كلمة رئيس التحرير
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي
صدع المتأسلمون رؤوسنا بكتاباتهم على الفيس بوك والجرائد والاعلام المتاح لهم حول مواقف تركيا المؤيدة لقضايا العرب واهمها القضية الفلسطينية ومواقفها تجاه ما يجري في سوريا بتأييدها لما يسمى بالثورة السورية التي تقاتل فيها فصائل عددها خمسة وأربعين منظمة نصفها تقاتل باسم الله والنصف الاخر يقاتل باسم أمريكا وبعضها لا يعرف لماذا يقاتل ؟ ومن يقاتل ؟ كما صدعوا رؤوسنا أيضا بما قدمته لغزة وقت الحصار ووقت الحرب عليها والقاء ملايين الاطنان من الأسلحة الفتاكة على رؤوس المدنيين فيها بارسال الباخرة مرمرة التي استشهد فيها ما ينوف على خمسة عشر تركيا او اكثر او اقل ..رحمهم الله واحسن مثواهم .. ولكنهم ابدا لم يذكروا او يتذكروا ان تركيا وعلى مدار تاريخها الحديث وقفت الى جانب العدو الصهيوني بمده بسبل الحياة باتفاقات غلبت فيها مصالحها على أي قضية أخرى سواء كانت تلك القضية تمسها مباشرة او بالواسطة ..
ولا نريد في هذه العجالة ان نفصل ما الذي جرى ويجري .. فمن يذهب الى مواقع التواصل الاجتماعي او الى البحث في سياسة تركيا لن يلومها .. على ما فعلت .. خاصة وانها تعلم ان مواقف العرب جميعا بدءا من القضية الفلسطينية وانتهاء بقضايا الخريف العربي لا يلقون بالا للقضايا الحساسة التي تهم العرب ويلجأون الى المناورة والمداورة والمحاورة وكأنى بهم مصابون بانفصام في الشخصية .. فهم يشتمون إسرائيل في وقت يقيمون العلاقات معها .. مما جعل إسرائيل في نظرهم قضية قومية تنضم فيها إسرائيل للاوركسترا العربية التي تقاتل بالكلام ولكنها من تحت الطاولة تتصل بها وتعطيها كل الإمكانات على ارضها لكي تكون هي الأولى والاخرة في محاربة القضايا العربية الحساسة .. مما يدل دلالة واضحة على ان المتأسلمين أولئك .. لا يعرفون ما السياسة وما مجرياتها وماالمصالح التي يمكن ان تأتي في نتيجتها .. وانهم فقط يريدون إعادة من ذهب الى الحكم .. والقاء سلفه وزبانيته كما يدعون في البحر والتخلص منهم نهائيا .. وكأنهم يحلمون حلما لذيذا مريحا بان الدعاء يمكن ان ينفذ لهم رغباتهم .. وانك اذا ما ذهبت الى مواقع التواصل فانك ترى الكلمات والموبقات مختلطة مع الايات بالدعوة على أولئك وكأنى بالدعاء الذي لا يفرش له بالعمل يمكن ان يستجاب .. واستجلابا .. فقد دعونا نحن العرب على إسرائيل ان يتوفاها الله وتضمحل ولكنها كانت تزداد قوة وشراسة وتمددا في ارضنا أولا .. وفي هذا العالم ثانيا .. بحيث اصبح لها مؤيدون في ارجاء المعمورة في وقت يضمحل لنا التأييد بان لنا حقوقا يمكن ان تصل الينا يوما ..
وأخيرا أصبحت إسرائيل شقيقة للكثير من الدول العربية سواء باتفاقات مكتوبة او بتلاقي مصالحها مع مصالح من يظلون على كراسي الحكم فعرفت بذلك من اين تؤكل الكتف في امة همها الحكم والجلوس على الكراسي بحجة الإسلام والتأسلم ..
ولنعد الى موضوعة تركيا .. فتركيا مثلها مثل باقي الدول العربية او حتى الدول الكبيرة والصغيرة في هذا العالم تغلب مصالحها على مصالح الجميع .. ولا يهمها في ذلك شعبا احتلت ارضه واكره على تركها او ان الدين والإسلام الذي تظهره على قنواتها الفضائية او صحافتها المكتوبة يمكن ان يعيد حقوق شعب اليه نتيجة الظلم الذي لحقه . وأخيرا ظهرت تركيا على حقيقتها عندما عقدت اتفاقا مع إسرائيل يعيد العلاقات التي كانت .. ولو ان تلك العلاقات لم تنقطع ابدا .. فالاتصالات كانت دائما مستمرة حتى اثمرت إعادة العلاقات العلنية ويعلم الله كم من الاتفاقات تم اعدادها وقرب تنفيذها في سبيل تجذير إسرائيل بالارض الفلسطينية وإلغاء حقوق الشعب الذي شرد من ارضه لمدة تقارب خمسة وستين عاما والحبل على الجرار .
ولا نريد ان نقول ان تركيا مثلها مثل باقي العرب مصابة فانفصام في الشخصية .. ولكنها قامت بعد تمسكها بثوابتها بتحسين اقتصادها الى درجة كبيرة .. وبتحسين آليات الحكم فيها .. وبالتمسك بالديمقراطية التي جعلت الشعب التركي يعيش مرحلة مستقبلية زاهية .. إضافة الى تحسين أداء جيشها في الوقت الذي يشتم المتأسلمون العرب جيوشهم ويصفونها بابشع الصفات .. وتلك مثلبة لاني لم ار في هذا العالم من يشتم جيشه ويصمه بما يوصم به من مثالب .. ذلك لان ذلك الجيش لا يريد لتلك الفئة ان تسيطر على مقاليد الحكم لخلاف او اختلاف فيما يطرح أو يحدث .
وأخيرا ظهرت تركيا على حقيقتها التي لا تخفيها .. فاضافة لاتفاقها مع إسرائيل مقابل هرطقات إعلامية لتحسين صورة ما قامت به بان تعطي غزة مستشفى او تبني لاهلها بيتا او محطة للكهرباء او أي شيء آخر يتعلق بالخبز والمعاش وكأنى اصبحنا من الشحاذين في وقت يتحدث حتى المناصرون في الغرب عن بطولة الأطفال الذين يموتون نتيجة مجابهتم لاعدائهم لمنعهم من التمدد نحو الأراضي التي يقال انها لم تحتل بعد .
فاردوغان يقوم بعد حادثة مطار أتاتورك بالاتصال بروسيا لاعادة العلاقات معها بعد انقاطاعها غب حادث الطائرة الروسية التي اسقطت فوق تركيا .. والاتصال ببشار الأسد بعد ان صدع رؤوسنا بمعاداته .. والاتصال وعقد الاتفاقات مع إسرائيل لكي يقيم لها وزنا بعد ان خسرت الكثير نتيجة تصديها للمدنيين في فلسطين .. اكثر من ذلك لا ينقطع اتصاله بالغرب والقيام باعتى المعجزات لكي يكون جزءا من اوربا وحلف الأطلسي .. ونحن كما قلنا لا نلومه على ذلك .. بل نلوم انفسنا نحن العرب لأننا نرى في ايران وفي القضية الفلسطينية وفي حروبنا الداخلية عداواتنا الرئيسة .. ليس لشىء سوى ان ننفذ ما يريده الغرب لنا ولقضايانا ..
تركيا تظل احدى الدول التي أحدثت المعجزات في سبيل رفعة شعبها .. وهذه شهادة صادقة رغم اننا لا نؤيدها في الكثير من القضايا .. ولكن سكوت الذين كانوا يطبلون لها ويزمرون من المتأسلمين سكتوا بعد اتفاقها مع إسرائيل .. ولسوف يسكتون أيضا عندما تحتل إسرائيل أجزاء أخرى من الوطن العربي كما هي الجولان وفلسطين والوصول الى أماكن لم تحصل عليها عسكريا ولكنها حصلت عليها بالاتفاقات والسلام المخادع ..
انا لا اريد للعرب ان يستفيقوا يوما .. اريد ان يظلوا على غبائهم .. وعندما يستفيقون يوما من غفوتهم سيرون انهم اصبحوا بلا ارض يمكن ان يعيشون عليها .. ومع كل ذلك سيظل أولئك يقولون عودة مرسي هي الاهم .. إزاحة السيسي وحكمه هي الأهم .. محاربة ايران هي الأهم .. واستتباعا .. تدمير سوريا هو الأهم .. تخريب ليبيا هو الأهم .. تقسيم لبنان هو الأهم .. مسح اليمن من الوجود هو الأهم.. ومن الأهم أيضا : تفريق عناصر الحكم والشعب في تونس .. ولن يظل بعد ذلك سوى اشباه رجال يعيشون على أراضيهم جبناء يركعون ويصلون للحاكم بدلا من الله .. ودمتم .