الرابط : القصة (::::)
سحر فوزي – مصر (::::)
حزن مطبق يخيم على كل كياني ..برودة شديدة تلك التي تسري في جسدي ..سيل من الدموع يجري على وجنتاي ، ليحفر أنهارا من الأحزان .. قلبي يحترق شوقا وحزنا.. كآبة تتملك كل جوارحي ..محاولات مستميتة لعودتي إلى الحياة ..تبوء جميعها بالفشل.. فحزني عليك يا أمي ، غلب كل ما لدي من قوة تحمل .. احتاجك بشدة ..أحتاج حنانك الذي لا يضاهيه حنان في الكون .. أشتاق إلى سماع صوتك الهادئ ..ورأيك السديد .. ومشاركتك أحزاني ، وأفراحي .. بحثت عنك لتشاركيني حزني عليك .. لكنك آثرت الرحيل ، وتركتني وحدي ..أتجرع لوعة الفراق ، ومرارة الصبر ..أحتاج دعاءك ، ولمسة يديك تربت على صدري مواسية ..كي أهدأ وأطمئن ..كنت معي دائما ترافقينني في دربي كظلي ..واليوم أضحيت ، وحيدة أنا ..يائسة أنا ..مكلومة أنا ..سمائي حزينة ، وأرضي جرداء قاحلة ..لا زرع فيها ، ولا ماء.. روحي ظمأى لنظرة من عينيك .. ..تائهة أنا ..أبحث عنك في طرق ، ومتاهات لا نهاية لها.. أخبروني أن العثور عليك وهم من نسج خيالي الحزين ..وأنه لا حيلة لي سوى الرجوع ، والصمت ..فترقرق الدمع في عيني ، واختنقت الأحزان في صدري ، وبت ليلي أبحث عنك في أحلامي ، علي أرى لمحة منك ،تهدئ من روعي ، وتسكن أحزاني ، وآلامي ..وعندما أفيق من نومي وأتذكر أنك صرت طيف في منام .. أصرخ في أعماق أعماقي ، وأعود أنقب عن روحي الضائعة ، يراودني الأمل في اللقاء من جديد …. بفراقك يا أمي ضاقت علي الأرض بما رحبت .. كم كنت أستمتع في طفولتي بسماع دقات قلبك ينبض بحبي ، وأنا جالسة بين ذراعيك أتوسد صدرك ..اليوم حاولت الاستماع إلى نبضة واحدة تعينني على تحمل مصيبتي ، لكن هيهات أن يجيب الموتى الدعاء ..عندما توقف نبضك ..توقفت حياتي بأسرها …ناديتك سرا ، وجهرا ، ولم تجيبي ندائي ..أغلقت عينيك في وجهي ، وآثرت الصمت الأبدي .. توقفت خطواتك الحانية ، وسكت هاتفي ، فلم يعد يشدو بأنغام صوتك الشجي ، يغرد حبا ، وحنانا،وعطفا ..عندما جفت الدماء في عروقك..جفت ينابيع الحب على وجه الأرض ، وبكت السماء ، وسقطت أوراق الأشجار ،وذبلت الأزهار ، واندثر عبيرها ، وهبت الرياح ، واقتلعت العواصف قلبي من جذوره ، ودكت جبال الأحزان فوق رأسي دكا ، وزلزلت الأرض من تحت قدماي ، وأخرجت حممها لتحرقني ، وتشعل نيران الفراق في جوارحي حزنا ، وكمدا على رحيلك ، وقتها أدركت أنه قد ضاع الأمل في النجاة .. وأنه برحيلك غلقت أبواب الرحمة ، وفتحت أبواب العذاب ، والأحزان على مصراعيها، إلى الأبد .. يا أيها الموت لماذا أخطأتني وأصبتها؟ لو خيرتني بين قبض روحي ، أو روحها الطاهرة ..لكنت قدمتها راضية ، طائعة ، قربانا وفداء لنظرة رضا من عينيها ..أو مقابل سماع دعاء يخرج من بين شفتيها ، يمنحني البركات ، ويعينني على الاستمرار في معترك الحياة ..يا مفرق الأحباب : ألم تعلم أن قلبي ينفطر من أجلها ؟..لو علمت مقدار حبي ، واحتياجي لها ، ما كنت أصبتها وتركتني ، وحيدة،شريدة في هذا العالم المظلم ، الكئيب .. أيها الجسد المدد بلا حراك .. لقد سكنت أعماقك شهورا طويلة ، وهي صابرة راضية ، مرحبة بوجودي بين أحشائها، ومن فرحتها وحرصها على قدومي للحياة ، جعلت من قلبها وسادتي ، ومن كبدها متكئي ، ومن دمائها غذائي ، وشاركتني أنفاسها ، لتدب الروح في أوصالي ، فخرجت إلى الحياة تسكنني روحها ، وتجري في شراييني دماؤها ، وأتحرك بدعائها ، كم كنت أيها الجسد ، تشع نورا كأجساد الملائكة ، فتضئ طريقي ..لما أطفأت نورك ، أظلمت حياتي ، وأحطتني بالسواد من كل اتجاه .. الآن ليس لي حيلة سوى الدعاء لها متوسلة بكل ما فعلته وضحت به من أجل كل من حولها : يا برها بأمها اشفع لها.. ويا إخلاصها في رعاية أبنائها اشفع لها.. و يا سعيها في بيتها اشفع لها ..ويا حرمانها من اجلنا اشفع لها..و يا سهرها على راحتنا اشفع لها..و يا نجاحنا بفضلها اشفع لها..و يا كل شبر نما في أجسادنا اشفع لها..و يا كل قطرة دم من دمائها تجرى في شراييننا اشفعي لها..و يا رعايتها لأحفادها اشفعي لها ( إلهي أنت تعلم مقدار حاجتي إليها ، وحزني وكمدي على فراقها الذي يمزق أعماقي… أدعوك وأنا في قمة ذلي وضعفي وحزني.. أن تجمعني بها في أقرب وقت.. كي تقر عيني ولا أحزن ..لأني بعدها أتحمل ما لا طاقة لي به)
بقلم / سحر فوزي /كاتبة وقاصة مصرية