سياسة واخبار ….
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة ….
من مفارقات العمليه السلميه التفاوضيه أن أربعين عاما من توقيع إتفاقات كامب ديفيد لم يتحقق السلام الشامل بين العرب وإسرائيل، وعلى الرغم من توقيع معاهدتى سلام بين مصر وألأردن وإسرائيل، وعلى الرغم من المبادره العربيه الواضحه والصريحه بإستعداد الدول العربيه لسلام شامل مع إسرائيل ، بقيت عملية السلام متصلبه ومتوقفه إزاء عدم تحقق اى تقدم سياسى على المسار الفلسطيني والإسرائيلى، وعلى الرغم من خمسة وعشرين عاما على إتفاق أوسلو فشلت العمليه السلميه ، وتسير نحو مزيد من التصعيد العسكرى والإنهيار. وكان يفترض أن هذه الفترة الزمنيه كافيه للوصول لتسويه سياسيه شامله . والسؤال الكبير هنا لماذا هذا الفشل ؟ وما هى التداعيات والخيارات الممكنه والمتاحه ؟والسؤال ألأهم هل ما زالت هناك فرصة حقيقيه للنجاح؟ توماس فريدمان الصحفى ألأمريكى في مقالة له بعنوان السلام المفقود يتحدث عن الخيارات ، وعن فقدان الرؤى الإستراتيجيه للسلام.فليس أمام إسرائيل إلا خيار الثنائيه القوميه والفصل العنصرى مما يهدد بقائها وهويتها اليهوديه. وبالنسبه للفلسطينيين سيخسروا إمكانية قيام اى هويه سياسيه في شكل دوله، وأضاف أن على الفلسطينيين أن يمنحوا إسرائيل ألأمن الإستراتيجى بإلبقاء وعدم التهديد، وأنها بإحتلالها للشعب الفلسطيني غير آمنه أخلاقيا، وستخسر التعاطف والدعم الدولى كدولة ديموقراطيه وأخلاقيه. وأن حركة حماس ببناء الأنفاق والتهديدات الصاروخيه تمنح إسرائيل الأمن ألأخلاقى لإحتلالها ، وتبرر كل سياساتها الإحتلاليه. بعيدا عن هذاالإستنتاج ، فلا شك أن فشل عملية السلام ستعود تداعياته الكارثيه على الكل، ولن تأمن إسرائيل بقائها وإستقرارها رغم قوتها العسكريه المتفوقه. وهذا ما أثبتته الأربعون عاما الماضيه منذ توقيع كامب ديفيد.فكان أن يفترض ان تحل هذه الإتفاقات كخيار سلمى بدلا من خيار الحرب، والمواجهات العسكريه، فالعلاقات العربيه الإسرائيليه غلب عليها طابع الجمود ، وعدم تحولها لحالة شعبيه كامله، وعلى المستوى الفلسطينى غلبت المواجهات العسكريه ، وحروب ثلاث في غزه على العلاقات ،وما زالت العلاقات تفتقد الثقة المتبادله، بسبب سياسات إسرائيل الإستيطانيه والتهوديه، والمفارقه ألأكبر ان إسرائيل كانت المستفيد ألأكبر من الإنقسام السياسى الفلسطيني ، وكما أشرنا منحها الأمن الأخلاقى بتصوير المقاومه الفلسطينيه بأنها إمتداد لحالة الإرهاب التي تواجه المنطقه، ومن ناحيه أخرى قربت من قبولها عربيا بسبب تزايد خطر الدول الإقليميه كإيران . والنتيجه النهائيه لكل التحولات التي شهدتها المنطقه كانت في صالح إسرائيل ، وخسارة كبيره للقضيه الفلسطينيه ،مما أدى إلى تراجعها ، وعدم إستخلاصها إستعجال إسرائيل أو إضطراراها للذهاب للسلام مع الفلسطينيين. الإشكاليه الكيرى التي يمكن إستخلاصها بعد أربعين عاما من إتفاقات كانب دايفيد وخمسة وعشرين عاما من أوسلو غياب الرؤية والإستراتيجيه الوطنيه لكل الطراف .ويبدو منذ البداية لم يكن هدف إسرائيل من اتفاق أوسلو الوصول إلى هدف الدولة الفلسطينيه الكامله،لأن فكرة الدولة ليست من أساسيات ومكونات ومعتقدات الفكر الليكودى.