استراتيجية الدسائس الصهيونية

دراسات (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
غالبية الاستراتيجيات التي اعتمدتها اسرائيل منذ قيامها حتى اليوم لم تتغير ، في مقدمة هذه الاستراتيجيات ، رفض السلام العادل مع الفلسطينيين ، حتى يبقى الشعب الفلسطيني مشردا مرشحا للاندثار بسبب اليأس والتشرد والشتات ، تنخر صفوفه سوسة الفساد ووباء الانقسامات داخل صفوفه .
من هذه الاستراتيجيات أيضاً ، محاولة الدس بين الدول العربية ، خاصة تلك المحيطة بها والعمل على مصادرة تاريخ وثقافة كل دولة للعبث بها ، يأتي ذلك من خلال محاولاتها الدائمة للتعامل مع كل دولة عربية على حدة ، كما فعلت عام 1949 ، عندما رفضت عقد اتفاق للهدنة مع الدول العربية مشتركة ، فانفردت في كل دولة ، وحققت انجازات لم تحلم بها خاصة مع الاردن ومع مصر .
مع الاردن استطاعت اسرائيل بالخديعة والكذب واستغلال سذاجة الملك عبد الله ضم ما يسمى بمنطقة المثلث الصغير بدون قتال ، وتشمل هذه المساحات الهامة من جغرافية فلسطين ، منطقة ام الفحم ، وادي عارة ، وصولاً الى  كفر قاسم ، متخطية المناطق الحدودية الكثيفة بالسكان ، مثل منطقة طولكرم وقراها ومنطقة قلقيلية وقراها .
وافق الملك عبد الله على المطالب الاسرائيلية إرضاءً لخواطر الوفد الاسرائيلي الذي وقع على اتفاق الهدئة برئاسة الياهو ساسون وغولدا مئير وموشه ديان ، هذا ما ورد في مذكرات بن غوريون .
أما مصر فقد نجحت اسرائيل بتثبيت سيطرتها على منطقة ام الرشراش ايلات حالياً ، مع أن معظم هذه المنطقة كانت تتبع جغرافياً لمصر ، كما أنها سقطت بأيدي العصابات الصهيونية عام 1948 بعد التوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار التاريخي كي تبدأ المفاوضات .
هذه السياسة مارستها اسرائيل خلال اتفاقيات السلام التي وقعتها مع أكثر من دولة عربية واحدة ، ومع منظمة التحرير الفلسطينية ، كانت شروطها حاسمة وحازمة مع كل دولة عربية ، ومع منظمة التحرير ، أهمها موافقة الأطراف على التنسيق الأمني الكامل مع هذه الدول ، وانهاء حالة الحرب مع اسرائيل ، أما اسرائيل فلم تكن ملزمة بإنهاء حالة الحرب خاصة مع الفلسطينيين .
بدأ هذا التنسيق الأمني مع مصر ، ولا يزال قائماً حتى هذه الساعة ، بعد ذلك فرض على السلطة الفلسطينية ، خاصة في الضفة الغربية ، وبعدها مع الاردن أصبح التنسيق الأمني مع العديد من الدول العربية شيئاً روتينياً ، وحسب طلب هذه الدول ، مثل المغرب والسعودية ودويلات الخليج ، وكردستان العراق ، ولا نستغرب أن يكون قائماً أيضاً مع تونس .
من استراتيجيات اسرائيل أيضاً منذ قيامها ، محاولتها منع قيام أي شكل من أشكال الوحدة ، أو الاتحاد أو التعاون بين الدول العربية ، أو بين الفصائل الفلسطينية ، أو بين المقاومة اللبنانية ، والمقاومة الفلسطينية ، أهم من ذلك أنها منذ قيامها ، دأبت على تشجيع ودعم كل محاولات الاقليات القومية والدينية داخل العديد من الأقطار العربية ، وعندما لجأت هذه الاقليات الى اثارة حروب داخلية ، سارعت اسرائيل لتشجيعها ودعمها ، ليس محبة بأبنائها ، لأن الذي يستعبد شعباً آخر مثل الشعب الفلسطيني ، لا يهمه تحرير الشعوب الأخرى .
كان هدف اسرائيل دائماً من مساعدة هذه الاقليات ، اشغال الحكومات المركزية بحروب داخلية ، وقودها المزيد من الضحايا ، لانهاك اقتصاد الدول العربية واشغال جيوشها ، حتى تبقى اسرائيل متفرغة للعدوان وقادرة على التدخل المباشر وغير المباشر والأمثلة كثيرة .
عندما ثار الاكراد في شمال العراق بقيادة مصطفى البرزاني ، ضد حكومة بغداد في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، سارعت اسرائيل لدعمهم ، فزودتهم بالأسلحة والمدربين الذين دخلوا العراق ، أما عن طريق تركيا التي كانت ولا زالت عضو في الحلف الاطلسي ، أو عن طريق ايران ، عندما كانت تخضع لحكم الشاه .
