العقل العربي والتفكير خارج الصندوق – بقلم : بكرالسباتين

فن وثقافة …..
قلم : بكر السباتين – فلنسطين المحتلة ..
جمعتنا مناسبة خاصة إبان مسيرة الأعلام الإسرائيلية، تجاذبنا خلالها أطراف الحديث، حينما تساءلت أمامه عمّا يجول في خاطر رجل يرتاد المساجد ويزهو بأخلاقه أمام الناس ويدعو للجهاد في كل الميادين إلا فلسطين بلاده التي استهدف فيها عرضه على يد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ، بينما يعطي للأقصى ظهره دون أن يدافع عنه ولو بكلمة، متذرعاً بالظروف التي تستوجب انتظار قيام خلافة إسلامية.. هذا هروب وتجني على كتاب الله الذي يحاولون حذف آيات الجهاد منه وحبسه في قارورة الخوف والأمر الواقع والتشكيك به من أصله.
أليست هذه ازدواجية ما بين الفكر والسلوك! من حيث أن صاحبنا يعتبر نفسه على صواب أينما حلت رحاله ما دام يمتلك القدرة على تأويل القرآن بما يتناسب وافعاله، أيضاً من باب أن الأكثرية تفعل ذلك، دون أن يعلم بأن القطيع الذي يتبع المرياع إلى مصير مجهول إنما يخطئ بحق نفسه، وما يفعله هو مجرد اختباء وراء الأكثرية المضللة قياساً إلى تضارب السلوك مع أسس الدين الحنيف.
هذه ليست كبوة بل كارثة، مبعثها ما رسخ في العقل العربي من أزمات عقب هزيمة حزيران 1967 التي برمجته على رهاب المجهول.
ولم بتوقف صاحبنا عند ذلك ونحن نراقب جرائم الاحتلال في الأقصى عبر الفضائيات؛ بل راح يقول بأن “للبيت رب يحميه”.
وأمام إصراري على وضعه في زاوية الاتهام في انه منحاز بصمته المريب للعدو بالسكوت عنه من باب الاستعانة بعدو قريب لضرب عدو بعيد كما يتجلى في تغريداته اليومية عبر الفضاء الرقمي، داعياً الله إلى ضرب الظالمين ببعض على اعتبار أن العدو البديل ل”إسرائيل” هو محور المقاومة الذي يضم إيران المسلمة من منطلق انها تخالفه مذهبياً! وهذه فتنة طائفية يراد لها أن تحرق كل مقومات البقاء للأمة لصالح المشروع الصهيوني التوسعي الذي لا يعترف بحدود ثابتة لكيانه المسمى “إسرائيل”.. مع أن من يحتل فلسطين هم الصهاينة الذين فتحت لهم أبواب الوطن العربي من باب التطبيع وفق المصالح الاقتصادية دون مراعاة لمصالح الشعب الفلسطيني في أرضه وثرواته.
واليوم يدخل العرب في حلف ناتو عربي إسرائيلي ضد العدو البديل “إيران” وقد يسترعي منهم القصاص من المقاومة إذا استهدفت العمق الإسرائيلي بصاروخ! كما يقول قائل! يا للعجب.
وكل هذه الدائرة من الحوار البيزنطي يأتي كيلا يقال بأن صاحبنا أخطأ بحق وطنه، وكان بوسعه أن يناصره ولو بتغريدة عبر الفضاء الرقمي دون وجل في إطار المقاومة الرقمية التي أصبحت من أهم ميادين الصراع.
وهذا يدل على أن العقل العربي أصبح في أزمة حقيقية حينما يروض صاحبنا نفسه مختبئاً خلف رأي الجماعة، على التعايش مع الهزيمة وتجرع السم الزعاف بذريعة الواقعية، وهو عقل اتكالي ينتظر المنقذ دون أن يحاول.. ويتستر خلف الدعاء دون ان يسعى.. ويبدع في الخطاب التبريري القائم على فهم خاطئ للدين، وتصدير الأزمات إلى المستقبل.
