القصة ….
قصة : وليد رباح – نيوجرسي …
حدثتني احداهن ودموعها على خدها الوردي قالت : فليرحمه الله .. كان سلوتي في وحدتي .. يهاجر معي حيث اهاجر .. ويقيم حيث اقيم .. احادثه ليلا فيهز رأسه موافقا .. اطلب اليه النوم فيلبي .. وعندما اصحو في الصباح احادثه فيستفيق .. مطواع ذكي فاهم لك امور البيت .. فان غبت عن المنزل يجلس خلف الباب بانتظاري وقد تنبه لكل حركة تأتي من الخارج .. يحرس البيت كأنما هو جندي يقف ببندقيته امام حراسته ولا ينتبه الا للبيت عندما اغيب .. لا يأكل وانا خارج البيت .. وانما ينتظرني حتى لو انتظر يوما بكامله ..ولم يعارضني في شىء فعلته سواء اعجبه ام لم يعجبه .. كنت عندما آتي الى البيت القمه الطعام من يدي فيبتسم لي ابتسامة رائعة مثل فصل الربيع ويجلس الى حضني وكأنما اعطيته الدنيا وما فيها .. اسقيه الماء القراح من كأسي ويهز رأسه كأنما يشكرني .. واخيرا مات .. مات دون علة واضحة او مرض معين .. وضع رأسه على المخدة ولكنه لم يستفق كعادته في كل صباح .. ناديت ولكنه لم يجب .. حركت رأسه بيدي فاذا برأسه مثل تفاحة سقطت من شجره .. صرخت وبكيت .. هرع الجيران على بكائي وصراخي فقلت لهم لقد مات .. كان سلوتي في وحدتي .. وكان كأنما هو اخ او أب او عم او خال يسليني ويبتهج ان ضحكت .. ويعبس ان كنت تعبة .. قلت لها : هل كان ابنك او زوجا لك .. قالت وهي تبكي .. انه كلبي يا رجل .. فانا وحيدة لم اتزوج ولم انجب ولم يكن لي احد في هذه الدنيا سوى ( ماكس ) .. فقد كنت يتيمة الاب .. وبعد سنوات من موت ابي لحقته امي .. ولكني كنت يافعة في ذلك الوقت .. شققت طريقي في هذه الحياة بصعوبة بالغة .. واخيرا اهتديت اليه فضممته الى اسرة سعيدة كانت مكونة منه ومني .. ان اربعينيته بعد اسبوع .. وسأحتفل بها على طريقتي ..
ولما كانت المرأة عربية مثقفة .. وكنت اعرفها انها تعمل مدرسة في مدرسة امريكية .. وسمعتها جميلة ورائعة ورائقة .. فقد ذهلت للوهلة الاولى .. انتابني شعور بان اولادي الذين ارعاهم لا يساوون (نكلة) في عملة الزمان القديم نسبة الى ما ابدته هذه المرأة من العناية بكلبها .. ولكني تماسكت وابتسمت فقالت : أتهزأ بالموت فتبتسم .. جئتك كي تواسيني فاذا بك تضحك ملء فمك .. .. قلت .. ابتسمت يا سيدتي لاني اعرف انه في جنة الخلد .. وضحكت لانك يا سيدتي سوف تقضين عمرك او باقيه لا يأنسك كلب ولا يدق بابك احد .. فاني اعرف انك قد تجاوزت الخامسة والاربعين .. ولكن الذي يعزيني ان كلبك خالد في الجنة ولن يذهب الى النار ابدا طالما كان بين يديك ومطيعا لك .. فاطاعة الكلب من اطاعة الزوج .. ورقته وحسن تعامله من تعامل الولد .. وها انت يا سيدتي اليوم تفقدين عائلتك كلها .. فلا ولد ولا بنت ولا ام او اب .. فعلا .. لقد كان (المرحوم) بعض اهلك .. قالت : انه فعلا في الجنة ولقد رأيته في منامي بين الاشجار والخضرة والماء .. وفي كل ليلة احلم به يناديني .. ويدعوني الى زيارة قبره والتحدث اليه وقد ذهبت الى قبره البارحه وترحمت عليه فاذا به يحادثني كأنما كان حيا .. قلت لها : يا سيدتي .. هل كانت مراسيم دفن ماكس على الطريقة العربية ام كانت على الطريقة الامريكية .. قالت : وهل يحترم العرب الكلاب .. انهم لا يحترمون حتى ابناءهم .. قلت لها : ما هذا الهجوم على العرب يا سيدتي مع انك عربية .. قالت : كانوا يستهزئون بي عندما امر انا وماكس في الصباح من امام المحلات .. بعضهم يعلق والاخر يضحك وثالثهم يقهقه .. وكأنما انا اسير مع ديناصور وليس مع كلب وديع كالحمل .. قلت لها : اذن معك حق يا سيدتي بان تقرفي منهم .. انهم زبالة .. اما كلبك يا سيدتي فهو السيد الاول والاخر والعظيم والكبير والرائع .. ثم تابعت .. هل كان هناك مراسيم دفن ( لماكس ) قالت : ساحدثك منذ البدايه .. فقد قال لي بعض الجيران لفيه في قطعة قماش والقه في القمامه .. فصرخت في وجه من قالوا .. وانبتهم وخاصمتهم لانهم لا يعرفون معزة ماكس بالنسبة لي .. .. وكان جار لنا عاقل فقال : اتصلي بهذا الرقم .. فسيهتمون بالامر ..