مدخل ٌ إلى الشعر – بقلم : عبد الرحيم الماسخ

دراسات ….
بقلم : عبد الرحيم الماسخ – مصر …
سألني أحدهم : ما قيمة ُ الشعر , و لم يمهلني لأجيب فأردف : إنه مجرد كلام ركيك ذو تركيبة معقدة ,غير واضح الهدف و لا قيمة له بمحازاة الحياة الضاغطة بكل مادّيتها على الصدور , لقد حوّل السائل المُجيب رئة الحياة إلى قفص صدري ضيق يدمي كل ما بداخله ليل نهار , أردت ُ أن أجيبه : أن الشعر عكس ما تقول تماماً , فهو ليِّن حنون يمنع احتكاك الموجودات في حضور الروح , لتستمر الحياة في سيرتها الحالمة , و هو بذلك يعتبر دعامة أساسية  للمحبِّين و الفقراء و المرضى ……. إلخ , الشعر مُنطلق ُ الخيال المتماس مع الواقع إلى الممكن و المستحيل في آن واحد , و هو غذاء للأرواح يقرِّب البعيد و يهوّن الصعب و يليّن الصلب , فلا غنى عنه , لكن للحق و الحق يُقال أن هناك لبساً في عرض بعض النصوص للإحاطة بمدلولها , فمن النصوص المنشورة على كثرتها الغث و الضعيف و المنظوم و المقلّد …… إلخ , فإذا اختار أهل الاختصاص نصوصا هادفة مجيدة فيما يفرضون على ذاكرة النشء , نصوصا معبّرة عن وجدانه المسحوب إلى العاطفة , وجدانه المسكون بالمُتخيَّل خاصة في المراحل الدراسية المفروضة  فإن هذه النصوص تتلاقح مع الذاكرة النشطة للطلائع منتجة غزارة الحنين و انهماره ليغذي المستقبل القريب بتوجُّهات ملتهبة قد تخدم التغيير الشامل لمنتج الحياة ذاته , الشعر في هذه الحالة يشكل مشروع حياة , فهو الدافع و الدليل و نقطة البداية إلى النهاية , أما إذا اصطدم العقل القاصر بتخمة الألفاظ المعجمية و جفافها و ارتفاع حنجرتها فقد يتشتت فكره و مع محاولات الحفظ و النسيان قد يصل إلى حالة من التبلّد و التحجّر ليكره المنظومة و من نظموها , لذلك استمر دور الشعر عابرا للزمان و المكان و إن بهتت صورته في بعض الأحيان , لكنه في النهاية بقي إلى الآن , دور النقد الأدبي كمُسَطَح أخضر لهذا البقاء يُمثل أمانة ضامنة للجودة بين قوسيها , و ما وراء ذلك قد يبدأ انعزالياً لينتهي إلى فناء , و يبقى دور النقد الذي لا يجامل , لقد حمل النقد الأمانة بجدة و نشاط و تابع الحركة حتى نهاية التجربة ليختزن الجوهر في حُلل البقاء , ذلك النقد الذي لا يترفع عن المجهول و لا يغتر بالمعلوم هو الذي أوجد الدليل لتابعيه , أما دور النقد الأدبي في عصرنا العجيب فهو في مُعظمه مُتواطئ على حقيقة الموهبة مجامل لبعض التجارب بلا مصداقية , صفحات تُسوَّد لصالح المصالح المتبادلة , محسوبيات تنتج ما بدا لها من سخف المجاملات على حساب القيمة الحقيقية , النقد الأدبي اليوم أصبح بقدرة قادر شاهدا على أهله بالتخاذل أمام ميزان الحق , إنه نقد للوهم لذلك أصبح سريع النسيان قليل القيمة , القارئ المحترف يفهمه فيضرب عنه صفحا حتى لا يضيع وقته في كثير من الهراء , فصاحب الفضائل بمادِّيته هو عظيم القيمة بأدبه و فكره , أما البيّنة على ذلك فكلام مكرور مترهل , النقد كما هو شاهد على عصره شاهد على صاحبه , فعندما يتجاهل النقاد جميعا موهبة عظيمة التأثير لبُعدها عن الأضواء أو لضعفها المادي , و يا سخف ما نسمع و نرى من تبجيل أصحاب المناصب الزائلة عما قريب , ثم نتساءل عن الصمت الذي ينزل على الألسنة فجأة بوفاة المُبجَّل أو عزله , الحياة قصيرة و تشابك المصالح و تعقيدها لا يظل ساترا للمجاملات فلماذا نستمر في المداهنة , أما التاريخ فباب مفتوح إلى الميزان العدل و الصراط المستقيم و الجنة أو النار .