اراء حرة (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
بقدر ما تحاول سلطات الاحتلال الاسرائيلي استغلال عامل الزمن لإطالة عمر الاحتلال ، لعل هذا الكم الزمني يزرع اليأس في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده ، ومن ثم يقترب من خطوط النسيان والاستسلام .
لكن ثبت بأن هذا الأسلوب الاستعماري التقليدي قد ضاعف من تمسك هذا الشعب بهويته وتراثه وحضارته ووطنه ، كما زاد من ايمانه بحتمية مصيره المرتبط بحق العودة الى المدن والقرى التي انتزع منها عام النكبة وعام النكسة ، كما عمق ايمانه بحتمية حقه بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس العربية ، التشريد والملاحقة زاد من ايمان الشعب الفلسطيني بأنه لا بد الا ان يكون لهذا الليل من آخر .
لقد قضى الجيل الأول للنكبة ولحق به الجيل الثاني ، الا ان فلسطين لم تمض ولم تغيب من اذهان خلف السلف ، لأن كل فلسطيني يحمل معه قطعة من ارضها وسمائها أينما ذهب ، وهي متغلغلة في مسامات كل أبن من أبنائها ، لقد تحولت النكبة الى وجع تاريخي يعاني منه كل فلسطيني ، والشفاء الوحيد من هذا الوجع هو اقامة دولة فلسطين المستقلة وحق العودة ، لقد ثبت ان مدة الغياب الطويلة عن الوطن عاجزة عن امتلاك الفلسطيني .
اسرائيل لم تراهن على عامل الزمن فقط ، بل راهنت ولا تزال على حالة الترهل التي تعاني منها القيادات الفلسطينية منها والعسكرية والاهم من ذلك الانشقاق والانقسامات التي عمقت من نزيف الانتظار ، الخطورة ان هذه الانقسامات والتباين في المواقف اصبحت فكرية ايديولوجية بين هذه القيادات ، وهذا ما ادركته اسرائيل وقوى اقليمية كثيرة .
لقد تحول هذا الخلاف الفكري الى ثوابت سياسية لم يعد بالإمكان تجاهلها ولم يعد بالإمكان التنازل عنها ، فالفكر الأداة المحركة للسياسة وهو البوصلة التي توجه من يؤمنون بهذا الفكر ، مثلاً كان البطل العالمي في الكفاح والنضال ” تشي جيفارا ” يكفر بمهادنة القوى الامبريالية ، لا يهم أين ..!! وآمن ان الحل الوحيد للتخلص منها هو الكفاح المسلح ، وعندما انتصرت الثورة الكوبية رفض ان يصبح وزيراً ، لأن هذا ليس مكانه الطبيعي الذي يؤمن به ، فعاد والتحق بالثوار داخل الادغال خارج كوبا ، يدافع عن ايمانه وعقيدته حتى سقط شهيداً .
هذا كان حال لينين الذي رفض ما انجزته الثورة الروسية في مرحلتها الاولى آذار 1917 ، لأنه وجد البرجوازية التي امتصت دماء العمال لا تزال تتحكم بمصير الطبقات الكادحة ، فاستمر بالثورة حتى انجز الكثير من المبادىء التي آمن بها .
سلطات الاحتلال تعرف بأن دائرة الخلاف بين فتح وحماس تتسع كل يوم بدلاً من أن تتقلص وتردم الفجوات ، رغم اقامة حكومة وحدة وطنية ، الا أن هذه الحكومة لم تنهض حتى الآن من المهد الذي ولدت به .
اتسعت دائرة الخلاف الفكري اكثر بدعم وتأثير من قوى عربية وأجنبية كثيرة ، وهذا أدى الى وقف عجلة المصالحة عن الدوران ، في مقدمة القوى العربية والاجنبية التي تغذي هذا الانشقاق ، تركيا وقطر ، وحركات الاخوان المسلمين داخل الاقطار العربية وخارجها ، هذه القوى تدعم حركة حماس وتشجعها على التمسك بمواقف لا يقبلها الطرف الثاني من النزاع .