ناولني رقم الهاتف فاتصلت فاذا بسيدة تجيبني .. كنت ابكي بصوت عال فقالت ,: لم البكاء يا سيدتي .. قلت .. لقد نفق كلبي .. وانا ابكيه .. قالت السيده .. فليرحمه الرب .. هل استطيع مساعدتك .. قلت : نعم .. اريد دفنه على الطريقة الامريكية .. مات فجأة دون مرض او سابق انذار .. قالت : ساساعدك في هذا الامر .. ولكن هناك اتعاب يجب دفعها مقدما .. قلت : ما هي المصاريف : قالت : تدفعين مائة وخمسة وسبعين دولارا ثمنا للجنازة والدفن .. واذا ما شئت حرقه فستدفعين ثمن رماده خمسين اخرى .. عوضا عن خمسين دولارا ثمن مشوار عربة الدفن من بيتك الى مقبرة الكلاب . قلت : ان الحرق في الاسلام حرام .. اجابت السيدة : اني احترم دينك يا سيدتي .. لذا فاننا سندفنه على طريقتنا فقط : قلت على الخير والبركه .. سكتت السيدة فقلت :وماذا بعد : قالت : جاءت الى بيتي سيارة حديثة سوداء يسوقها رجل يلبس السواد .. كان حزينا كأنما فقد ولدا عزيزا عليه .. صعد الى مكان سكني .. جلس قليلا لان سلم البيت اتعبه .. ورأيته يبكي ويحمل في يمينه محرمة ورقية يغالب دموعه ان تسقط حتى لا يؤذيني ويؤذي ماكس في منامه الابدي .. ثم قام من مكانه ولف الكلب بقطعة قماش بيضاء نظيفة وحمله بين ذراعيه .. وقال حزينا : هل تريدين يا سيدتي حضور مراسم الدفن .. ام ترغبين في البقاء وبعد ذلك نرسل لك رسالة عن المكان الذي دفن فيه .. قلت سوف احضر الدفن معكم .. .. قال : اذن اصعدي الى سيارتي وساوصلك الى مستشفى الكلاب وهناك سوف يهتمون بامره .. وصعدت الى سيارته واخذت اذرف الدموع والسائق يخفف عني حتى وصلنا الى المستشفى .. .. فاذا باستقبالي ثلة ممن يعملون هناك .. وقد احضروا سريرا صغيرا يتسع لجثة ماكس .. وضعوه على السرير واخذوا يمسحون دموعهم بمناديل كانت في ايديهم . وكنت ارى الدموع منسابة فاتذكر ماكس في حياته .. وكيف كان يعبس عندما يصيبني مكروه فيظل الى جانبي يواسيني …ولن اطيل عليك .. تم نقل الجثة الى المقبره .. واقاموا مراسيم الدفن .. ترحموا عليه واعطوني رقما قالوا لي تستطيعين زيارته وقتما شئت .. وهذا رقم قبره .. وهكذا تراني حزينة وباكية .. وقد جئت اليك لعلمي عما سمعته عنك انك تفعل الخير وتواسي الناس بموتاهم .. قلت لها .. الناس يا سيدتي وليس الكلاب .. فانا احبها ولكني لا احب تربيتها في المنازل .. قالت : اذن فانت جاهل : قلت لها .. نعم يا سيدتي انا جاهل .. فباستطاعتك ان تخلعي حذاءك ثم تضربيني على رأسي .. لاني لا احب الكلاب .. قالت .. اين الرحمة التي كانت بك وكان الناس يتحدثون عنها .. أين مواساتك لمن فقدوا اعزاءهم .. ثم مع كل ذلك .. من انت حتى لا تترحم عليه مثلما ترحم الناس عليه .. قلت : يا سيدتي .. انا انسان جاهل .. ولست متعلما ولا مثقفا كما انت .. فهناك فرق .. قالت : فعلا .. بما انك جاهل .. وبما انك لست مثقفا ولا متعلما .. فان الكلب الذي فقدته كان يفهم اكثر منك .. قلت لها .. نعم يا سيدتي .. معك حق .. ثم انها غادرت مكتبي ولقد سمعتها وهي تقول بصوت خافت .. اناس ليس في قلوبهم رحمة .. لا يحترمون الناس فكيف يحترمون الكلاب .. وذهبت الى حيث القت حملها .