وكان التركيز فقط على ألأبعاد ألأمنيه، فكان الهدف سلطه بوظائف إنسانيه اى إدارة أكثر من ثلاثة ملايين نسمه، بوظيفة امنيه. فالأتفاق في أساسه أو حولته إسرائيل لإتفاق امنى ،أخضعت فيه الأهداف السياسيه للأهداف الأمنيه، ولعل هذا أحد أهم ألأسباب لفشل الاتفاق وفشل الوصول إلى هدف السلام. لم يكن لإسرائيل إستراتيجيه واضحه ، وزادت ألأمور تعقيدا وتدهورا في عهد رئاسة نتانياهو الطويله ، والذى تبنى إستراتيجية العلاقات العامه ، من خلال تصيد ألأخطاء الفلسطينيه وخصوصا في غزة ومحاولات حماس والمقاومة تجديد قدراتها ، وأطلاق الصواريخ وحفر الأنفاق، وعلى يقين إسرائيل إستفات من هذه السياسات بالقاء اللوم على الفلسطينيين ، وتصوير الرئيس عباس والسلطه الفلسطينيه انها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني ، وكيف لها أن تتعامل مع سلطه لا تمثل شعبها ، ومن ناحية أخرى إستغلت حاجة السلطه للبقاء، وما يؤكد وجهة النظر هذه خطاب نتانياهو ألأخير في ألأمم المتحده والذى تجاهل كلية القضية الفلسطينيه ، وركز على الخطر الإيراني وكأنه يريد ان يقول أنه لم تعد هناك قضيه فلسطينيه ، وان الموجود لا يتعدى النزاع الثنائى حول قضايا ذات طابع إنسانى. هذه الإستراتيجيه تتجاهل وقائع وحقائق تاريخيه وسياسيه أبرزها حقيقية الشعب الفلسطيني والتواجد الدولى للدولة الفلسطينيه، هذه الإستراتيجيه ستعود على إسرائيل بالكارثه كما أشار الصحفى توماس فريدمان ، ماذا لو ذهبت السلطه الفلسطينيه؟ كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه الوضع؟ ومن ناحية أخرى الولايات المتحده لم تكن لديها إستراتيجيه ورؤية واضحه وتفصيليه تنطلق من أن هناك إحتلال إسرائيلى لا بد ان ينتهى ، وهناك حق لدولة فلسطينية لشعب له هويته الوطنيه والدوليه ولا يمكن تجاوزه، فتعاملت مع السلام والمفاوضات كقضية عامه ، وفلسطينيا لا يكفى اننا نؤيد خيار السلام والمفاوضات ، السلام تفاصيل ومطالبات وتنازلات وإستجابة للحاجات الدنيا للطرف الآخر اى الطرف الإسرائيلي ، إسرائيل لديها حاجات أمنيه وحاجات تتعلق ببقائها وهويتها والسؤل كيف يتم التعامل مع هذه الحاجات السلام تنازلات متبادله وقرارات قويه وخصوصا في صراع معقد ومركب كالصراع العربى الإسرائيلي. وعربيا أيضا لا يكفى أن نقول لدينا مبادره عربيه على أهميتها ، فالرؤيه الإستراتيجيه العربيه مطلوبه وهنا يمكن أن تقوم الجامعة العربيه ببيلورة مثل هذه الإستراتيجيه بدلا من التعامل الأحادى عربيا.الخلاصه بعد أربعين سنه من كامب ديفيد وخمسة وعشرين عاما من أوسلو تحتاج كاف الأطراف لبلورة رؤى إستراتيجيه واقعيه وقابله للتنفيذ وتلتقى عند قواسم مشتركه.هذه القواسم المشتركه تتمثل في الدولة الفلسطينيه والحاجات ألإستراتيجيه ألأمنيه لإسرائيل. نحتاج للتفكير خارج الصندوق، فسفينة السلام لا تقتصر على الفلسطينيين والإسرائيليين ، فإما ان ينجو الجميع وإما أن يغرق الجميع، لذلك مهمة ألأطراف الأخرى العربيه وأمريكا وأوروبا وغيرها المساعده على بلورة هذه الإستراتيجيه الواقعيه التي تفرض على الفلسطينيين والإسرائيليين معا.وعليه أقترح تشكيل لجنه من قبل الأمم المتحده تشارك فيها كافة ألأطراف وتمنح فترة عام لبلورة مثل هذه الرؤيه ثم تعرض على ألأمم المتحده العام القادم وعند تبنيها تصبح ملزمه على الجميع.