سياسة واخبار (:::)
دكتور ناجى صادق شراب – فلسطين المحتلة (:::)
يثور تساؤل خلافة الرئيس أبو مازن بشكل ملح، ووطنى ، لما قد يترتب على هذا التساؤل من تداعيات سياسية تصل إلى حد الصراع المخيف الذى قد يقود الحالة السياسية الفلسطينية إلى متاهات ودوائر صراع غيرمعروفة وخارجة عن السيطرة . وهذا صحيح إلى حد كبير إلى أكثر من سبب: أولا بسبب حالة الإنقسام السياسى المركبة والمعقدة بين حركتى حماس وفتح، وثانيا لغياب الآليات الديموقراطية لعملية إنتقال السلطة ، فلو ان لدينا آليات واضحة ومعترف ومقر بها سيكون الإنتقال سلميا، وقد يقول قائل هنا توجد هذه الآليات التى نظمها القانون الأساس بتولى رئيس المجلس التشريعى الرئاسة لستين يوما ثم تجرى إنتخابات رئاسية عادية كما حدث مع الرئيس أبو مازن ، هذا صحيح فى الأوقات العادية المتفق عليها ، اما الآن فالحالة السياسية فى حالة صراع، ناهيك ان رئيس المجلس معتقل وفتح لن تسمح بذلك فى حال إستمر الإنقسام. وثالثا الصراع داخل حركة فتح وهو ألأخطر، لأنه لوكانت فتح واحده وقوية ، ولا يوجد صراع وخلافات داخلية لأمكن معالجة عملية إنتقال السلطة ، وفى هذه النقطة بالذات لا بد من توضيح خطورة وتداعيات ذلك ، لكن قبل ذلك لا بد من توضيح مكانة الرئيس محمود عباس فى النظام السياسى الفلسطينى . على الرغم من حالة الإنقسام السياسى ، نجح الرئيس محمود عباس فى ان يختزل النظام السياسى الفلسطينى كله فى يده، فمن ناحية هو رئيس السلطة الفلسطينية ، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ،والقائد ألأعلى لكل ألأجهزة ألعسكرية والأمنية وتؤتمر بأمره ، وهو من يعين ويقيل رئيس الحكومة وفقا للقانون ألأساسى ، وهو من يتحكم الآن فى العملية التشريعية ومن حقه أن يصدر مراسيم لها قوة القانون فى ظل غياب المجلس التشريعى المغيب بسبب الإنقسام السياسى ، وبيده دعوته من عدمه، وهو رئيس الدولة الفلسطينية ،والوحيد الذى يتمتع بشرعية إقليمية ودولية لا يتمتع بها غيره، والحكومة اليوم تستمد صلاحياتها منه ، وهى مسؤولة أمامه. ويستمد شرعية سياسية داخلية برئاسته لمنظمة التحرير والتى تعتبررالممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى ، وكل هذا يجعل من خلافته معضلة وتحديا سياسيا كبيرا يواجه كل المستقبل السياسى الفلسطينى ، وبيده اليوم وليس غيره أن يضع الحلول لهذه المعضلة ، وان يضمن لشعبه ان ينأى عن أى صراع حول السلطة ، ومما يزيد الأمور تعقيدا أيضا ما تدركه وتؤمن به حركة فتح أنها صاحبة أحقية فى كل السلطات التى يتمتع بها الرئيس. وحيث ان فتح تعانى من أزمة قيادة حقيقية ، ويغيب عن أعضاء مركزيتها ما يتمتع به الرئيس أبومازن وقبله الرئيس عرفات ، وما يتمتعون به من شرعية ثورية وتاريخية لم تعد قائمة بنفس القوة والتاثير بعد الإنخراط فى العلمية السياسية وتراجع المكون الثورى لأى قيادة . فى هذا السياق يبدو لى وبقراءة ما يجرى داخل حركة فتح ان هناك اكثر من تكتل وقوة سياسية كل منها يسعى لتوزيع هذه السلطة ، فهناك اكثر من قوةو تكتل ، وتتشكل هذه القوى حول ثلاث قوى أو كتل متصارعة فى الخفاء والعلن إلى حد ما، وقد يصعب تصنيف هذه القوى بالإسم وهو معروفا فى داخل حركة فتح، لكن يمكن القول ان هناك تكتلا معتدلا يتصدره أشتيه ويتطلع للرئاسة ، وتكتل آخر قد يتصدره ألأكثر تشددا ومن أسمائه عزام ألأحمد والعالول وجمال محيسن والتكتل الثالث الذى يقوده دحلان ا ى تكتل غزة، ومما يزيد من حدة هذا الصراع خطورة عدم إقتصاره على ألأسماء بل قد يمتد إلى البعد الجغرافى غزة والضفة الغربية ،من الإعتقاد ان غزة باتت فى يد حماس، ومن ثم ينبغى ان تكون مناصب الرئيس كلها فى يد حركة فتح، وبالتالى هناك من يتطلع لرئاسة الحكومة ، وهنا إستقالة محمد مصطفى ليست بعيده عن هذا التطلع، وهناك من يسعى لمنصب رئاسة منظمة التحرير، وآخرون يريدون رئاسة حركة فتح، وآخرون قد يذهبون بحركة فتح لتوليد حركة سياسة جديدة بقيادة جديده قد يكون قادتها من غزة.