هذا العقل حينما تناقشه في العناوين المصيرية يغمرك بالأضاليل كيلا تعريه الحقيقة من ورقة التوت مستنجداً بعبارة “هذا راي الأكثرية” وكأن لأفراد القطيع آراء حاسمة لمصير حياتهم الفانية، والتي تعبر مجاناً وتذروها رياح التاريخ كأنها عجيج الخيبة!.. وكأن صاحبنا وجد ليتبع المرياع مع القطيع المقيد بالخوف من المجهول.
هذا اختباء خلف مظاهر التعميم والاعتياد على المشي بجانب الحائط أو الموت مع الجماعة صاغراً.. والانقلاب على الثوابت العلمية والدينية والتشكيك بها لتقبل الانحرافات التي تخالف العقل والمنطق فأصبحت الأرض مسطحة أو جوفية، والجاذبية الأرضية أكذوبة، واستبدلت سورة الإسراء ببني إسرائيل، وشُكِّكَ بصحيحيّ مسلم والبخاري، واستبدل العدو الإسرائيلي المجرم الذي يحتل فلسطين بإيران التي تدعم المقاومة في القطاع المحاصر.. وقيام تحالفات مع العدو الإسرائيلي، شاذة مبهمة، يخسر فيها الجميع كل شيء إلا الطرف الإسرائيلي، وإثارة الفتن الطائفية التي لا تبقي ولا تذر، وتقبل ظاهرة الشذوذ الجنسي، والتعدي على ثوابت الدين الإسلامي الحنيف وتفكيك الأسرة.. واعتبار المحتل حليفاً بينما المقاومة إرهاباً.. والمطالبة بمنع دور القرآن بذريعة انها مهلكة لعقول الصغار كونها في نظرهم تُتْعِبُها وتبرمجها على الإرهاب! وأصبح الحاخام الأمريكي جوزيف براودي الذي تخرج كما يبدو من جامعة تل أبيب الإسلامية! مسموحاُ له العمل كمستشار أو مشرف عام في وزارة الأوقاف الأردنية كما تحدث في مقابلات عديدة بثتها بعض الفضائيات الخليجية! لا بل وصار بوسع الحاخام اليهودي المعروف إيلي عبادي بأن يلقي خاطرة على المصلين داخل مسجد الشيخ زايد في أبوظبي، بحضور مشايخ الديانة الإبراهيمية التي تمهد للتطبيع مع الاحتلال الذي يمارس التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.. والرقص مع الشيطان في عربدته التي قادت العقل الأسير إلى الهذيان.
إنه انقلاب عربي على ثوابت العقل وركائز القانون بقبول ما كان مستحيلاً وفق الميكافللية في أن الغاية تبرر الوسيلة.. وهي نفسها لعبة البوكر التي يمارسها الوصوليون بعد الشبع على موائد اللئام وهم يمتطون صهوة الدين والطائفة التي تخضع لتأويلاتٍ توائم تطلعاتِهِم لتبرير فساد عقولهم وسلوكهم المثير للريبة والتساؤل وتقبل التطبيع المهين.. حتى لو خالف الشرفاء نهج القطيع الذي يشكل الغالبية.. هذا إذا احتكمنا للقانون الوضعي والكتب السماوية التي تًعَرِّفُ الضحية والجاني وفق الأصول المتفق عليها، فيما يتعبها التنقيب في المنطقة الرمادية التي يتستر في ظلها صاحبنا الذي اصر على موقفه مستشهداً برأي الأكثرية ولو جانب العدو الحقيقي العداء.
هذا العقل يحتاج إلى عصف ذهني ومحك حقيقي كي يعاد تدوير باطنه العميق؛ لينضبطَ ظاهرُهُ الواقعي ويفكر خارج الصندوق بعيداً عن التجارب التقليدية التي اكل عليها الدهر وشرب، وتنتظر عصفاً ينفض عنها الغبار.. ويظل الأمل معقوداً على الأجيال الجديدة كي تحرر العقل العربي المعطوب من الخوف فتلجأ إلى التعلم من التجارب الناجحة من باب الاقتداء بفرسانها وليس انتظار الأموات كي يحرروا الأرض والإنسان، وبناء الشخصية القادرة على شق الطريق إلى المستقبل بأمان دون تردد أو خوف.