اليونيسكو وإسرائيل ومُخيلاتها وأراجيفها ! بقلم : محمد عياش

اراء حرة ….
محمدعياش – كاتب وإعلامي  – فلسطين المحتلة …
يُعتبر شهر تشرين الأول 2016 من الأشهر المهمة في التاريخ الفلسطيني، حيث صدرت خلاله قرارات أكدت على أحقية المسلمين بمدينة القدس والمسجد الأقصى، ونفت أي علاقة لليهود بهذين الأثرين المهمين تاريخيا ً في حياة المسلمين. وقد صدرت القرارات من أعلى مرجعية في المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) في اجتماعين متتاليين في منتصف شهر تشرين الأول , وفي الأيام الأخيرة منه من قبل غالبية الدول الأعضاء في المنظمة، فقد صدر من لجنة التراث فيها وبأغلبية الأصوات، قرار جاء فيه: أن الأقصى تراث إسلامي خالص. ونفى وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، واعتبرهما تراثا ً إسلاميا ً خالصا ً.
وأضافت لجنة التراث في المنظمة في اجتماعها الأخير، بنودا ً عدة دعمت فيها القرار السابق، من ذلك: تأكيد أن المسجد الأقصى من المقدسات الإسلامية الخالصة، وأنه لا علاقة لليهود به, ويطالب القرار إسرائيل بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائما ً حتى أيلول من العام 2000، إذ كانت دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد. واعتبر قرار اليونيسكو أن تلة باب المغاربة هي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، ويرفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب.
وأدان القرار الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة والتدابير غير القانونية التي يتعرض لها العاملون في دائرة الأوقاف الإسلامية، والتي تحد من تمتع المسلمين بحرية العبادة ومن إمكان وصولهم إلى المسجد الأقصى. واستنكر القرار كذلك بشدة الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى من قبل متطرفي اليمين الإسرائيلي والقوات النظامية الإسرائيلية. وانتقد طريقة إدارة إسرائيل الأماكن الدينية في القدس. كما قررت اليونيسكو إرسال لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول مساس إسرائيل بالأماكن المقدسة للمسلمين في مدينة القدس.
تعاملت الحكومة الإسرائيلية، بهستيرية وعصبية وبُغض شديد، مع القرارات التي صدرت عن اليونيسكو، حيث أصدرت قرارا ً بمنع وصول أي ممثل للجنة تقصي الحقائق في فلسطين المحتلة، كما طلبت من جميع ممثلياتها في دول العالم، التواصل معها، وأن تبلغها بأن لليهود حقوقا ً أساسية في مدينة القدس، وان المسجد الأقصى بني على ما يسمى جبل الهيكل المقدس لدى اليهود، كما وأن الحكومة الإسرائيلية استدعت سفيرها لدى اليونيسكو للتشاور كما ذكرت.
تم إرسال عريضة لليونيسكو موقعة من 77000 يهودي وأصدقاء لهم للمطالبة بسحب وإلغاء كل القرارات المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى التي صدرت عن منظمة اليونيسكو العالمية مؤخرا ً. كما وطالب بالأمر نفسه الكونغرس الأمريكي، في حين ما زالت القرارات والإجراءات الإسرائيلية تتوالى صدورا ً في هذا المجال، كون إسرائيل صاحبة قوة وبطش وتملك نفوذا ً عالميا ً.
إن علماء الآثار من غربيين وإسرائيليين، سبق أن أجروا أبحاثا ً وتنقيبات في القدس، بما في ذلك محيط المسجد الأقصى، وفي أسفله، لم يجدوا أي أثر يشير إلى أنه من الآثار اليهودية، علما ً بأن إسرائيل تحتل القدس كلها منذ خمسين عاما ً، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للطلب من جنود جيشه المساهمة في البحث والتنقيب مع المنظمات الصهيونية المتطرفة في أنفاق المسجد الأقصى، في محاولة مستميتة للعثور على أي أثر يمت لليهود بصلة، وهذا قد يؤدي إلى تقويض أساسات المسجد الأقصى. علما ً أن المتخصصين في الآثار وبعد محاولات مضنية لم يجدوا شيئا ً يشير إلى تثبيت نظرية وجود الهيكل اليهودي المزعوم تحت المسجد الأقصى.
ويبدو أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يريد تطويب وتقديس التراب والغبار الذي يتم سحبه وإفراغه من سراديب المسجد الأقصى، في محاولة لابتداع علم جديد في الآثار يذهب إلى تسمية دينية وإثنية للتراب والغبار!!.
ويمكن إضافة هذه الأسطورة إلى أساطير كثيرة محشوة حشوا ً في التاريخ اليهودي، حيث تنشط المخيلات بابتداع وقائع وتاريخ مليء بالعظمة والتفوق وتمجيد الذات، تماما ً كأسطورة قلعة ( المسادا ) التي أدخلها خيال اليهود في مقررات بعض المدارس، وتم فرضها على الجنود الإسرائيليين، كي يذهبوا ليقسموا قسم الولاء للدولة إلى تلك القلعة الأسطورية، التي تمجد اليهود ودفعت أسلافهم إلى التضحية بالذات، بدلا ً من الوقوع في الأسر أو العبودية، حيث لجأ، كما تذكر الأسطورة – المحاصرين من اليهود في القلعة، إلى قتل أنفسهم فردا ً فردا ً بعد حصارهم من قبل الرومان.
إذن لا وجود لآثار لليهود في القدس، ولا أي أثر لجبل الهيكل أو إسطبلات داوود، ولا وجود حتى لجرة أو فخارة تشير إلى علاقة لها باليهود. وهذه النتائج وغيرها الكثير لا يقوله مسلمون أو مسيحيون متعصبون لمقدساتهم في القدس، بل قاله وذكره عشرات الباحثين والعلماء من جنسيات وأديان مختلفة ومن بينهم يهود.
في 10/11/1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا ً وصفت فيه الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز  العنصري، إلا أن القرار أُلغي في خريف العام 1991 مع بدء مباحثات التسوية في مدريد. لهذا تبرز العديد من المخاوف في شأن تضافر جهود الحكومة الإسرائيلية مع المنظمات الصهيونية العالمية وجهود الصهاينة غير اليهود في العالم لإجهاض قرارات اليونيسكو الأخيرة، وحتى لو تم ذلك، فإن آثارا ً لليهود لم ولن يتم اكتشافها، حتى لو ُنسِج المزيد من الأساطير من قبل المخيلات والأراجيف  المريضة حول هذا الأثر أو ذاك.