ان الموقف التركي لا ينبع من ابواب الحرص على فلسطين وشعبها ، لأن تركيا الحالية ، وتركيا اتاتورك وعدنان مندريس وجلال بيار أي ما يسمى بتركيا الحديثة ، قد ورثت معاداتها للجنس العربي من اجدادهم العثمانيين الذين سيطروا على الاقطار العربية ، بإسم الدين مئات السنين ، مع انهم كانوا اقلية دينية بين الشعوب المسيحية ، وكانوا اقلية قومية بالنسبة للشعوب العربية التي اخضعوها ، فقد بلغ عدد الاتراك في القرن التاسع عشر سبعة ملايين ونصف المليون نسمة ، وبلغ عدد المواطنين العرب الخاضعين للحكم العثماني حوالي احد عشر مليون نسمة .
الرئيس التركي الحالي يعرف اكثر من غيره بأن اجداده العثمانيين أهملوا اللغة العربية ، رغم انها كانت على مر العصور لغة الدولة الاسلامية ، ولغة القرآن ، تعمد الاتراك بأن لا يتعلموا هذه اللغة كما فعل الافغان والفرس ، هذا بدوره أبعدهم عن روح الثقافة الاسلامية ، لأن الاهمال في اللغة ادى الى تراجع في الثقافة العربية الاسلامية ، كما عملوا على افراغ الاقطار العربية من العلماء والصناع والفنانين ، وتم نقلهم الى العاصمة استنبول ، هذا الشيء ادى الى هبوط بمستوى الثقافة والابحاث والابداع داخل الاقطار العربية ، كما انعدم التأليف وانحط الفن العربي ، وانعزل العرب عن حضارات العالم ، اذا ارتكب الاتراك مذبحة واحدة ضد الارمن ، فقد ارتكبوا عشرات المذابح ضد العرب ، أهمها الجمود الفكري والتخلف الذي سببوه لهم .
ان سبب محاولة اردوغان تدمير سوريا والعراق ، نابع من حقده على العرب كما انه يحلم بالتوسع التركي السياسي والاقتصادي داخل الاقطار العربية خاصة بعد ان فشلت تركيا الارتباط بعجلة اوروبا الاقتصادية فشعرت بالعزلة ، ولم تعد عضويتها في حلف الاطلسي الاستعماري كافية للتعبير عن مواقفها واطماعها التوسعية .
اما قيام قطر بدعم حركة حماس ، فقد زاد من عزله هذا التنظيم ، وهذا ما تتمناه اسرائيل ، فالحصار الذي يعاني منه قطاع غزة اليوم من قبل اسرائيل ومصر ، لا يعود الى موقف وايمان قيادة حماس بالكفاح المسلح فقط ، بل هناك اسبابا أخرى ، أهمها الازدواجية السياسية التي تمارسها قيادة حركة حماس السياسية ، فقد زجت هذه القيادة هذا التنظيم في متاهات من الصعب الخروج منها ، مثل التآمر على سوريا ، والتحيز لتركيا في معاداتها لمصر بعد طرد مرسي ، ودعمها للعدوان على اليمن ، كنوع من النفاق للسعودية وامريكا ، السؤال الذي يطرح نفسه ، هل بإستطاعة أي تنظيم طمس في هذه التناقضات السياسية ان يحرر وطنه من الاحتلال ؟
أما الشق الثاني من طرفي الخلاف ، فقد اختار الاسلوب اللين المريح في مقارعة الاحتلال ، أختار اسلوب العمل السياسي ، والاتكال على الانظمة العربية رغم ادراكه انها عاجزة وفاسدة وتدور في فلك الامبريالية الامريكية ، أنظمة كانت لها الدور الاول في المآسي التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ سنة 1936 حتى اليوم .
ان احداً لا يعترض على الاعتماد على الاساليب السياسية من اجل التحرير ، لكن هذا الخيار يجب ان لا يكون بديلاً للمقاومة ، يجب ان يتحركا بخطين متوازيين ، كما فعل الشعب الانغولي والجزائري والفيتنامي