زيارة نتنياهو لواشنطن سوف تشحنه أكثر بمزيد من سفك الدماء والاستيطان

سياسة واخبار (:)
بقلم :  تميم منصور – فلسطين المحتلة (:)
يقول المثل الشعبي ” يعرف ويحرف ” أي أن المقصود في هذا المثل يعرف الحقيقة ، لكنه ينحرف في مواقفه عنها ، ويحاول دائماً الالتفاف حولها كي لا يصطدم بها .
أكثر ما ينطبق هذا المثل اليوم على الرئيس الامريكي باراك اوباما وعلى غالبية قادة وزعماء الدول الاوروبية ، لكن اوباما يبقى متميزاً في انحرافه ، لأنه فاق الكل في طلته على عالم السياسة الامريكية والعالمية ، فهو احدى مفاجآت هذا العصر ، فمع اطلالته فوق مسرح سياسة اقوى دول العالم توقع الكثيرون خاصة الشعوب المغلوبة على امرها ، بأن هذا الزعيم سيكون الأبن أو الرئيس الذي ارسلته السماء لدحر الظلم والقهر ، وأنه سوف يجند سياسة امريكا وقوتها لنصرة المقهورين .
أما لماذا كان هذا التفاؤل ، لأن اوباما وضع في خانة من يشعرون بهذا الظلم ، وبالتاكيد أنه لمسه بشفاهه وأصابعه وجيناته المركبة من آلآم هذا الظلم ، لقد خدع الناس بشخصيته وحماسه ووعوده ، وخدعهم أكثر بسبب لون بشرته ، لكن اتضح أن هذا اللون ضاعف من عقده النفسية ، فقد حاول خلال حكمه أن يثبت للطغاة من حلفاء أمريكا  وديناصورات العنصرية في امريكا أنه أكثر بياضاً ممن سبقوه في سياسته رغم لونه الخارجي .
في مقدمة الذين انتظروا وهللوا وتأملوا أن هذا التغيير والحدث التاريخي في امريكا بوصول اول رجل أسود الى سدة الحكم ، جميع المقهورين في العالم ، ومن بينهم الشعب الفلسطيني ، لأن هذا الشعب من اكثر الشعوب في العالم التي عانت من الدعم الامريكي لإسرائيل ، وفي نفس الوقت فهو لا يثق بغالبية الانظمة العربية ، لأنها أصبحت تقف في معسكر اعداء المقاومة .
الشعب الفلسطيني اعتقد بأن الرئيس اوباما سيكون منصفاً في تعامله مع قضاياه القومية ، وأنه سوف يتراجع عن سياسة الدعم اللامحدود لإسرائيل بعد أن جعلت منها سياسة البيت الأبيض خنجراً تلوح به لإخضاع كل من يعارض مشاريعها الامبريالية في المنطقة ، أن سياسة الدعم الامريكي لإسرائيل جعلت كل فلسطيني يشعر بأن امريكا هي المسؤولة عن استمرار نكبته وهي المسؤولة عن حرمانه حتى اليوم من حقه في تقرير مصيره .
كثير من الرؤساء الامريكان تبجحوا وتفاخروا بمقدار حجم الدعم الذي منحوه للعدوانية الاسرائيلية ، لكن الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر ، الذي يحاول اليوم ارتداء عباءة الانسانية وحملاً للسلام ، أعلن عام 1980 على مسمع من السادات ، بأنه يفتخر لأنه استطاع خلال فترة حكمه لأمريكا التي امتدت اربع سنوات ، أن يقدم مساعدات لإسرائيل نصف ما حصلت عليه من امريكا طيلة ثلاثين سنة ، وأعترف بأنه قدم لها في حينه عشرة مليارات من الدولارات .
لم يختلف هذا الدعم في زمن بقية الرؤساء الذين تولوا الحكم بعد كارتر وآخرهم باراك اوباما ، لكن الفرق بين اوباما وبقية من سبقه من رؤساء الولايات المتحدة ، خاصة اولئك الذين تولوا هذا المنصب بعد الحرب العالمية الثانية ، أن اوباما أكثر الرؤساء الذين تعرضوا للنكران والجحود من مسؤولين اسرائيليين ، كما أنه تعرض للمهانة والانتقاد اللاذع أكثر من مرة ، خاصة من فاشي العصر بنيامين نتنياهو ، تعامل هذا الفاشي الصغير مع الرئيس الأمريكي ، ليس فقط بأن رفض كل اقتراحاته الخاصة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني ، بل استخف بها وتجاهلها دون تردد ، وعمل عكسها .
مارس نتنياهو هذا التحدي رغم أن الرئيس اوباما لم يبتعد قيد أنملة عن محور الاستراتيجية الامريكية المعهودة اتجاه اسرائيل ، الا أن تجاوبه مع هذه السياسة ، لم يمنع من توجيه الصفعة له تلو الصفعة ، لأنه ادرك عجزه وضعفه وتردده ونفاقه ، بعد هذه الصفعات حاول نتنياهو استغلال اللوبي الصهيوني أكثر ، فقام بتحريض حكام الولايات وأعضاء داخل مجلس الشيوخ لوضع العثرات امام سياسة اوباما الداخلية ، وقد ازداد صلافة عندما رفض توجه اوباما المباشر له بالامتناع عن القاء خطابه أمام الكونغرس بهدف افشال المفاوضات التي كانت قائمة والخاصة بالمشروع النووي الايراني .
امام هذا التحريض وقف اوباما موقف المتهم المدافع عن سياسته امام رئيس حكومة عنصرية حجمها لا يساوي نقطة واحدة في بحر الولايات المتحدة، رغم هذا النكران ، أعلن اوباما بأن بلاده سوف تقوم بتعويض اسرائيل بالأموال والاسلحة الحديثة ، مقابل توقيع الاتفاقية مع ايران ، هذا يؤكد حقيقة النفاق لإسرائيل ، لأنه لا يوجد علاقة بين الاتفاق النووي وبين دعم اسرائيل بأكثر الاسلحة فتكاً وحداثة .
اسرائيل تعرف من أين تؤكل الكتف الامريكية ، لأنها ضامنة بأن التزام امريكا لإسرائيل لا يتغير ، وهو جزء من استراتيجيتها العالمية التي لا تتزحزح ، بسبب هذه القيود لم يتوقف التطاول على شخص وسياسة اوباما  ، فقد وصفه ران بيرتس مستشار نتنياهو الاعلامي والناطق باسمه بأنه لا سامي ، وهذا الوصف هو أكثر المواقف حدة الذي تستخدمه اسرائيل والصهيونية ضد اعدائها ، صدر هذا التصريح من بيرتس قبل أن يقوم نتنياهو بتعينه مسؤولاً على مكتب اتصلاته ، وقد طلب أكثر من مسؤول امريكي واحد بما فيهم وزير الدفاع من نتنياهو بعدم تعينه بهذا المنصب ، لكن الجواب كان الرفض القاطع .
استمراراً لسياسة النفاق التي يتعامل بها اوباما مع حكومة نتنياهو ، لم يتأخر هذا الرئيس في اتباع سياسة الخداع والمماطلة مع الفلسطينيين وصرف الوعود الكاذبة ، كما أنه استمر بسياسة بوش من خلال محاولته دعمه للإرهاب في سوريا ، ودعمه للأنظمة العربية الرجعية بهدف اقامة شرق أوسط جديد ، وفي مطلع هذا الاسبوع حل نتنياهو ضيفاً على البيت الأبيض في واشنطن ، وقد اعترف الاسرائيليون انفسهم والكثير من المراقبين ، بأن هذا الاستقبال ، وما هو الا استمرار لسياسة المهادنة والتزلف ، اوباما يستغل نتنياهو ليكسب وده ورضى اللوبي الصهيوني ، يستقبله وهو يعرف بأن خصمه السياسي والشخصي . يستقبله وهو يعرف أنه المسؤول الأول عن سفك دماء الفلسطينيين والاسرائيليين في هذه الأيام .
اعترفت الصحف الاسرائيلية بأن الجفاء المفتعل بين الزعيمين ، لم يمنع اوباما من الموافقة على صرف الفاتورة التي سوف يضعها نتنياهو امامه ، يطالب فيها بالمزيد من الدعم العسكري والاقتصادي ، نتنياهو يعرف بأن اوباما قد هزم وبأنه لا يستطيع ان يتحرر من جاذبية الاستراتيجية الامريكية اتجاه اسرائيل ، فدعمها شيئاً مقدساً ، وقد عبرت عن ذلك بالأمس القريب المرشحة للرئاسة  الامريكية هيلاري كلنتون ، فقالت في احدى لقاءاتها ، ان قيام اسرائيل ووجودها يعتبر حلماً انتظره العالم ، لكنها لم تنوه ما هي حقيقة هذا الحلم ، الذي هو عبارة عن كابوس قاتل بالنسبة لشعب آخر ، شرد غالبية أبناءه ، ولا زال واقعاً تحت نير العبودية .
من بين عقاقير الاطمئنان التي قدمها اوباما الزعلان مع وقف التنفيذ لضيفه الصلف قبل مصافحته ، اعتراف اوباما بأن مشروع الدولتين اسرائيل وفلسطين ، لن يرى النور في الفترة المتبقية من عمر رئاسته ، وأن الاستيطان لن يتوقف ، وهذه اشارة لنتنياهو بأن يستمر في سياسته الاحتلالية .