مبالغات ترامب.. وتبرير الأوامر التنفيذية! قلم : جيمس زغبي

آراء حرة ….
قلم : جيمس زغبي – واشنطن …
يبدو أن ولع الرئيس دونالد ترامب بالمبالغة وتضخيم الذات قد أصبح راسخاً، وسواء أكان ذلك نتاج حالة من النرجسية الباثولوجية أم مجرد دعاية عادية، فإن حاجته إلى الزعم أن كل ما يفعله هو الأكبر والأفضل، تبدو مقلقة، وفي بعض الأحيان «محرجة». بيد أن المزعج بدرجة أكبر هو الخشية من أن ترامب ربما يصدق بالفعل مفاخره غير الحقيقية، وبسبب حاجته إلى إرضاء ذاته فلا يمكنه قبول الواقع. وبالطبع، من الواضح أن هذه سمة غير مريحة لأي قائد أعلى.
وخلال أسبوعه الأول في السلطة، بدا هذا النزوع واضحاً للعيان. وسواء أكان في خطابه المتباهي أمام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أو في لقائه الصحفي الأول على إحدى الشبكات التليفزيونية، أو عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، فقد قضى الرئيس الجديد وقتاً كبيراً لإقناع الجمهور «وربما نفسه»، بأن الجموع التي تابعت تنصيبه كانت هي «الأكبر في التاريخ»، وأن التصفيق الذي قوبل به في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سجل رقماً قياسياً، وأن تزوير أصوات الناخبين بمستويات غير مسبوقة كان السبب في أنه لم يحصل على أصوات أكثر من منافسته في التصويت الشعبي.
وعندما تحدَّاه مدققو الحقائق في وسائل الإعلام، أصبح الرئيس وفريق عمله متنمّرين، وردوا على المراسلين المسيئين بتهديدات برفض دخولهم وعدم الرد على أسئلتهم المستقبلية. ومؤخراً، أشار أحد كبار المساعدين في البيت الأبيض إلى إحدى وسائل الإعلام، التي وجَّهت أسئلة، بأنها «عدو»! ويبدو أن الرئيس وصحبه يعتقدون أنه يجب تصديق المبالغات.. وإلا!
وما علمناه أيضاً في أثناء الأسبوع الأول من عمر إدارة ترامب أن ميل الرئيس إلى المبالغة أو استخدام «الحقائق البديلة» سيتم استغلاله في دفع أجندته. وعند توقيعه على الأوامر التنفيذية المهمة، دافع الرئيس الجديد عن التغييرات السياسية الجذرية بشأن الهجرة واللاجئين وتزوير أصوات الناخبين عن طريق تقديم «أدلة» على وجود مشكلات.. إما أنها مبالَغ فيها بشكل كبير، وإما أنها مجرد «تلفيقات» ساذجة.
ولتبرير بناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك، على سبيل المثال، زعم ترامب أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر الحدود زاد خلال السنوات الأخيرة، وأن الأميركيين في أنحاء البلاد كانوا ضحايا جرائم عنف اقترفها هؤلاء «المهاجرون غير الشرعيين». والحقيقة أن أعداد الأفراد الذين لا يحملون وثائق ودخلوا إلى الولايات المتحدة تراجع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وفي حين أنه من المؤكد وجود جرائم ارتكبها مهاجرون غير شرعيين، إلا أن عددها ضئيل مقارنةً بمعدل الجرائم العنيفة بشكل عام. بيد أن الحقيقة غير مهمة، إذ إن البيت الأبيض يأمل أنه من خلال الاستفادة من الخوف والغضب تجاه المهاجرين ذوي الأصول اللاتينية فقد يوفر ذلك دعماً كافياً لبناء الجدار وترحيل ملايين من المهاجرين الذين لا يحملون وثائق.
ومن أجل الدفاع عن تجميد برنامج اللجوء الأميركي وحظر هجرة المسلمين من قائمةٍ معظمها دول عربية، يزعم الأمر التنفيذي الذي وقَّعه ترامب على نحو خاطئ أن «عدداً كبيراً من الأفراد الذين وُلدوا في الخارج تم اتهامهم أو توَّرطوا في جرائم ذات صلة بالإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001». وهذه «الحقيقة» محض مبالغة تعطي انطباعاً بأن عدداً كبيراً من الأشخاص المولودين في الخارج تورطوا في أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة، في حين أن العدد الحقيقي لهؤلاء الأفراد الذين تم اتهامهم في جرائم مرتبطة بالإرهاب يقل عن 40، وعدد كبير من هؤلاء كانوا ضحايا فخاخ نصبها مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن مرة أخرى، فالحقيقة لا تهمّ، لأن البيت الأبيض يعتقد أن الخوف والتحيز ضد المسلمين سيوفران التأييد اللازم لتقييد دخول المسلمين وتقليص أعداد اللاجئين المقبولين بشكل عام إلى النصف.
وبالمثل، كي يدعم رغبته في مزيد من التدقيق على كشوف الناخبين ووضع قيود أكبر على إجراءات التصويت، زعم الرئيس ترامب أن هناك ما يتراوح بين ثلاثة وخمسة ملايين شخص صوَّتوا بصورة غير قانونية في الانتخابات الأخيرة.
ولتأييد حجته، استشهد ترامب وفريقه بدراسات يُنكر معدُّوها أن عملهم يُظهر أي دليل على وجود عمليات تزوير ضخمة. ولا يوجد أي مؤشر حقيقي يؤيد مزاعم حالات التزوير الكبيرة، ولكن الحقيقة ليست مهمة، مرة أخرى. وما يُعوّل عليه هو الخوف من «ناخبي الأقليات» الذين يؤثرون في الانتخابات، وسيكون ذلك كافياً لتوفير بعض الدعم للجهود «الجمهورية» الرامية إلى الدفع بأجندة تقييد حقوق الانتخاب.
وقد أدرك ترامب أن بمقدوره إقناع بعض الناس طوال الوقت، ومن ثم بنى دفاعه عن تغيير السياسات على تقديم الحجج التي تقتات على الخوف والتحامل ضد الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية والعرب والمسلمين. ويبقى السؤال: هل يمكن للرئيس أن يواصل المضي قدماً في طريقه ويُقنع كثيراً من الناس في جميع الأوقات؟ لا أتصور ذلك