة حيفا ، وعلى بعد حوالى سبعة عشر كيلو متراً من جنين ، تقع أطلال مدينة (مجدو) فوق تل استراتيجى، يرتفع نحو ستين متراً ، عن السهول المحيطه به ، على الطريق التى تخترق جبل الكرمل ، فى السهل الساحلى ، ويتحكم بمدخل سهل مرج ابن عامر فى شمال فلسطين . وهذا الموقع أكسب المدينة مكانة هامة عبر العصور ، حتى وقتنا الحاضر ، حيث كانت مسرحاً للعديد من المعارك الحربية الحاسمة فى تاريخ فلسطين .

أصل التسميه فسر الباحثون هذه التسميه فذكروا ان اسم (مجدو) مشتق من (جدا) أو (جدد) الآرميه بمعنى (قطع) أو (فصل) ويرى البعض ان (مجدو) تعنى (موضع الجيوش) أو (المعكسر) . ويجدر بالذكر هنا ان السحر الذى يحيط باسم (مجدو) مصدره آية من سفر الرؤيا فى الانجيل ، حيث يرد اسم (أر مجدون Armageddon والتى بقربها أقام الرومان معسكراً كبيراً لجنودهم ، حيث توجد اليوم قرية  تسمى اللجون (من اللاتينية legio) قارن مع سفر الملوك الاول فى كتاب العهد القديم (التوراة) (15:9) .

مدينة مجدو فى التاريخ ورد ذكر مدينة (مجدو) فى حوليات الفرعون المصرى (تحوتمس الثالث) التى تعود الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد . حيث ذكر أنه استطاع فى العام (1468) قبل الميلاد ، ان يهزم جيشها الكنعانى . وقد وصفها بالقوة والمنعة ، وذكر انها كانت تتزعم حلفاً من عدة مدن ، ضد النفوذ المصرى فى الساحل الكنعانى الجنوبى (فلسطين) وسوريا ، كما بين انه لم يستطع الاستيلاء عليها ، إلا بعد حصار دام سبعة اشهر .

معركة مجدو كان أمير (مجدو) يتزعم مجموعة من المدن الكنعانية ، التى تحالفت مع المدن السورية الداخلية الثائرة ، بزعامة قادش (تل النبى مند حالياً قرب حمص) ضد النفوذ المصرى . وتشير بعض المصادر ، الى ان هذا الحلف كان يضم نحو (33) مدينة . وتعتبر معركة (مجدو) أولى المعارك الحربية ، التى تحتفظ بتفاصيلها حتى الآن ، وتوجد تلك التفاصيل فى (حوليات الكرنك) . ولم تتوطد سيادة مصر نهائياً فى سوريا ، التى أصبحت جزءاً من الامبراطورية المصرية الناشئة، الا بعد ان قام المحارب المشهور فى مصر القديمة (تحوتمس الثالث (1490-1436 ق.م) بست عشرة حملة حربية ، وتتصف الحملة الاولى ، وهى أهم الحملات ، بسقوط (مجدو) فى العام (1468 ق . م ) حيث اصطدم الجيش المصرى ، بحلف مؤلف من (350) أميراً . وكان الهيكسوس ، الذين طردوا حديثاً فى مصر ، العمود الفقرى لهذا الحلف . وكان أمير مدينة قادش على نهر العاصى رئيسه . وقد دارت هذه الحرب ، تحت اسوار مدينة ( مجدو) المحصنة تحصيناً قوياً . وعندما انسحبت القوات السورية ، أمام هجوم المصريين العنيف ، وجدوا أبواب المدينة مغلقة من قبل السكان . وكان على أمير قادش نفسه ، أن يُرفع الى فوق الاسوار . وبعد حصار دام سبعة اشهر اضطرت المدينة التى كان (الاستيلاء عليها كالاستيلاء على ألف مدينة) الى التسليم ، بعد ان فتك فيها الجوع . وقد استولى المصريون على كمية كبيرة من الغنائم ، تكاد لا تُصدف . وتتألف من نحو (2000) حصان و (1000) مركبة حربية وعدد كبير من الدروع والاسلحة الثمينة ، وأعداد كبيرة من الماشية . كما صادروا من القصر الملكى ، أباريق ذهبية وكمية من الاثاث والتماثيل ، وقدم الامراء المغلوبون على أمرهم رهائن ..

