قصة : وليد رباح –
للاطلاع : الولايات المتحدة الأمريكية – بكل صلفها وغرورها وعجرفتها وكذبها و الى … الى .. الى …..
إلى صديقي الشهيد أ .ط الذي اقترح عنوانا لقصة سوف اكتبها .. ولم يكن يعلم ان الخنجر غائص في ظهره حتى النصل ..
النبتة :
عب من زمزميته حتى ارتوى ..ثم التفت إلى نبتة شقت صخرة فأعطى جذرها بعض القطرات .. فك رباط حذائه ليحزم بعض فروعها المشعثة .. حدثته نفسه ان يعينها على الاتكاء فاخرج طلقة من حزامه واسندها كي لا تميل .. واستل ذراعه وضرب بها الهواء مرتين .. ثم مضى .
كانت الريح تجري عكس اتجاهه .. دخلت ذرات الرمل إلى فمه فأحس بالاختناق .. سعل بقوة فتمغنط حلقه .. جرى .. اسرع اكثر .. خلفت خطواته سحبا من الغبار .. احس التعب فاخذ ينكش الأرض بأظافره كي يصنع حفرة واسعة تقية حر الشمس ..تقصفت أظافره فاستعاض عنها بأصابعه .. ملأتها الجروح ونزفت منها الدماء واستقرت فوق التراب الأصفر اللماع .. لف كوفيته حول عنقه جيدا واستسلم للنوم تحت جذور الأشعة القادمة من بطن السماء .
الخنجر :
أحس بالسيل اللزج يسري إلى فمه فاستفاق مذعورا .. لعق دمه فاحس بملوحة غريبة .. لم تحمله ساقاه فجثا على قدميه ومد يده نحو الجرح فلم تطاله يده . مد الأخرى فتلوثت بالدماء المنسابة من اعلى الظهر نحو عجيزته .. حاول أن ينهض .. تطلع حواليه فلم يجد أحدا .. صرخ .. رددت فروع الشجر صرخته بضحكة ساخرة .. صرخ ثانية ورمى بنظره نحو السماء فرأى جموعا من الكواسر تحوم ضمن دائرة تلتف حول غيمة بيضاء صيفية .. كان زعيقها يملآ الفضاء .. رمى بحمله الثقيل .. فك حزامه وألقاه فوق الرمل .. تخلص من زمزميته وبعض فتات الخبز من جعبته .. رمى كل الجعبة .. حاول خلع قميصه .. فك أزراره من كل ناحية فاصطدم القميص بالخنجر ورفض أن يغادر الجسد المدمى .. صرخ مرة أخرى .. لم يسمعه احد .. رأى أباه يطعنه بسكين حتى النصل .. تلفت عله يرى عجلا سمينا أو ما يفتدى به نفسه فلم يجد غير الفراغ .. زمجرت الريح وامتلأت عيناه بالرمل .. أحس بيد حانية تلمس جبهته فاستكان .. وعبر لحظات الألم التي رافقت نزع الخنجر وقف على قدميه وأعطى ظهره لعواء الذئاب على الهضبة القريبة ومضى .
الحصار :
دار على عقبيه وحشى جرحه بخرقة في ثناياها حبيبات الرمل .. حاول أن يعود إلى مقره فاعترضته ثلة من رجال الشرطة .. كان الصديد قد بنى على جرحه كتلا من الأورام الفجة .. طلبوا اليه أن يغني فرفض .. ساقوه مخفورا إلى التحقيق .. وهناك تحول بقدرة قادر إلى جاسوس يجمع المعلومات عن الجند ويصدرها إلى الجماهير العربية .
الرطوبة :
تلمست يداه نتوءات الجدار الإسمنتي .. طلب جرعة ماء فجاءه الصوت هادرا عبر الجدار أن اشرب من بولك .. تحسس جسده فراعه أن لا مكان من جلده إلا اخترقه جرح أو لامسته مكواة قرأ على جدار الزنزانة :
خالد بن الوليد مر من هنا .. كان مسافرا في رحلة من العراق إلى أرض الشام .. قبضوا عليه بتهمة التوريط وأودعوه السجن .. قال من فرط حرقته .. خضت مئات المعارك .. وما في جسدي شبر الا اصابته ضربة من سيف او طعنة من رمح .. وها أنذا أموت على فراشي كما يموت الجبناء .. فلا نامت أعين المقاتلين .
