الاستعمار الفرنسي متواجد في دول المغرب العربي بدون فرنسيين – بقلم : تميم منصور

دراسات ….
تميم منصور – فلسطين المحتلة …
قال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر ”  نحن لم نطرد الاستعمار من الباب كي يعود الينا من الشباك ” ، وقال الزعيم الهندي غاندي ” انه يرفض الاستقلال الذي يمثل استمرار للحكم الانجليزي من غير انجليز ” وأضاف ” نحن من سلم بلاده للانجليز باعتناقنا ثقافتهم ، واستهلاكنا لمنتوجاتهم “.
عندما حصلت الجزائر على الاستقلال من فرنسا عام 1962 ، تم انتخاب أحد قادة الثورة  أحمد بن بله رئيساً للجمهورية ، وأثناء زيارة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبه للجزائر سأل بن بله ،  الجزائر ستكون عربية أم فرنسية ؟ فأجابه بن بله في الحال عربية ، عربية ، عربية ، لأن العروبة هي هويتنا وحضارتنا ، وسوف نقوم بتعريب مؤسسات الدولة ، وفي مقدمتها جهاز التعليم .
كان عبد الناصر وغاندي وأحمد بن بله يدركون ان خطورة الاستعمار الثقافي ، لا يقل عن خطورة الاستعمار العسكري المباشر ، فالاستعمار الثقافي يستعبد النفس والروح والفكر واللغة ، ويصادر حضارة وهوية وعادات وتاريخ ضحية هذا الاستعمار ، واذا تجذر هذا الاستعمار يتحول الى هيمنة دائمة ، هناك الكثير من الشعوب فقدت هويتها القومية ، بعد ان خسرت هويتها الثقافية خاصة لغتها .
رغم ان اللغة العربية ، لغة قديمة وراسخة وبليغة ، ومحيطها واسع وثرية بأجمل وادق العبارات ، وقابلة للتطوير ، الا أن الكثير من الدول العربية لا تزال تهمل هذه اللغة ، لأنها لا تعرف قيمتها ، والبديل لديها استخدام ثقافة ولغة الدول التي كانت تستعمرها ، خاصة الانجليزية والفرنسية ، فالعديد من الدول العربية لا زالت تستخدم الانجليزية والفرنسية في ادارة العديد من مؤسساتها ، والأهم من ذلك بانها لا زالت تستعمل كلغة التدريس الاساسية في معاهدها العليا ، كل هذا يتم على حساب تطور الثقافة العربية ولغتها ، يؤكد الان الاستعمار كالأخطبوط لا زالت اذرعه تملك حرية الحركة في اكثر من دولة عربية واحدة ، وهذا التحرك يتجسد بالتدخل في سياسة هذه الدول الخارجية .
السؤال المطروح ، لماذا تصر غالبية المعاهد العليا في اكثر من قطر عربي واحد ، وفي مقدمتها مصر الاردن العراق السودان ومشيخات الخليج ، على استخدام اللغة الانجليزية في تعليم مواضيع الطب والصيدلة والهندسة والكيمياء والفيزياء وغيرها ؟
هناك دولة عربية واحدة قامت بتعريب لغة التدريس في هذه المواضيع خاصة الطب ، هي سوريا ، لأن النظام العروبي فيها معني بذلك وسعى دائماً للتمتع بالاستقلال التام ، هذا يؤكد انه بالإمكان تطوير هذه اللغة وادخال المصطلحات العلمية الى ربوع مفرداتها ومعانيها ، هل استعمل العلماء العرب في الطب والصيدلة وطب العيون غير اللغة العربية في زمن الرشيد والمأمون وغيرهم ، وهل استعملت لغة غير العربية في الاندلس ؟ .