وإلى جانب هذا الصراع هناك الصراع من القوى السياسية الفلسطينية الأخرى التى ترى ان عصر فتح ينتهى مع إنتهاء رئاسة الرئيس أبو مازن، وهنا قد تبرز شخصية الدكتور سلام فياض كشخصية لها حضور إقليمى ودولى . وشخصيات اخرى كالمناضل مروان البرغوثى ، ولكن سجنه يبعده عن اى منافسة . وانا هنا لا اتحدث عن منافسة القوة المنافسة او الخصم الرئيس لحركة فتح وهى حركة حماس. هذا هو السيناريو المخيف والكارثى الذى قد يحيق بالشعب الفلسطينى ، ويحوله فعلا إلى كتل وقوى ومناطق متحاربة ، ولاننسى أن هناك قوى خارجية قد تغذى هذا الصراع، لان كل منافس ومتطلع للسلطة يربط نفسه بقوى خارجية ، وكما نعلم منصب الرئيس الفلسطينى ليس كأى منصب لابد من توافق إقليمى ودولى قبل الداخلى عليه. وإذا كان هذا السيناريو المخيف او الكابوس ستطال تداعياته ونتائجه المدمرة كل القضية والشعب الفلسطينى ، فكيف يمكن إستباق حدوثه، وما هى الآليات التي يمكن من خلالها تفادى مثل هذا سيناريو؟ الحل اولا بيد الرئيس أبو مازن وهو الذى يجسد القضية الفلسطينية ويعبر عنها فى كل زياراته وخطبه السياسية وتصريحاته، وكما بيده كل مفاتيح السلطة الفلسطينية ومصادر قوتها وكونه ألأقوى ألان على كافة الصعد وخصوصا داخل حركة فتح، فبيده وسيسجل له ان قد اعاد لحركة فتح قوتها ومصالحتها الداخلية والمبادرة هنا بالمؤتمر السابع الذى يمكن ان يرفع شعار المصالحة الفتحاوية ، وفى هذه المصالحة قوة لكل الشعب الفلسطينى وقضيته ، والبوابة الواسعة لأى مصالحة فلسطينية شاملة ، وبهذه المصالحة وبإعادة بنية حركة فتح ومؤسساتها يمكن التغلب على كل الكتل والقوى المتصارعة واللاهثة للسلطة بعد الرئيس أبو مازن، وان يبادر الرئيس أبو مازن لإتخاذ خطوات جادة فى إعادة الإنتخابات الفلسطينية وإعادة تفعيل إطار منظمة التحرير الفلسطينية ، ويمكن ان يتم تبنى التدرج فى الإنتخابات الفلسطينية والبدء بالإنتخابات الرئاسية ، والمستوى الثانى لمواجهة هذا السيناريو التحرك القاعدى لحركة فتح، لا بد من تحرك القاعدة الجماهيرية على كافة المستويات ، واخذ زمام المبادرة من يد نخب يفترض ان ا عمرها السياسى قد إنتهى . اما المستوى الثالث فهى مبادرة وتحرك كل القوى السياسية لوضع حد للإنقسام الفلسطينى والتوجه نحو تجديد الشرعية السياسية الفلسطينية كلها بكل مؤسساتها الداخلية والخارجية لتولد جيلاجديدا من القيادة الفلسطينية ، وبناء نظام سياسى فلسطينى ديموقراطى توافقى تحكمه رؤية فلسطينية توافقية تتفق على كل الخيارات فى المرحلة المقبلة ، بدون ذلك سنذهب حتما لتحول الإنقسام إلى حقيقة كينونة سياسية تجد الإعتراف الخارجى ، وتجد من يتبناها ، وقد تتسع حالة الإنقسام على مستوى الضفة الغربية ذاتها لتنقسم بدورها إلى أكثر من كينونة سياسية . لهذا السبب ارى فى هذا السيناريو كابوسا وعنكبوتيا، وقد يقال ما هذا الهراء ، وهذا الخيال الغير واقعى ، الم يكن إنقسام غزة هراء وخارج حساباتنا . فى النهاية هذه مجرد رؤية شخصية أستمد عناصرها من الواقع السياسى الفلسطينى القائم وليس من واقع الخيال كما يحلو للبعض ان يصور الأمور, اخيرا كلمتى الأخيرة للرئيس ابو مازن أن يبادر وسيسجل له التاريخ الفلسطينى انه من وحد شعبه ووضعه على بدايات طريق البناء السياسى الديموقراطى.هذا الخيار هو الطريق لكل الخيارات الأخرى ن فبدون هذه مصالحة ، وبدون هذا بناء سياسى موحد ستبقى كل الخيارات الفلسطينية تسبح فى الهواء تنتظر من ينزلها على أرض الواقع، هذا الخيار الذى بيد الرئيس وليس الخيارات ألأخرى.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com