استمر دعم اسرائيل للأكراد زمن حكومة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، وفي زمن حكم البعث حتى تم احتلال هذا البلد من قبل امريكا وحلفائها  عام 2003 .
لم تتأخر اسرائيل بدعم المتمردين بجنوب السودان عندما ثاروا ضد الخرطوم مطالبين بفصل الجنوب عن شمال السودان ، أما في لبنان فالتدخل الاسرائيلي واعتداءاتها المتكررة على هذا البلد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخها الدامي ، ما يهم اسرائيل هو ايجاد طابوراً خامسا يتعاون معها في لبنان ، وغير لبنان ، انها تحاول دائماً توفير الاسباب التي تعمل على تمزيق النسيج القومي والوطني في لبنان ، والتناحر الطائفي بين صفوف مواطنيه من أجل تحقيق ذلك وقفت اسرائيل الى جانب القوى اليمنية الفاشية التي تغذي الطائفية والساعية الى تقسيم لبنان ، من هذه القوى حزب الكتائب وحزب الأحرار وغيرها .
وعندما وقفت الحركة الوطنية اللبنانية التي قادها القوميون والشيوعيون ولحقت بهم فيما بعد حركة أمل وحزب الله ، وقفوا في وجه هذه المحاولات ، حاربت اسرائيل الى جانب القوى اليمنية لكن محاولاتها باءت بالفشل ، وسارعت قواتها الى الهروب من جحيم المقاومة اللبنانية ، ولا زالت هذه المقاومة تقف لها بالمرصاد ، وكل يوم تزداد قوة ، وقبل اسبوع اعلن الحزب الشيوعي اللبناني بأنه قرر اعادة تسليح كوادره ، كي يكون طرفاً في افشال أية مؤامرة على لبنان ، ولكي يشارك بالتصدي لأي عدوان اسرائيلي قادم .
حاولت اسرائيل ايجاد أرضية طائفية ترتكز عليها في سوريا لإثارة القلاقل في هذا القطر الذي كان يعتبر من اكثر الاقطار العربية استقراراً لكنها فشلت ، فانتظرت قيام الحلف غير المقدس ضد سوريا بقيادة امريكا وتركيا والسعودية وقطر والاردن والمغرب وقوى رجعية أخرى ، وسارعت للانضمام الى هذا الحلف بهدف بقاء نيران الحرب الداخلية مشتعلة ، وحتى تتحول سوريا الى امارات طائفية ، كما أنها تسعى من دعمها لهذا الحلف ، تدمير امكانيات الجيش السوري وتفكيك البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية  لسوريا .
وما الدعم العلني الذي تقدمه حكومة الابرتهايد برئاسة نتنياهو الى العصابات التكفيرية الا دليلاً قاطعاً على نوايا اسرائيل الدنيئة .
لم تكتف هذه الحكومة بما تقوم به من جرائم في سوريا ، فقد استغلت الاوضاع غير المستقرة في مصر للإيقاع بين السلطة الحاكمة في مصر وبين حركة حماس ، وسوف تثبت الأيام بأن اسرائيل هي التي تزود العصابات التكفيرية في سيناء بالسلاح والمعلومات ، ومن أجل اشباع غرائز الاسرائيليين قامت بتشديد الحصار على قطاع غزة ، تحاول حكومة نتنياهو اقناع السلطات المصرية بأن حركة حماس ، قدمت الدعم للأرهابيين الذين اعتدوا على حواجز الجيش المصري الاسبوع الماضي في شمال سيناء وقد نشر هذا الدس احد دهاقنة الاحتلال في الضفة الغربية ” مردخاي ربيب ” الذي اعلن أكثر من مرة بأن اسرائيل تملك كل المعطيات التي تؤكد دور حماس في دعم التكفيريين ، مع أن حركة حماس استنكرت هذا الاعتداء ، كما ان صحيفة ” هآرتس سخرت من ادعاءات ” مردخاي ربيب ” واعترفت بأن هدفها الإيقاع بين الحكومة المصرية وحركة حماس .
المطلوب من حركة حماس بأن تكون واضحة أكثر ، وعليها التعاون مع أجهزة الأمن المصرية ، لوضع حد لممارسات التكفيريين في سيناء ، في نفس الوقت يجب على الحكومة المصرية منع اسرائيل من استغلال حالة عدم الاستقرار لزرع بذور الشقاق والفتنة بين أبناء الشعب الواحد ، لأن اسرائيل التي ارتكبت الجرائم وقتلت مئات الأطفال الفلسطينيين في عدوانها الأخير غزة ، هي نفسها اسرائيل التي قامت بذبح مئات الجنود المصريين في صحراء سيناء وهي التي قتلت عمال مصنع ابو زعبل في مصر واطفال مدرسة بحر البقر .
كل ما يهمها ان تبقى الاوضاع في مصر غير مستقرة ، وما يهمها اكثر اتساع رقعة الخلافات بين حركة حماس والسلطات المصرية ، وهي تدرك بأن مصر كانت وستبقى المخزون الاستراتيجي للعرب  جميعاً ، ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني