منوعات ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
في دولة الامارات ضجة وغضب ، هذه الدولة أو المشيخة قليلاً ما نسمع عن غضبها ، نسمع أنها قد تبرق وترعد مع دول الخليج ، قد تضبط نفسها على ساعة الهذيان السعودي والخليجي ، قد تتبرع بأموال لفقراء الأمة الاسلامية والعربية ، حتى تقرأ حروف كرمها بين سطور وسائل الاعلام ، ولكن أراها في نهاية المطاف دولة محشوة برمال النفط .
الشارع الإمارتي غاضب على اعلان تجاري ، لم يغضب على المهاجرين والهاربين من الوطن العربي الى الدول الأوروبية ، ولا على القتلى الذين أصبحت صور اشلائهم تتغذى على وحشية الطقوس اليومية التي يتناولها الاعلام العربي دون أن يرف له جفن ، ولا على الدمار الذي يكسو مهرجانات الدم ، والسباق بين فصائل وحركات وتنظيمات اسلامية عربية رفعت الستائر عن خلايا حقدها ، وتبين أن دستورها ودورانها فقط في محيط ابتزاز شخصية وحياة وعقل وفكر وحرية الانسان .
دولة الامارات لم يقض مضجعها أنين وجوع وأشلاء أطفال اليمن القريب جغرافياً البعيد عربياً عن ذاكرة ومشاعر ركضها نحو الحضارة العمرانية ، بل غضبت وقفزت من نومها حين خرج اعلاناً من جعبة أحد مصممي الاعلانات يبين لاعبي فريق ” العين ” وهو أشهر فريق في الامارات وهم يرددون النشيد الوطني الاماراتي في ستاد ” هزاع بن زايد ” قبل احدى مبارياتهم ، وفجأة يتوقفون عن التغني بالنشيد الوطني ويظهر عدد من اللاعبين وعلى رأسهم أشهر اللاعبين عمر بن الرحمن الشهير ” عموري ” ، وهم يهرعون ويتسابقون الى خارج الملعب للحصول على سيارة أم دبليو ، وكان النشيد الوطني هو الديكور للإعلان التجاري .
لقد رفضت الحكومة الاماراتية النشيد الوطني المربوط بالإعلان ، غضب الشعب وفارت الدماء في الشرايين، واعتبروها طعنة في الكبرياء والكرامة الوطنية .
أما النشيد الوطني المربوط بالخيانات والتآمر والسجاجيد الحمراء التي يدوس عليها كل من تسول له نفسه الدمار والتحطيم والتشريد والعبث في الدول الشقيقة والصديقة ذات الرسالة واحدة ، فلا يوجد المجال هناك للغضب والزعل وفوران الدم والاحتجاج .
كلنا نعرف قد اصبحت زيارات الرؤساء والوزراء والمبعوثين الأجانب الى الدول العربية التي تملك أصابع العبث وخيوط لعبة التغيير والتدمير والمؤامرات تتميز بالاستقبالات المفروشة بالابتسامات على انغام الاناشيد الوطنية ، حيث نرى الضيف يستعرض حرس الشرف ويقف شامخاً على الحان النشيد الوطني ، لكن في أعماقنا نعرف أننا اصبحنا نملك اناشيداً بدون طعم ومعنى ، بدون عزة وقدرة ، بدون اختراق ذلك الاحساس الذي يجعل المواطن كتلة من قشعريرة القدسية والاحترام والانحناء ، و الشعور أن كلمات النشيد ولحنه مدارات تاريخية تحمل وجوه من ناضلوا وكافحوا ووقفوا بحزم أمام الاعداء من احتلال واستعمار وهيمنة .
لكن حين نفرش الاناشيد الوطنية العربية اليوم ، نسقط في هزلية الوجع ، هل النشيد يعبر تعبيراً واضحاً وملتزماً عن قضايانا ، وتاريخنا ، أم هو صورة جميلة نعلقها على جدار السياسة كي ننتفخ ونطير ونؤكد أننا نملك الدولة والعلم والنشيد .
وما ان نذكر النشيد الوطني حتى يمد الواقع لسانه مستخفاً بنا ، ويؤكد نحن لا نملك الا الهروب الى الوراء ، نملك ذيول الدول الغربية التي نمسك بتلابيب أثوابها متضرعين لها ، نتمسح ببلاط قاعاتها ، نضع على وجوهنا مكياجها السياسي حسب مقادير مختبراتها ومصالحها ، ونصفق على الحان أناشيدها الوطنية التي هي اكثر التزاما بشعوبها واكثر احتراماً لتاريخهم واصدق في تنفيذ تفاصيل حروفها .
أذكر حين كنا نسمع النشيد الوطني المصري ” والله زمن يا سلاحي ” كنا نشعر أن هناك قوة ترفعنا عن الأرض ، تمنحنا قطارات هوائية نركب فيها لنصل الى عواصم المناخات الأخوية ،كذلك النشيد الجزائري والمغربي والسوري وغيره من الدول العربية ، أما اليوم فنشعر وراء كل نشيد مناخات مكهربة ، شرسة ، دموية .
اليوم نسمع الاناشيد الوطنية العربية فتغطس في بحيرة الضحك ، وتكتشف أننا مجرد اسماك صغيرة جداً ،مثل أسماك السردين الهاربة من الحيتان واسماك القرش ، لكن الهروب يوقعها في شباك الصيادين . ان الحبل السري المربوط الممدود بين النشيد الوطني والمواطن العربي ، تحول الى مشنقة يهرب منها المواطن ، أو مجرد حبل مواعيد لمناسبات ذات توقيت بائس .
دولة الامارات غضبت واعلنت عن غضبها من استغلال النشيد الوطني لماركة تجارية ، لكن هناك من الدول العربية من تتاجر بنشيدها علناً ، عبر الفجوة الحرفية بين النشيد الذي يعزز قيمة الانسان وبين الواقع الذي يتجسد فيه البؤس والشقاء والتعب والحرمان والجوع والاستغلال والتمييز ووجوه مصاصي الدماء .
المواطن العربي يشعر أن نشيده الوطني قد تم بيعه ، وهناك أناشيد تُشترى من المجمعات الصهيونية والامريكية .
النشيد الوطني الحقيقي حين يشعر المواطن العربي انه انسان يحق له العيش مثل باقي البشر، ويحق له أن يرفع رأسه وينشد موطني دون ان يطعنه أحدهم من الخلف .