اننا اليوم امام مشاهد مؤلمة من حالات الجزر الوطني داخل العديد من الاقطار العربية ، لأننا شعب ذاكرته محدودة ، لقد وصلت مظاهر هذا الجزر الى استدعاء عناصر حاقدة من الطابور الخامس في عدد من الاقطار العربية لجيوش طواغيت الاستعمار الامريكي والبريطاني وحلف الاطلسي ، لإحتلال دولا عربية كانت مستقلة كما حدث في العراق وليبيا واليمن وسوريا ، وقد جاءت هذه الدعوة تحت غطاء  الدين ، او الحقد الطائفي ، أو من اجل الوصول الى السلطة ، لكن سرعان ما تحول هذا التدخل الى وبال على شعوبها ، فقد استبدل الاستقلال واستبدل الزعماء الذين ابعدوا عن السلطة بسيطرة عصابات تكفيرية ترضع الفكر الوهابي ، هناك دولاً عربية رأت ان خير وسيلة لإعادة النفوذ الامبريالي اليها ليس بالقوة المسلحة ، بل بالعودة للتشبث بلغتها وثقافتها باسم التطور والتكنولوجيا ، من هذه الدول المغرب والجزائر ، بالنسبة للمغرب لا نفاجأ من نظام ملكي استبدادي فاسد ، أكثر ما يهمنا اقدام الجزائر على هذه الردة وهذا التراجع ، لقد نقلت وسائل الاعلام ( الجزائر والمغرب يعتنقان الفرنسية مجددا كلغة للتعليم على حساب اللغة العربية .
أما في المغرب فقد فرض ملكها محمد السادس بصفته امير المؤمنين تعليم المواد العلمية باللغة الفرنسية في مرحلة التعليم الثانوي ، قام بهذه الخطوة التراجعية رغم معارضة رئيس الحكومة المغربية ” بن كيران ” لكن وزير التعليم رشيد بن المختار سارع الى تنفيذ اوامر الملك ، تفسير هذه الخطوة السياسي والثقافي ماهي العودة لارتداء عباءة الثقافة الاستعمارية الفرنسية ، أما الجزائر التي تعتبر من بين أكثر الاقطار في العالم التي ذاقت طعم المرارة من الاحتلال  الفرنسي ، فقد قدمت مليون شهد على مذبح نيلها الحرية والاستقلال من فرنسا ، وحتى اليوم فأن فرنسا ترفض تقديم الاعتذار والاعتراف بجرائمها ، وترفض الاعتذار للشعب الجزائري .
رغم ذلك استغلت وزيرة التربية والتعليم الجزائرية “نورية بن عبريط” رغبة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بالتفرنس واصدرت قرارا تلزم فيه كل المتقدمين للعمل في سلك التعليم اجتياز امتحان باللغة الفرنسية .
ما ادهش اولئك الذين يعارضون هذا الارتماء الجديد في حضن الثقافة الفرنسية ، خاصة من ابناء الشعب الجزائري ان هذا القرار صدر في ذكرى استقلال الجزائر ، لقد تعهد الجزائريون الغيورون على انتماء بلادهم للحضارة العربية ولغتها العريقة ، افشال هذا المشروع الذي يعني استدعاء فرنسا للتدخل في شؤون الجزائر بواسطة نفوذها الثقافي .
ان غالبية الجزائريين المتفرنسيين لم يقدروا ولم يعرفوا قيمة اللغة العربية ، رغم انها اللغة الرسمية حسب الدستور، لكنهم لا زالوا يعتبرونها لغة دخيلة ولغة الفقراء في البلاد ، من هؤلاء المتفرنسيين ما زال يرفع شعار الفرانكفونية وهم الجماعة الذين حاولوا بقاء الجزائر فرنسية ، داخل الجيش وفي مؤسسات الحكم في الدولة ، وقد اسماهم الجزائريون ” دفعة لاكوست ” وهم مجموعة من الضباط الجزائريين الذين حاربوا ضد الثورة من خلال خدمتهم في الجيش الفرنسي ، واستطاعوا في النهاية التسلل داخل صفوف الجيش الجزائري ، بمساعدة وزير الدفاع السابق هواري بومدين وزاد نفوذهم بعد ان قام بومدين بالإطاحة بحكم الرئيس احمد بن بله .
ما تشهده الجزائر اليوم من محاولات العودة للثقافة الفرنسية يعود الى ضغط اتباع هؤلاء داخل الشارع الجزائري ، بموافقة بوتفليقه المتفرنس الأول ، كذلك الامازيغ او البربر يشجعون توسيع استخدام الفرنسية على حساب اللغة العربية لإسباب قومية وانفصالية بتحريض فرنسا قبل الاستقلال وبعده، ان المعارضين لهذا المشروع على ثقة تامة بأنه سيفشل لانهم يعتبرون العربية مكسب وطني وجودي ، لا سبيل لتراجعه بين الجزائريين وهؤلاء يؤمنون بأن الانفتاح لا يعني فرض لغة غربية .
لا ننسى أن اللغة ليست مجرد أحرف وكلمات أنها تاريخ وانتماء وكرامة وكبرياء أي شعب ، والشعب الذي يعتز بهويته يكون الباب الرئيس للدخول هو اللغة .