حذار من الفتن .. ما ظهر منها وما بطن

 

الرابط : اراء حرة (:::)

طلال قديح   – الرياض (::::)

أجل ..أجل ، كونوا على حذر ولا تتهاونوا بالأمر مهما صغُر.. إنها فتنة دهياء لا تُبقي ولا تَذر.. ترمي بشرَر كالقصر وتهدد كل منجزات العَصر.. تنبهوا لما يحاك لكم من خطر في ظلمة الليل وقبل السحَر وأنتم نيام تحلمون بالعسل !! إن أمتكم العربية لم تكن مستهدفة  في أي وقت أكثر منها اليوم فالأعداء تكالبوا عليها من كل الأنحاء وبرعوا في الكيد لها وتسويق مخططاتهم الجهنمية التي تستهدف تقويض دعائمها وتمزيقها شذر مذر لبهنأوا بخيرها الذي يسيل له لعاب كل البشر وتهفو له نفوس الغرب والعجم.. يعرف الأعداء جيداً أن العرب قوتهم تكمن في وحدتهم وتلاحمهم ومن هنا أخذوا يكيدون لهم في السر والعلن ويبتدعون لذلك الفتن التي تعصف بهم تحت أي مبرر وبأي  ثمن ! أدمن الأعداء التآمر على الأمة العربية حتى سرى قي عروقهم مسرى الدم فالأمر  بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت وهم يريدون ان يحيوا وحدهم وما عداهم وخاصة العرب فليذهبوا للجحيم.. التاريخ هو هو والأعداء هم هم لم يتغيروا و إن تغيرت أقنعتهم وإن تظاهروا بخلاف ما يبطنون. ولو عدنا للتاريخ واستعرضنا ما حفل به من حروب ومؤامرات لوجدنا أن العرب أكثر شعوب الأرض معاناة فدفعوا ثمنا غالياً من دمائهم ومقدراتهم وأمنهم واستقرارهم منذ الغزو المغولي ومروراً بالحروب الصليبية وما خلفته من دمار ووصولا إلى العصر الاستعماري الحديث الذي تقاسم فيه الغرب الاستعماري وفق سايكس بيكو العالم العربي ..وهكذا جثم الغرب على كاهل العرب أعواما طوالاً يستنفد مواردهم ويعيث في بلادهم فساداً وإفساداً بحجة انتشالهم من التخلف والنهوض بهم نحو حياة الرقي والتقدم والأخذ بأسباب العلم الحديث مجاراة للحضارة الغربية البراقة. وللأسف وجدت من يفتتن بها ويأخذ بما أنتجته من غير تمييز الغث من السمين فيها مما أوقعنا في حبائلها وإدارة ظهورنا لكل الموروث عن الأجداد العظام واتجهنا سريعاً للأخذ بها ولو كانت تتعارض مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا الموروثة ! وفي المقابل كان هناك تيار معارض يحذر من العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك.. وما أكثرها!! وهكذا وجد جيل غربي الهوى يقدس الفكر الغربي ويرى عدم الأخذ به رجعية مقيتة وتأخراً مذموماً وأنه الأسلوب الأمثل للنهضة والرقي والتطور نحو الحياة الأفضل. أدرك الغرب افتتان العرب بأسلوبه في الحياة وولعهم بتقليده فعمل على دس السم في العسل وهذا ديدنه وسياسته لأنها أفضل طريقة للوصول إلى مبتغاه.. ولما انتهى عهد الاستعمار وطوى أعلامه ورحل إلا انه مضى قدما في مؤامراته ومخططاته ولم يدّخر وسعاً في الكيد للعرب مدفوعاً بحقده الأعمى وكراهيته المتوارثة. عرف الغرب كيف يتسلل إلى البلاد العربية وهو البارع في الفساد والإفساد والقادر على أن يجنّد له أتباعاً ينفّذون سياسته ممن رضوا أن يكونوا أذناباً له ليحققوا غايات في نفوسهم على حساب أمتهم العربية. وها نحن اليوم نرى الغرب يقتنص  فرصة ما سمي بالربيع العربي ليبذر بذور الفتنة ويذكي نار الخلافات في المجتمع العربي مستغلاً حالة الفوضى وغياب القانون بل والدولة أحياناً..ولم يجد أفضل من إشعال نار الكراهية بين الإخوة وإثارة النعرات الطائفية والعرقية مما دفع المجتمع بأسره نحو اقتتال طائفي وعرقي بغيض يهدد بالدمار والخراب والتقسيم وفق أجندات خبيثة يدفع ثمنها الباهظ الأبرياء. إن المعارك القائمة الآن في سوريا ولبنان مروراً بالعراق وليبيا وتونس كلها يحركها الأعداء بخبث ودهاء ضاربين على وتر المذهبية والطائفية والعرقية ليمزّقوا الأمة ويقضوا على كل أمل في النهوض للعمل نحو الإعمار والبناء والعيش الكريم. ما نشهده اليوم من سفك للدماء وترويع للأطفال والنساء يدمى كل قلوب المخلصين من أبناء هذه الأمة ويدعو إلى التنبه والحذر وعدم الانجراف وراء ما يزيّنه لنا الأعداء..تنبهوا يا عرب قبل فوات الأوان وتداركوا الأمر قبل أن يستفحل الداء ويعزّ الدواء وقبل أن يتسع الخرق على الرّاقع وتتأزّم الأمور إلى درجتها القصوى فنجلس نندب حظّنا ونسكب دموعنا ونضرب كفاً على كف حسرةً وندامة. والتاريخ لا يرحم.. وعصرنا لا مكان فيه ولا احترام للضعفاء!  والأمة العربية قوية بكل المعايير والمقاييس ولا ينقصها شيء من أسباب القوة ففيها العلماء والثروات المتعددة والموقع الاستراتيجي الهام وقبل ذلك التاريخ المشرّف الذي ساهم في نهضة العالم بأسره مهتديةً بقوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”. وحثّ الله المؤمنين على التآخي والمودة ونهى عن الفرقة والاختلاف:” واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا ” لأن الأصل أننا إخوة ” إنما المؤمنون إخوة” وحذر من الفتن التي تفتك بالمجتمعات وتوردها المهالك :”واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أنّ الله شديد العقاب” متوعداً مثيري الفتن بالويل والثبور مبيناً فظاعتها وفداحتها : “والفتنة أشد من القتل”ولو عقل الناس عواقب الفتن لاجتنبوها وما فكّروا فيها على الإطلاق. لا شيء أخطر منها في تقويض المجتمع وهدم بنيانه وإصابة اللُّحمة الوطنية في مقتل فهي تفرق ولا توحّد وتملأ النفوس حقداً وكراهية لذا كانت الفتنة من أخطر الأسلحة التي يحاربنا بها أعداؤنا  وأشدها فتكاً ومضاءً. إن الفتن تطل برأسها  في عالمنا العربي في ظاهرة غير معهودة ولا مسبوقة وتهدد بتقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ كما حدث في السودان وكما هو مخطط له ومنتظر في بلاد أخرى – لا سمح الله- ..ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أمتنا من كل الشرور والفتن وأن يسود الوفاق والوئام بين الإخوة الكرام  ليعيش الجميع في محبة وسلام.

• كاتب ومفكّر فلسطيني.