شرق أوسط يكون الحليم فيه حيران

آراء حرة (:)
عدنان الروسان – الاردن (:)
بعيدا عن عبارات التعاطف المتبادلة بين زعماء أوروبا و أمريكا بعد أحداث باريس و المجزرة التي حصلت ، و بعيدا أيضا عن بعض الابتسامات التي لا تكاد الكاميرات تكف عن التصوير حتى تنقلب إلى تجهم و عبوس فإن المشهد في الشرق الأوسط غاية في التعقيد و الاستعصاء على الفهم ، و الحقيقة التي لا يمكن أن نجدها بسهولة مخبئة بين السطور ، فالأمريكيون لا يريدون التواجد الروسي  على مسرح الأحداث كما لا يريدون التواجد الفرنسي ، و هولاند الرئيس الفرنسي الذي يبدو تائها و مرتبكا هو في الحقيقة يعرف ماذا يريد تماما ، و ما يريده يختلف عما يريده الرئيس الأمريكي و يلتقي مع ما تريده روسيا في الإقليم .
الأردن كان مندفعا مع الموقف الأمريكي المعلن و هو محاربة داعش و القضاء عليه ، إلا انه اكتشف مؤخرا أن الأمريكيين يغررون بكل حلفائهم في المنطقة ، و أنه لم يعد يهمهم المشهد  التقليدي للشرق الأوسط الذي اعتدنا عليه في السنوات الماضية ، أمريكا لها اهتمامات أخرى في مناطق أخرى من العالم و هي تريد أن يسير مخططها في الشرق الأوسط بدون أن ترسل قوات عسكرية برية إلى إقليم يقف على حافة الانفجار و ينتظر عود ثقاب كي تندلع النيران فيه ، و هي في الوقت نفسه لا تريد من ينافسها فيه .
الأردن كان على وشك إرسال قوات برية إلى العراق لمحاربة داعش و تسليح العشائر السنية و ربما تشكيل قوة من العشائر الأردنية لدعم القوات المسلحة الأردنية بناء على نصائح و معلومات من الحليف الأمريكي ، إلا أن البريطانيين الذين يفهمون الشرق الأوسط بصورة أفضل بكثير من الأمريكيين نصحوا بالتروي و عدم الاندفاع لأن المسرح العراقي السوري محرقة تتفادى الدول العظمى التدخل بها و ليس من مصلحة الأردن أن يحرق أصابعه في هذا الحريق بدون ضرورات أمنية خطيرة تستدعي ذلك ،  و قد كان الأردن حريصا على سماع النصيحة البريطانية لأنه لم يعد شديد الثقة بالفعل الأمريكي أو حتى النوايا الأمريكية تجاه حلفاء الشرق الأوسط.
ما يتردد في الصالونات نصف المغلقة في الغرب ، أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية يشكل ظاهرة جديدة و هي أن الحلفاء لم يعودوا حلفاء كما في الماضي و باتوا لا يأمنون على أنفسهم أن يديروا ظهورهم لأن المصالح باتت متضاربة بصور كبيرة و الخلافات تعمقت حتى تكاد الوصول إلى درجة القطيعة ، فرنسا تفكر جديا بالعمل لوحدها أو ربما مع الشريك الروسي الجديد ، و كل العبارات الدبلوماسية التي يتبادلها الرئيسان الأمريكي و الفرنسي في واشنطن قبل أيام كانت كذبا بواحا للتغطية على الخلافات العميقة بين البلدين.
إسقاط الأتراك للطائرة الروسية لم يكن فعلا تركيا بمقدار ما كان فعلا أمريكيا ، فتركيا عضو في حلف الناتو و هي لا يمكن أن تقدم على حركة خطيرة للغاية دون تشاور أو تخطيط مع قيادة الحلف أو مع الشريك الأمريكي على الأقل ، غير أن ما يتبدى أن الأمريكيين يريدون التخلي عن مسؤولياتهم و أن يقفوا على الحياد في هذه المسألة و ترك الأتراك يقلعون شوكهم بأيديهم ، بالتأكيد الأتراك ليسوا أغرارا و هم قادرون إذا ما أرادون على امتصاص الغضب الروسي إذا ما تعرضوا للخديعة من أمريكا ، و ربما قادرين على تحويل مواقفهم باتجاه البوصلة الروسية و اتخاذ موقف براغماتي يخدم المصلحة الوطنية التركية قبل كل شيء.
المصالح الأمريكية البريطانية الفرنسية الألمانية لم تعد متفقة تماما ، الأوربيون يشعرون أنهم إذا ما استمروا بالسير وراء سياسات الأمريكيين فإنهم سيجدون أنفسهم في أتون حرب عالمية ثالثة لا يعلم إلا الله شرورها  و عواقبها ، والروس بالتأكيد لن يخرجوا من ” المولد بلا حمص ” ، من المؤكد أن الدول العظمى لا تلعب ” الغميضة ” مع بعضها و أن لعب الكبار غير لعب الصغار ، و معلوم أن الأمريكيين و الروس اتفقوا على تقاسم مناطق النفوذ ، غير أن قواعد الاشتباك تتغير كل يوم ، والروس ينظرون بنهم إلى أمرين مهمين ، الانتقام من  الغرب أو الأمريكيين تحديدا للهزيمة التي لحقت بالإتحاد السوفيتي في أفغانستان و أطاحت  بالدولة العظمى الند لأمريكا ، كما يريدون أن يكونوا على سواحل المياه الدافئة من جنوب المتوسط و حتى سواحل بحر العرب و المحيط الهندي ، و هم يرون أن الفرصة مواتية لتفتيت صورة أمريكا في المنطقة.
الأردن تصرف بكثير من الحكمة حتى اليوم ، و عليه و” ربما هو يدرك ذلك تماما ” أن لا يثق بالرؤى أو المخططات الأمريكية ، إذا كان لا بد له أن يصغي إلى أحد و ” نحن هنا لا ننصح بإتباع ما تمليه الدول الغربية ” و لكن و من مواقف براغماتية بحتة ربما يكون من المفيد الانتباه إلى المواقف البريطانية والتركية و الفرنسية فهي أقرب إلى التقاطع مع مصالحنا و مستقبلنا ، دون أن يمنع ذلك من التفكير جديا في أن يبتعد الأردن عن الانحياز ، و لو كان ذلك ممكنا فإن أهم ما قد يقدم عليه الأردن أن يعلن حالة الحياد التام في هذه اللحظات التاريخية كي يجنب نفسه مخاطر الانزلاق إلى تحالفات قد تقود إلى حروب لا ضرورة لها و ستحرق المنطقة بالكامل ، إن لم يكن غير قادر على الفعل لصالح أمته ، فمن لم يقدر على شيء قليغلق عليه بابه ولا يتورطن في دماء الأبرياء و ذبح الشعوب.
الشرق الأوسط منطقة صار الحليم فيها حيران ، و الأيام القادمة لا تنبيء بخير ، لا نريد أن نبث روح اليأس و الخوف و لكننا لا نريد أن نكذب على الناس ، فالمسرح مكتظ بالممثلين محترفين و هواة ، و المشهد القادم مشهد حرائق و قتل و ذبح و لوبي السلاح و بعض المنظمات التي سنتحدث عنها في مرات قادمة ترسم الخطط للسيطرة على عالمنا بطريقة فجة و غاية في العنف و الإرهاب.