و كان جبلا – بقلم : راوية وادي – فلسطينية تقيم في كندا

القصة ….
قصة بقلم : راوية وادي – فلسطينية تقيم في كندا ً
جلسَ يرقبُ الموجَ الذي كانَ يدنو حيناً برفقٍ و حنانٍ، يُقبلُ خدَ الشاطىء بصمتٍ و هدوءٍ وينسحبُ، و يعجبُ لأمرهِ بعدَ قليلٍ من الوقتِ كيف يعلو … يصفعُ نفسَ الجبينِ و يهرولُ بلا خجلٍ، و يتركُ الشاطيءَ غارقاً بدمعهِ المالحِ ينتحبُ. مسحَ عرقهُ المتصببِ من ضيقٍ … لا منْ حرٍ و لا قيظِ ، و قدماهُ تضربان الرملَ لا يدري أمن غضبٍ … أم من غيظِ ، أم لانَ َقواهُ خارت، و في الرملِ غاصت قدماه. أتى هنا محاولاً أن ينسى و يستريح …. و لكن الطبيعةَ … تحاولُ أن توقظهُ … من دواماتِ السنينِ و الوحدةِ والأنين ليعِ الحاضرَ،و يعيشَ اللحظةَ …. و يهدأَ و يستكين. و لكنهُ تعثرَ بصخرةٍ غطاها الرملُ الأصفرُ الناعم. بدأَ بالسبابِ و الشتائمِ …ِ على الصخرِ و الرملِ …. و هذا المساءِ الذي يبدو قاتماً…. و على الحظِ عاتباً لائما.
هبتْ تلكَ النسمةُ التي أجبرتهُ على التقاطِ أنفاسهِ .. ليدركَ كم هو غاضبٌ و ناقم. جلسَ ليسندَ ظهرهُ على حافةِ الجرفِ الذي يغمرُ جذعهُ الماءَ، و يضربهُ الموجُ من كلِ جانبٍ. أغلقَ عينيهِ، و فتح فمهُ واسعاً…. و ابتلعَ النسيمَ الباردِ بنكهةِ البحرِ. و أصغى لصوتِ الموسيقى العجيبةِ التي تصدرُ كلما ضربتْ موجةٌ الجرفَ …. و اخترقَ الريحُ تلكَ الفتحاتِ الصخريةِ المنحوتةِ … طبقةً طبقة .. كالأبوابِ، فشكلتْ بناءاً كأنه قلعةُ منسيةٌ … هجرها أهلها منذُ زمنٍ بعيد.
من بينِ ضلوعهِ التي لف عليها ذراعيهِ من بردٍ أوجعَ ظهرهُ الذي أسندهُ على الجدارِ الصخري، اخترقهُ صوتٌ متعبٌ قائلاً: لا لستُ جرفاً، و لستُ قلعةً منسية، بل كنت يوماً جبلاً أشماً ….. قامتي السماء…. و صخري صفوانٌ أملسً لايتسلقه …. إلا الأشداء… و كنتُ لصغارِ الجبالِ سدأ و حصناً من الأعداء، و لكن قدري أني جاورتُ البحرَ …. و ليس للبحرِ من أصدقاء ، و وقفتُ في وجهِ الريحِ صامدأ …. فتوالت عليَّ السنينَ بالأنواءِ، و كانُ الرملُ ينسابُ خفيةً …. كالأفاعي …ُ يأكل من جذوري قدرةَ على الصمودِ و البقاء.
لستُ بصخرةٍ غبيةٍ و لا جرفٍ هارٍ .. و لكني قصةُ الحياةِ … كيف تمضي، و ليسَ سرُ السعادةِ في العيش ِ في العلياءِ و الصمودِ، و لكن في إدراكٍ .. قبلَ تغيرِ الأحوالِ أن طولَ البقاءِ … لا يعني الدوامَ و الخلود.لا تغضبْ …. و لا تسخطْ … و أن استطعتَ فامشِ على الأرضِ .. هويناً .. هوينا، فلست تدري … من تقتلْ و من تحيِّ بخطاكَ …. و التقطْ أنفاسكَ حينَ تفجر براكينَ الكلامِ ساخطاً…. أن لا تُقطِّعَ الأخرينَ بلهبِ اللسانِ و إعلمْ أنك مهما علوتَ … إنسان .. تأتي ثم تذهبُ في طي النسيان.