الافعى ترقص على المائدة ..!!

 

 

الرابط : القصة (::::)

قصة : بكر السباتين – فلسطين المحتله (::::)

أدرك الرجل بأن الخبر صحيح.. فقد كانت مائدة الطعام تجمعه بأسرته في أجواء حميمية نادرة الحدوث.. كأنه قادم من سفر بعيد.. تتخاطف ألسنتهم شتى الأحاديث.. حتى زل أصغر أبنائه بتفاصيل خبر لم يدرك أحد أهميته الطاغية بالنسبة إليه.. كأنها الحملان انفتحت عليها بوابة جهنم مستقدمة إليهم الوحوش الضارية. هل سيترك الفرصة اليتيمة تعبر دون أن يفعل شيئاً! الرجل تبلم كمن أصيب بسكتة قلبية.. ها هو يستنهض الوحش في أعماقه.. يبادل النظرات أفراد اسرته الذين دهشوا من ردة فعله التي باغتت الأمان بينهم! وتاهت نظراته الزائغة منسحبة من عيون صغاره وزوجته المتحلقين حول المائدة.. ثم سيطرت عليه رغباته النائمة المجنونة.. وفي لحظات مبهمة حدث ما لم يكن بالحسبان.. وبدون مقدمات! انتفض الرجل مسلوب الحجا! فجأة.. وقفز من فوق زوجته التي أصابها الذهول.. مدافعاً صغاره بلا شفقة؛ كأنهم قطط مفزوعة انفضت من حول المائدة إزاء زوبعته العمياء التي أتت على الأمان فطيرته بغتتةً من بينهم؛ حتى صار أمام الباب المرتج بإحكام على جمعهم الأسري النادر الحدوث.. لم ينتظر!! فقد رفص الباب الخشبي بكل ما أوتي من قوة! فانخلع محدثاً ضجيجاً لفت انتباه الجيران.. تاركاً بيته يضج بالصراخ والبكاء.. وفي عيون زوجته وأبنائه الصغار رعب وعلامات سؤال مبهمة.. ما الذي حدث!! هل زل الولد في حديثه أم كفر!! كأنه الفرار من الموت الزؤام.. ضاقت بالرجل الطرقات باحثاً عن مخرج يقوده إلى الساحة الخلفية.. لم يأبه بقطة اختنق مواؤها تحت قدميه الحافيتين.. ولا بصفٍ من الكتب يعتاش من بيعها عجوز فقير.. ولا بسلة برتقال تناثرت حباتها فانشغلت الأرملة وصغارها في التقاطها، وفي عيونهم غضب متأجج على الوحش المنفلت في الحواري، دون أن يصده حائل أو يستوضح أمره الغريب عاقل .. فترك الشارع في هرج ومرج.. والأسئلة تفر من رؤوسهم دون جواب.. ما الذي يختلج في أعماقه في تلك اللحظة كأنه مس من الجنون أصابه! هل مات له عزيز أم خسرت تجارته في عرض البحر أم ثمة خطب جلل أصابه، وهو يجأر في المتزاحمين: افتحوا الطريق يا أبناء ال(…. ) كأنه فقد عقله في لحظات.. اخترق متدافعاً كل الطوابير البشرية أمام الفرن وبائع اللحمة والباصات كأنه جاء لمشاجرتهم.. تجره اللهفة للوقوف على الخبر الرهيب الذي زل بتفاصيله لسان أصغر أبنائه على المائدة التي انقلبت عليهم قبل حين.. صار الآن على مشارف الساحة المكتظة بأمثاله من الكبار والصغار! فلم ينتظر مزاحمتهم! إذ استقرب مدخل إحدي العمارات السكنية.. فوجدها مقفلة!! ماذا سيفعل وكل الجوع الذي يفجر الشوق في عينيه المحمرتين يقوده إلى الهاوية.. فهذه ماسورة الصرف الصحي ستقوده إلى سطح العمارة المطلة على الساحة المتوارية.. وكان يتساءل بما تبقى لديه من وعي: ” هل جن جنوني حتى أزاحم الناس الذين غاصت بهم الطرقات المؤدية إلى الساحة المغمورة بالصخب والجنون”! لقد ظفر أخيراً بما يريد.. فالساحة أمست ملك عينيه وقد أطل عليها من فوق أكتاف سكان العمارة وهم يراقبون الحدث المشوق في الساحة المخنوقة بالمتزاحمين.. هكذا إذاً!! فاستراح متنفساً الصعداء.. كأنه امتلك العالم في لحظات.. هجعت ناره وغاب في لقائه مع الأفعوان وهو يراقبها تتلوى ساحرة جمهورها .. فشكر الظروف التي جمعته بها بعد أن كانت تستحوذ على مشاعره كلما شاهدها على شاشة التلفاز.. وكانت فرصته السانحة حينما أخبره ابنه الصغير وهم على مائدة الطعام حينما استعلم منه عن سر هذا الضجيج البشري المتنقل في غير عادته بين الأزقة والحوار ي المتباعدة في الجوار: ” بابا.. الفنانة زهرة ترقص في الساحة المجاورة”. وتذكر حينها بغير ندم يذكر أنه نغص على أسرته لحظات دافئة تحولت بعد خروجه إلى صقيع. لا بأس .. سأعيد للمائدة دفئها حينما أبهجهم بالحدث الذي أمامي.. وكأنني سأدعوها لترقص على مائدة الطعام. وتابع جنونه مع المحتفين بالراقصة المشهورة وهم يخرجون من أشداق أبنائهم الدنانير كي يرشونها نقوطاً على الأفعى المتربصة بالصغار