نهر الحب المتدفق في رواية “روزيتا “للكاتبة ” عزة دياب – بقلم : السيد الزرقاني

ارداعات عربية …..
بقلم / السيد الزرقاني – مصر …
-” كانت تقف علي أعتاب النهر تقاوم الحر في رشيد ” هكذا جاء رواية “روزيتا ” للكاتبة والروائية المصرية  “عزة دياب” الصادرة عن دار كيان للنشر والتوزيع في 160 صفحة حيث تناولت الكاتبة  نهر النيل المتدفق من الجنوب الي الشمال في فيضانه الخير وتلك العلاقة الأبدية بينه وبين المصريين ورسمت  صور حية وقريبة من حياة الصيادين في مدينة رشيد ذات العبق التاريخي من خلال شخصيات متعددة وعلاقات تبدو منذ الوهلة الأولي انك تعايشها وتتجول معها في تلك الحارات والشوارع الرشيدية وكانت ” عزيزة ” الشخصية المحورية في تلك الرواية من نوع خاص  حيث نجحت الكاتبة في تحريك الشخصية في محور درامي وفلسفي بطريقة خاصة أظهرت براعتها في تدفق الإحداث في ترابط  وتداخل دون الإخلال بالبناء الفني في الرواية
ففي البداية تأخذنا الي تلك العادات والتقاليد المصرية في تناول درامي وصور حياتية من خلال تلك المفردات التي تتميز بها مدينة رشيد فنجدها في صفحة 7″(أثار الدخان المنبعث من الحطب المبلل بالندي ودموعها المصبوغة بسواد كحل الحجر الذي صاحب عينيها منذ تفتح الصبا وما فرغت منه مكحلتها كلما سافرت لأهلها في رشيد  تجلبه من وكالة الحنة ………..بواكير الخبز أرغفة طرية تغطيها بالخضرة وتنادي زوجة ابنها لتعد الفطور  وفردت ساقيها في دفء الفرن ”
وتنتقل بنا الكاتبة بين أركان تلك العائلة الرشيدية من خلال اختيار عريس لابنتهم ” عزيزة ” ورغم ان العريس علي متزوج الا ان الجميع اتفق علي اختياره عريسا مناسبا لها ونجحت في رسم تلك الصورة الواقعية داخل الأسرة من خلال حوار سهل لتصل الرسالة إلي القارئ  انه لا مانع من أن تتزوج أي فتاة من رجل متزوج وان العلة عنده انه يحتاج إلي ذرية من الزواج الثاني وان زوجته الأولي لا تمانع من إتمام تلك الزيجة  قمة الإثارة والشجن في لحظة دخول العروس الي بيت ضرتها وتلك العلاقة الفريدة في مجتمعنا الشرقي
وكأن النهر يتدفق  نحو الشمال وكله حنين نحو منابعه الجنوبية  في ص 26 (ذهب الجميع وأغلقوا باب البيت خلفهم  وقف “علي “حائرا كيف يدخل لعروسه ويترك انس ؟ لم يكن يعرف انه يكره انس كما يكرها ألان فهي عقبة يصعب تخطيها  فهو عريس وعروسه تنتظر ،لاحت عزيزة إمامه  يأكله الشوق يفاجئه انتصابه ، تأخذه قدماه إلي حجرتها  يتراجع عندما ينتبه لأعين انس تتابعه )
هنا تجلت عبقرية الكاتبة في سرد المشهد الدراماتيكي  والإنساني وكأنها تحاول رسم مشاهد سينمائية  تراثية لا تحدث كثيرا في الحياة  ،كانت دائما تناصر المرأة في المواقف العابرة خاصة لأنها تدرك سيكولوجية المرأة المصرية في تلك الحالات  حيث تقول ص29 “تتقلب انس في الفراش ، والأشواك منغرسة في مرتبتها ما ان يلمس جنبتها حتي تتقلب علي الجانب الأخر ” هذا هو حال من تحب بإخلاص وتمتلك المقدرة علي الوفاء لهذا الحب السرمدي الذي حملته لزوجها ، وتأخذنا الكاتبة في  في مشاهد  من الذكرة لتذكرنا بعلة الزواج الثاني وتلك العلاقة المتوازنة التي أصرت علي رسمها بين الزوجتين  حيث ركزت علي تقاطع تلك الخيوط المتشابكة في الرواية من خلال المحاور الآتية :
1- الأسرة الأم  حيث أصرت علي عدم قطع تلك العلاقات الأسرية  بين عزيزة وأمها وإخوتها  ونجد ذلك علي امتداد الخط الدرامي في الرواية حتى عندما عرض نصيب عزيزة علها  رفضت أخذة بكلمة أجدها  مؤثرة جدا  “خليها مقابل دخلي علي البيت ” حرصا علي حق الدخول في بيت أبيها وأسرتها ولذلك كان المقابل هو السند لها من أخواتها في نهاية الرواية حيث  نجحا في إخراجها من أزمتها وأزمة أولادها من ديون المركب ومطالبة السماك لها بالدين بل تحقيق أمنيتها في بناء قبر لزوجها وإدخال الكهرباء التي حلم علي بها قبل وفاته
