آراء حرة …
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك …
كيف يفقد الإنسان ظله ؟! ، أشياء تُغَيِب ظل الإنسان ، كأن تحجب الغيوم وجه الشمس ، أو يُغَيِب الموت الإنسان وظله ، ويمكن الدخول في أسباب أخرى ، لكن ما يهمني في الحقيقة هو غياب ظل الإنسان كإنسان بكل ما يحمله من مبادئ وأخلاقيات فيتحول إلى خطوات مبعثرة فوق أرض التيه التي حُرِمت من ضوء الشمس ، أو خطوات مستقيمة سريعة نحو الموت الشكلي ليُصبح الميت الحي . كلمات دفعها إلى قلمي أو كانت موجودة بالأصل لتكرارها على مدار الزمن مع رجال انتعلهم مسمى الرجولة كأحذية بالية ، وأحياها الآن عثوري على رواية الكاتب فتحي غانم ” الرجل الذي فقد ظله ” التي نُشرت عام 1961 وتحولت فيما بعد إلى فيلم ومسرحية ، وقد يكون أبرز ما فيها هو التصوير الرائع لشخصية صعدت في عالم الصحافة على أكتاف أستاذها ، شخصية انتهازية بشعة باعت نفسها من أجل تحقيق طموحها الصحفي فتخلت عن القيم والتقاليد الإنسانية بهدف الصعود إلى الطبقة الأعلى ، ويقال أن هذه الرواية تسببت في فصل مؤلفها من عمله المرموق في عالم الصحافة بعد أن أُشيع أن المقصود بالشخصية الانتهازية هو أحد الكتاب السياسين الذي كان ينعم بحضن الرئيس في ذلك الوقت ، تصوير دقيق لشخصية الانتهازي الذي فقد ظله وكأنه يسير في الظلام دائماً أو هو الميت الحي ، الشخصيات التي فقدت ظلها موجودة وقديمة قدم الأزل لكن لم تظهر في أحط أنواعها إلا بعد ثورة 1952 وتوالي أنظمة الحكم المختلفة ومع كل نظام تتعدد الشخصيات التي فقدت ظلها ، ومن الصدف العجيبة أن اليوم الذي عثرت فيه على الرواية مدسوسة وسط الكتب القديمة هو نفس اليوم الذي تفاخر فيه الإعلام في مصر بأن القاعدة الحربية التي اُفتتحت منذ فترة قصيرة قد سميت باسم الرئيس ” محمد نجيب ” . تساءلت ما الذي ذَكَر النظام الحالي بأول رئيس بعد ثورة 52 وقد استمرأ الزمن نسيانه ، هل هي محاولة عبثية لنسيان أحقر معاملة عومل بها الرجل في ذلك الوقت من رجال فقدوا ظلهم ، بل ليس في ذلك الوقت فقط ، بل ممن أتوا بعدهم من الأنظمة التالية ، وقد كان من الممكن أن يهونوا على الرجل ما أصابه هو وأولاده من معاملة جائرة دون سبب سوى اانتهازية الصعود إلى الحكم . لم يعامل رئيس بهذه القسوة ودون سبب كما عومل الرئيس ” محمد نجيب هو وأسرته . قد تكون مجرد لمحة أعادتها إلى رأسي رواية الرجل الذي فقد ظله ، لمحة قد لا تكون داهمتها بشاعة الانتهازية في صورة رجال مات ظلهم فأفقدهم صفة الحياة نراهم في كل زمن ليس بصفة فردية د بل بالأكوام بعد أن فقدت سيطرة العدد أن تحصيهم ، انتهازيون لعبوا ويلعبون أدوارهم بشتى الطرق للوصول إلى أهداف كلها تصب في خسارة أنفسهم التي تمتد إلى مقومات الوطن ، رجال نمجدهم ونحكي عن بطولاتهم الزائفة ثم ينقلب الزمن لنعرف أننا لم نكتشف ظلهم المفقود إلا بعد فوات الأوان ، وبعد أن تكون وضاعتهم قد عبثت ولم تستحي بكل القيم والأخلاقيات ، رجال حسبوا على الرجولة بالباطل نراهم في كل المجالات ، أنا لا أتحدث عن الماضي فقط ، فما أكثر فقدان الظل الآن !!!! .
edwardgyrges@yahoo.com