آراء حرة ….
محمد هجرس – كاتب وباحث وقاص واعلامي من مصر …
لسوء الحظ، لست من أبناء محافظة بور شهيد” ـ بتعبير عمنا جنرال حرب الشمس اللواء علاء الدين سويلم ـ وآخر زيارة لي، كانت رحلة أيام الجامعة في أواخر السبعينيات، عدنا منها ببعض البلوفرات والقمصان والبنطلونات، حينما كانت منطقة حرّة، قبل أن تتعرض المدينة وشعبها الرائع إلى ظلم شديد لاحقاً، وصل ذروته إبان مأساة كرة القدم الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات الضحايا.
بور سعيد، مثلت لجيلي مع مدن الاسماعيلية والسويس، رمز الصمود والتضحية عقب نكسة 1967، ولا زالت في مخيلتي صور أبنائها وهم يتوزعون كـ”لاجئين” في وطنهم، كان من أبناء بور سعيد بالذات زملاء على مقاعد الدراسة، وجيران في البيوت والمساكن، ورفاق طفولة صابرة على الألم وفراق الأرض والشارع والحارة.. لا زلت أذكرهم بنفس تقاطيعهم الطفولية الجادة ونظرات الإصرار والحلم بالعودة يوماً ولو للعيش وسط الأنقاض.
بور سعيد ـ خلال العام الأسود لحكم جماعة الإخوان ـ كانت نقطة التحدي الشعبي لهيمنة مكتب الإرشاد، ووقت أن قرر رئيس الجماعة في قصر الاتحادية حظر التجول، قدم أبناء بورسعيد مشهداً لا ينسى، أضاف لرصيدهم البطولي في كل معارك الوطن ضد العدوان والاحتلال، قيمة أنبل، بتصدرهم الصفوف في مواجهة “المحتل” الإخواني.
من هنا، أعتقد أن ما تقوم به القيادة المصرية الآن من إعادة الاعتبار لـ”بور سعيد” بالذات ـ مع كل مدن القناة ـ هو نوع من التكريم اللائق بتضحيات هذه البقعة البطولية من أرض مصر، صحيح أن معالجة التراكمات القديمة يحتاج عقوداً في ظل الأوضاع التي مررنا بها، لكن توجيه الاهتمام لهذه المنطقة اللوجستية عبر كل المشروعات التنموية العملاقة، لجعلها منطقة عالمية، قد يكون البداية لانطلاق القاطرة بتعبير محافظها الكفء اللواء عادل الغضبان، الذي لا أعرفه على المستوى الشخصي، ولكنه رجل أعتقد أنه يسير بخطوات جديرة بالتأمل سواء بأسلوبه في إدارة المحافظة، أو بشخصيته المتوازنة والمتواضعة في نفس الوقت، حسبما سمعت من كثيرين.
إضافة لذلك، فالرجل البعيد عن الأضواء يكتفي بالعمل في صمت، يتابع فقط ما يهم محافظته ويضع من تحسين وضع مواطنيها قمة أولوياته، لذا كانت المشروعات والكيانات الاقتصادية العملاقة، سواء أكبر ميناء محوري أو المنطقة الحرة اللوجيستية وأكبر منطقة حرة صناعية مع غيرها من الطفرات السياحية، إضافات مهمة تعود بالخير على المواطن البوسعيدي.
ما لفت انتباهي في خطوات اللواء الغضبان هو اعتماده منظومة التحول الرقمي والتي ستبدأ شهر أغسطس المقبل، وذلك يعني نقلة نوعية في خدمات التعامل مع الجمهور بالإدارات والمؤسسات، ما يعني تغيير صورة التعامل النمطية لهذه الإدارات وعصرنتها بما يقضي على الفساد والرشوة ويوفر الجهد والوقت.. ولا أنسى أيضاً، ما سمعته من أن بورسعيد هي المحافظة الوحيدة في مصر التي لا توجد بها ظاهرة الـ”توك توك” بكل سمعتها السيئة، وهذا وحده في رأيي يكفي الرجل.
إنها كلمات بسيطة بحق شخصية تستحق الإشادة، رغم أن هناك بالطبع من “لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب”.. كلمات ليس من ورائها مصلحة شخصية ـ أعتقد أنه أول من سيرفضها ـ والأرزاق على الله.