2- العلاقة المتوازنة بين ” انس وعزيزة ” طوال خط التماس بينهما وعدم إثارة أي مشاكل لزوجهما  فنجد انس قد اعتبرت أن أبناء عزيزة هم الجزء المفقود في حياتها السابقة ولذلك حرصت علي احتضان الاولاد في أمومة  مرغوبة منها ولم تشك عزيزة لحظة في أي سوء من ناحيتها حتى وصلنا إلي قمة الحزن والشجن في لحظة الفراق والموت الذي ضرب المدينة   ورحبت في صمت وزوجها يراقبها من خلف الشباك المشيش حيث تقول ص 92(في تلك اللحظة أدركت انس أنها تسير تجاه القبر لا محالة  مسحت يدها التي مسكتها وربت عليها من القيء وقبلتها وضمتها إلي صدرها وأغمضت عينيها وينغص عليها الألم لحظتها  أدركت أنها تنهي الشارع فوقفت واستدارت ورفعت يدها تلوح لشارعها قبل الرحيل فهي تعرف  انه لن يمتد تحت قدميها ثانية  يزيد آلامها من احتمال إصابة من في البيت  …….عندما أدركها المسعفون   مدت لهم يدها بالمفتاح المربوط بحبل الغزل وقالت  والألم يعتصر أحشائها  شيبوني عرفت مصيري وشوفوا أهل بيتي الأول )” قمة التضحية من انس لعزيزة وأولادها وزوجها
3- الطموح في الرواية فكل شخصيات الرواية لديهم طموح كبير في التغير  الاجتماعي سواء بالمنطق او غيره حيث نجد طموح الزواج لدي البعض والانتقال من مكان الي مكان أفضل في جانب أخر من الرواية إلا أن طموح بطل الرواية كان عنيفا لأنه لم يمتلك مقومات التغير وكانت النهاية الدرامية للبطل هي غرق المركب التي رهن الغالي والنفيس من اجلها وترك الأسرة في مواجهه حزينة مع أصحاب الديون
4-  المحور  التاريخي والسياسي في الرواية حيث حرصت الكاتبة علي الربط السياسي بكل محاور الرواية من خلال إظهار الدور الوطني لأهالي رشيد في مقاومة الاحتلال الانجليزي والانتصار علية أو حتى إظهار الجانب الرافض للجماعة الإخوان المسلمون في ثوبها المتطرف والذي أدي إلي اعتقال “منعم ”  ابن أخت علي  وفي النهاية  ترسم لنا لوحة إنسانية في ثوبها السياسي بزيارة الزعيم “جمال عبد الناصر ” وإظهاره بمظهر الأب الحنون والذي خلع ثوب القائد في لحظة حنان أبوي مع أطفال رشيد لتظهر لنا الكاتبة عن ايدولوجيه خاصة بها”ناصرية “الهوى والفكر و في النهاية تقر  بان كبير العائلة علية ان يحتضن الجميع لأنه الملاذ الأمن للجميع فكما كان عبد الناصر كان أخوها “مصطفي ” هو الملاذ الأمن  للعبور من أزمتها والوفاء لزوجها المتوقي وعلي كاهلة دين كبير
5- الواقعية وهو المحور  الأهم في الرواية  حيث حرصت الكاتبة علي التنقل والتعايش مع  كل التفاصيل الصغيرة في حياة الصيادين  حتى أسماء المراكب وعايشت القارئ في كل تلك التفاصيل دون ملل (عرف النيل مع رفاقه، وشق الثوب الذي دثّرته به أمه في نسجها الحكايات عن عروس البحر خانقة الصبية، رآها فى أحلامه تصاحبه في جزيرة الذهب وتعرّفه على ملوك البحار، عندما ترك جسده للموج الهادئ وأرخاه في حضن موجة تسلمه لأخرى.
سبح إلى البر الشرقي وعاد من دون تعب، بالذات في أيام التحاريق قبل الفيضان، حلو صفحة النيل وهدوؤها يُغرى بالسباحة كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، يأتي الفيضان مجتاحًا الشوارع مغرقًا إياها بالطمي والمياه المحمَرّة، تنحسر من الشوارع شيئًا فشيئًا بعدما غسلها النيل وأطعم السردين.
عمل بالقفاصة، ينهى يوميته قبل المغرب، تأخذه قدماه إلى النيل، يتأمل الصيادين يفردون الشباك بين المراكب، ينزلون طوايل السردين المفضض، ألحقه أبوه بخياط بلدي عند زاوية العقادين، يتركه ويتجه إلى النيل.
ألح على أبيه أن يلحقه صيادًا عند أحد معارفه، اشترط عليه أبوه ألا يسمع شكوى منه بعد ذلك، يستقبل النيل قبل طلوع الشمس، يطرح الشِّباك، يلمه بمساعدة زملائه، يهب الوهّاب البلطي والبوري الصايم صيد الليل).
ويبدو لنا أن الكاتبة تأثرت بالكاتب العظيم ” نجيب محفوظ” الذي كان دائما يحرص علي نقل كل التفاصيل في الحارة المصرية ليعلم القاصي والداني  ملامح الحياة المصرية وكان ذالك سببا في انتشار اللهجة المصرية لدي الكثير من شعوب العالم
وأخيرا علينا ان نقر بان الكاتبة  تمتلك أسلوبا سرديا روائيا متقنا  يجعلها في مصاف الكاتبات  المتميزات (كاتب مصري )
دور الاعلام في تنامي خطاب اليمين المتطرف