وبإحتلال جيش تحوتمس الثالث مدينة (مجدو) دخلت قواته سهل مرج ابن عامر . ومن الجدير بالذكر هنا ، أن جيوش الحلفاء حسمت معركتها مع القوات العثمانية ، فى الحرب العالمية الاولى ، فى نفس المكان بقيادة الجنرال الانكليزى (اللنبى allen by لقد قرر سقوط (مجدو) مصير فلسطين . وتقدم تحوتمس الثالث ، المعروف بنشاطه نحو الشمال ، ووصل الى لبنان واستولى على ثلاث مدن فيه ، وبنى حصناً . وفى خلال حملته الخامسة . استولى على جزيرة (أرواد) وبذلك أحكم قبضته على الساحل الكنعانى (الفينيقى) . ويتكرر ذكر مدينة (مجدو) فى الوثائق المصرية لملوك مصر ، فى العهود اللاحقة . وبخاصة الملك (امنحتب الثانى) والملك (سيتى الاول) كما ورد ذكرها فى رسائل تل العمارنة . وهى رسائل متبادلة بين ملوك المدن الكنعانية الساحلية والسورية الداخلية (الآرامية) وفراعنة مصر . وقد تردد اسم (بريديا) فى رسائل تل العمارنة ، كأحد ملوك (مجدو) العظام حيث لم يكن ينافسه فى ذلك الحين سوى ملك شكيم (نابلس) وملك عكو (عكا) . مجدو فى العصور اللاحقه ظلت مدينة (مجدو) الكنعانيه تحتفظ بقوتها عبر العصور ، ولم يستطع العبرانيون اقتحامها . اذ اشارت التوراة الى ان مجدو ، كانت ضمن المدن الكنعانية القوية ، التى لم يستطيع العبرانيون هزيمتها . وقد اشار الملك الآشورى تيخلات فلاصر الثالث (745-727) قبل الميلاد انه عندما قضى على اسرائيل ، جعل مدينة (مجدو) الكنعانية عاصمة المقاطعه الآشورية فى فلسطين ، حيث كانت هذه المقاطعه تضم مرج ابن عامر والجليل . وتعتبر الاكتشافات الاثرية التى اجريت فى (مجدو) من اهم وأشمل الحفائر ، التى نفذت فى فلسطين . وقد ذلّت اكتشافات العالم الأثرى (ج.شوماخر g.shumacher) باشراف الجمعية الجمعية الالمانية للدراسات الشرقية فى (مجدو) بين عامى (1903-1905) ان تاريخ (مجدو) يعود الى ابعد من القرن الخامس عشر قبل الميلاد . فقد كانت هذه المدينة قائمة ومزدهرة فى العهد الكنعانى . وقد نشر (واتزنجر Watzinger) كتابا مفصلاً ، عن بعض الموجودات التى عثر عليها . وفى الفترة مابين (1925-1939) اظهرت نتائج الاكتشافات الاثرية ، التى أجراها كل من (فيشر Fisher) و (جاى p.l.o.guy) و (لاود g.laoud) تحت اشراف معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو ، عن معظم الطبقات الاثرية لمدينة مجدو عبر العصور النحاسية (المعروفة خطأ باسم البرونزية) (بين 3000-2000) ق . م وحتى العصر الفارسى (القرن 6 ق . م ) وقد قام العالم (شيبتون G.M.shipton) بنشر المقتنيات التى عثر عليها فى كتاب بعنوان (مجدو 1 ). ومن الجدير بالذكر ان المعبد الذى تم الكشف عنه فى (مجدو) يعتبر من اقدم المعابد الكنعانية فى فلسطين . وقد توصلت الاكتشافات الاثرية اللاحقة الى ان (مجدو) هى من اقدم المدن فى فلسطين . وانها كانت قائمة قبل العصور النحاسية ، حيث عثر فى الطبقات السفلى منها ، على بعض الادوات والاوانى الفخارية التى تعود الى العصر الحجرى الحديث (6000-4000) ق . م . الا انها بلغت أوج عظمتها خلال العهد الكنعانى فى العصرين النحاسى الثانى والاول (2000-1000) ق . م . واحتفظت بمكانتها المرموقة حتى العهد الرومانى فى فلسطين . واكتشفت فى الطبقات السفلى من الموقع رسوما واشكالا لرجال وحيوانات يمثل معظمها مناظر صيد ، ونماذج زخرفية . وتعتبر تلك الرسوم الحجرية ، من بين اقدم الامثلة على وجود الفن المحلى الكنعانى فى فلسطين .