آراء حرة ….
بقلم : محمد هجرس – مصر …
يقول الخبر، إن مليون بقرة جعلت من هولندا؛ واحدة من أكبر منتجي الجبن والألبان في العالم.. بينما يوجد في عالمنا العربي قرابة 100 مليون بقرة، عدا ملايين أخرى من رؤوس الماشية والضأن والماعز، ومع ذلك لا زالت بعض عواصمنا تستورد نفايات الحليب المجفف من الخارج.
السودان مثلاً، الذي درسنا في صغرنا أنه سلة غذاء العالم العربي، به وحده 30 مليون بقرة و40 مليون رأس من الضأن؛ ومع ذلك فالحال هناك لا يختلف كثيراً عما في دول أخرى، نفس الفقر.. والجوع.. والتخلف، وكأننا أمام حالة قحط غريبة، واستهانة بما حبانا الله به من موارد، لا نشكره عليها، ولا نعرف كيف نستغلها أو نديرها أو نستثمرها.. ونستسهل فقط ضخ ملايين الدولارات لاستيرادها من شعوبٍ عرفت كيف تعبيء لنا الهواء في “أزايز” كما يقول المثل العامي المصري.
وإذا كانت ضروع الأبقار تنتظر من يأمل فيها خيراً، وليس “تقديسها” باعتبارها مصدر الخير كما يفعل بعض أشقائنا الهنود، إلا أننا نتعامل مع ثرواتنا (البشرية والحيوانية) بذات منطق عم يوسف، ذاك الصديق السوداني ضخم الجثة، “عريض المنكعين” بتعبير عادل إمام فيلسوف “شاهد ما شافش حاجة”، والذي ترك عشرة أفدنة خصبة في بلده، يمكنها أن تدرَّ عليه ذهباً، وسافر ليعمل حارساً لمبنى الصحيفة التي كنت أعمل بها، مكتفياً بالجلوس على كرسي وراء طاولة عتيقة بالمدخل الصغير وقتها، يأمر هذا و”يشخط” في ذاك، بالتوقيع هنا أو هناك، مستمداً سلطاته العتيدة من عٍمَّته الشهيرة التي ما إن يهزها يمينا ويساراً حتى نعرف أنها إشارة تهديدية بإبلاغ الإدارة بمن يتلاعب أو يحاول التزويغ، مذكِّراً بـ”إدارة عموم الزير” التي ما إن خرج مسؤول كبير للتقاعد، حتى رأى أن يضع “زير” مياه على ناصية الشارع الذي يقطنه، ويجلس على كرسي قديم حاملاً عصا رفيعة لاستنساخ هيبته وصلاحياته المفقودة، وكلما اقترب شخص للشرب، يأمره بصوتٍ حادٍ باستخدام هذا “الكوز” لا غيره من بقية “الأكواز” المتراصّة أمامه!.
هذا النموذج الأخير، وما قبله، يذكرني بهذا النوع الآخر من النسوة، اللواتي يبخلن على أطفالهن بـ”رضعة” طبيعية لغير ما سبب طبي، ويلجأن لحليب أطفالٍ مستورد يضخونه في أفواههم حفاظاً على رشاقة لن تأتي أبداً!.
صدقوني، المشكلة ليست في البقرة “الهولندية” ولا في نظيرتها السودانية أو المصرية أو من أي ملّة أو جنسية أو سلالة؛ ولكن في “هذا” الذي تشابَهَ علينا ويقود إدارة موارد اقتصادياتنا العربية!.