يقال بان الأسطورة كانت زائفة .. مات الرجل هنا وليس على فراش بيته .. زيفتها الشرطة كي لا تحمل على كاهلها دمه الذي اخذ شكل الخارطة للمستباحة .
جاءه الصوت ناعما عبر الجدران .. ثم تحول إلى صناجات تخترق فضاء الزنزانة .. غنوا .. رقصوا .. كلهم يرقص اليوم فوق دماء الذين أصبحت عظامهم حفنات من التراب .. سأل السجان الواقف عند باب الزنزانة .. ضحك الرجل ولم يجب .. نفحه سيجارة فامتصها بشغف .. هذه لك .. نحتفل اليوم بعيد السلام .
اخفض رأسه قليلا .. ثم داس اللفافة بقدمه ولم يكن قد امتص منها غير الرشفات الأولى .. نظر اليه السجان مبتسما
اسمع .. سأهمس في أذنك بعض الكلمات .. بالأمس قال الضابط انك اذا ما احتفلت بعيد النصر معنا سوف يطلق سراحك
عض أصبعه بقوة فنزف الجرح القديم دما جديدا لون أخاديد الأرض العارية
خارج الدائرة :
اعنة الخيل في المتحف صلبت .. جاء الزوار من كل البقاع .. رصفوا الشوارع بالزهور واستغنوا عن النفط بحجة تصديره للخارج .. وعلى مداخل المدن ارتفعت يافطات كتب عليها
نحن نثق بكل الواثقين من النصر
كل السلطة لعاشقي الانسحاب من الأراضي المحتلة
المذلة ولا الموت
مئة جبان .. ولا .. الله يرحمه
عناوين الصحف ذلك اليوم :
قبضنا على شبكة جاسوسية .. نحاول أن نقنعهم بالعمل لصالح السلام والاحتفال معنا بعيد النصر
قائمة بوظائف الدولة
الجيش للمراسم الرسمية
مطلوب موظف يجيد العربية بلكنة أمريكية
وظائف شاغرة لسفراء من هواة جمع الطوابع
الشروط :
ان يكون حضر الحروب ولم يشارك فيها
يفضل من رأى الحاكم شخصيا
أن يكون حاصلا على شهادة تثبت انه ماهر بالرقص الشرقي
العــــراء
آثار القيد لم تزل تحفر على رسغيه وشما اخذ شكل الخارطة الطبيعية .. امتطى صهوة جواده دقت السنابك وجه الأرض بقوة .. انغرست حوافره في الرمل وخب فيها طويلا .. الرمل كالقيد يمنع الحركة .. رأى بصيص نور ينبع من جوف الأرض .. حاول أن يصل اليه .. امتطى الأرض ثانية وربت على ظهر الحصان .. رأى الدود ينبع من قوائمه بكثافة .
مد يده نحو الضوء وحاول أن يصل اليه .. ومن جديد بدأت الرمال الناعمة تلتهم قدميه . الاف الأيدي كانت تشير اليه أن ينهض من جديد .. حاول أن يتابع .. لكن جسمه اخذ يغوص اكثر .. وتكاثفت سحب الغبار من حوله حتى غدا حبة من رمل .. بكى فسقط بعض دمعه على حبيبات الرمل .. أخذت تنبت من جديد ..
حوار :
غبت حواء من زق الخمر ما استطاعت .. قال لها المرافقون انها تشرب الخمر مع ذي القرنين .. القت بالكأس جانبا ونظرت إلى الأفق البعيد .. رأت خيالا يتحرك في الظلمة .. قالت لنفسها .. ربما كان لصا .. او زنديقا .. لكن الخيال اخذ يقترب منها شيئا فشيئا .. وعندما رأته يمتشق السيف .. عاد اليها رأسها .. قالت : كنت معهم .. لكني اليوم معك .. وانبلج الصبح بعد هداة الليل إلى ضوء مشع يملآ الأرض نورا ..