آراء حرة …..
بقلم : د . كاظم ناصر – كاتب فلسطيني يقيم في امريكا …
جمهورية كوريا الديموقراطيّة الشعبيّة، المعروفة عالميّا (بكوريا الشمالية)، دولة دكتاتوريّة شموليّة شيوعيّة يحكمها حزب واحد يقوده كيم جونغ أون، ويبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة، وهي دولة نووية تملك صواريخ عابرة للقارات، وأعلنت في الثالث من سبتمبر عام 2017 عن اختبار قنبلة هيدروجينية يمكنها أن تدمّر العاصمة الأمريكية واشنطن وتسوّيها بالأرض، إذا ما أقدمت بيونغ يانغ فعلا على ضربها.
تنظر معظم دول وشعوب العالم إلى كيم جونغ أون كدكتاتور متسلّط يحكم بلاده بالحديد والنار لأن الرجل يعدم من يشك في ولائهم له ولنظامه حتى إذا كانوا من أقرب أقربائه وأعز أصدقائه وكبار مسؤولي دولته، ومن الناحية الأخرى لا يستطيع أحد ان ينكر أن الزعيم الكوري نجح في تحدي الولايات المتحدة الدولة الأقوى في العالم التي تزعم بانها قائدة العالم الديموقراطي الحر وحاميته، واجتمع رئيسها دونالد ترامب به مرتين، ليس حبّا به وبالكوريين الشماليين، بل خوفا منه ومن ترسانة بلاده النووية والصاروخية، وأملا في استغلال ظروف بلاده الاقتصادية الصعبة، واحتواء غضبه، وإدخاله بيت الطاعة الأمريكي.
ولهذا عقد الرجلان قمّتهما الأولى في حزيران/ يونيو 2018، في سنغافورة واتّفقا على إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وعقدت القمة الثانية بينهما في هانوي في شهر فبراير / شباط 2019، لكنّها انتهت بالفشل لأن كيم جونغ أون رفض أن يقدّم تنازلات ترضي الأمريكيين مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية والدولية على بلاده، واتهم واشنطن بسوء النية وطالبها بتغيير موقفها وإلغاء العقوبات أولا، وتحدّت بلاده ترامب وإدارته بإطلاقها صاروخين قصيري المدى يوم الخميس 9 – 5 – 2019، في ثاني اختبار عسكري في أقل من أسبوع وذلك للمرة الأولى منذ الانفراج بين البلدين.
ترامب الذي ” تسرح وتمرح” حاملات طائرات بلاده وسفنها الحربية وطائراتها في معظم الدول العربية، وخاصة الخليجية منها كما تشاء لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل، لا يفوّت فرصة للهجوم على الزعماء العرب وخاصة قادة الدول الخليجية واهانتهم بفظاظة لا يقبلها زعيم دولة يحترم نفسه، ويعتبر الدول الخليجية ” بقرة حلوب”، وصواريخ حماس التي لا يمكن مقارنة قدرتها التدميرية بصواريخ كوريا الشمالية إرهابية وقاتلة ومهددة لأمن إسرائيل؛ لكنه اعتبر إطلاق الصواريخ الكورية أمرا عاديا بقوله” لا أعتبر على الإطلاق أن ذلك يشكل خرقا لعلاقة الثقة. في مرحلة ما، قد يحدث هذا. لكن في هذه المرحلة لا.” وأضاف ” الأمر يتعلق بصواريخ قصيرة المدى وبأمور عادية، عادية جدا.”
كوريا الشمالية لا تربطها علاقات ديبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ عام 1953، وقادتها لا يخفون رغبتهم في تطبيع علاقاتهم الثنائية مع الولايات المتحدة، وانهاء الحصار السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تفرضه عليهم هي والدول المؤيدة لها؛ لكنهم ليسوا على استعداد لتقديم تنازلات لأمريكا وحلفائها بدون مقابل.
كيم جونغ أون ” ليس مجنونا بهراوة نووية ” كما تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية، بل إنّه يتصرف كشخص طبيعي يريد حماية كوريا الشمالية ونظامها السياسي وتمكين شعبها من العيش بسلام وكرامة مع الجميع، ويعمل على تصنيعها واعتمادها على نفسها، وبنى هو وأسلافه جيشا قويا وصناعات متطوّرة، وتحدى أمريكا، وأرغم رئيسها ترامب على التفاوض معه بسبب قوة بلده ودعم شعبه له؛ وهو بذلك أفضل وأشرف وأجدر بالاحترام من القادة العرب الذين نهبوا ثروات بلادهم، واضطهدوا شعوبهم، وأدموا ودمّروا أوطانهم، وأذعنوا واستسلموا لإرادة أعدائهم!