فلسطين ….
بقلم : د. ناجي شراب …
يبدو لى أن الهدف الإستراتيجى لصفقة القرن التخلص نهائيا من القضيه الفلسطينيه. والفرضيه الرئيسه التي تقوم عليها هذه المقاله تصورات وإدراكات أمريكيه أولا من يصف ما يسمى بصفقة القرن لأنه لا توجد أساسا ، بل تم الترويج لها إعلاميا وتضخيم الصفقه. الفرضيه أن العوامل المشجعه للتخلص من فلسطين :إدارة أمريكيه جديده تؤمن وتتبنى خطا أنجيليا متشددا، وحكومة يمينيه متشدده في إسرائيل، وتفكك وإنقسام فلسطيني تحول للحزبيه والتنظيميه الضيقه، وسلطه فلسطينيه معتمده على المنح والمساعدات، ووضع إقليمى مشجع، فبعد ما يسمى بالتحولات العربيه الدول العربيه تسعى للحفاظ على نفسها، ودول إقليميه لا هم لها إلا البقاء، وتتعرض لضغوطات وعقوبات إقتصاديه أمريكيه ووضع دول مؤيد للصفقه، وشرعيه دوليه تفتقر القوة التنفيذيه، هذه التصورات هي من تقف وراء السياسات الأمريكيه الساعية للتخلص من القضية. وبالإضافة لهذه التصورات والمدركات الإعتقاد أنه لا فائده من المفاوضات ، بل وعدم جدواها بين الفلسطينيين والإسرائليين، والقناعه ان إسرائيل لم تعد بحاجه للسلام والتفاوض مع الفلسطينيين، طالما انه بالإنقسام تحقق ما تريد، وأن إسرائيل لم تعد الدولة العدو ، بل صار لها قبولا إقليميا، وبالتالي لم يعد للمبادره العربيه فائده،لأن أهدافها أمريكيا وإسرائيليا قد تحققت. وهنا السؤال طالما أن كل هذه العوامل تساهم وتساعد في التخلص من القضيه، فكيف وبأى آليه يمكن التخلص من القضيه؟ وهنا الإجابة لها مستويان تتعلقان بالقضية الفلسطينيه ، المستوى ألأول وقد تحقق تفكيك القضية الفلسطينيه من مكوناتها الإقليميه والدولية ، فلم يعد صعبا القول ان القضية الفلسطينيه أمريكيا وإسرائيليا لم تعد قضية عربيه ولا دوليه ، بل تحولت لمجرد نزاع ثنائى محصور بين طرفين ، مثل اى نزاع آخر على آمتار من ألأرض وعلى طرفى النزاع حل مشاكلهما بينهما بشكل مباشر,والمستوى المكمل لهذا المستوى تفريغ القضية من مكونها الشرعية ، بمعنى تجميد كل قرارات الشرعية الدوليه وذلك من خلال إلغاء وتعطيل أي دور للأمم المتحده، وتعطيل وإلغاء اى دور لوكالاتها ومنظماتها المتخصصه ـ وما صدر عنها من قرارات بشأن دعم الحقوق المشروعه للشعب الفلسطينيى ، وإدانة للإحتلال الإسرائيلي وعدم الإعتراف باى تغييرات على ألأرض افلسطينيه. هنا تفريغ لهذه القرارات وطيها في أرشيف النسيان الدولى ، وهذا تمت ترجمته بتقليص مساهمات الولايات المتحده في هذه المنظمات وإنسحابها من بعضها. اما المستوى الثانى وهو ألأساس في الصراع العربى الإسرائيلي وهو الذى يشكل جوهر وقالب القضية الفلسطينيه، تفريغها من هذه المكونات ، والقضايا. ولو تمعنا النظر في القضية الفلسطينيه يمكن تقسيم هذه المكونات إلى مكونات أساس ، إستمراراها يعنى إستمرار القضية الفلسطينيه، ومكونات أخرى في صورة مطالب او حقوق أو حلول. وبالنسبة للمكونات الأساسيه تتلخص القضية الفلسطينيه في قضيتين أساسيتين:ألأولى القدس ، والقدس هنا ليست مجرد عاصمه ، فالعاصمه يمكن أن تقوم في أي مكان، ولكن القدس تلخص تاريخ الصراع بما تمثله من بعد دينى مقدس، وحقوق تاريخيه ـ وبالتالي إبعاد القدس عن هذا الإطار تثبيت لوجهة نظر على ألأخرى ، بعبارة أخرى إضفاء المصداقيه التاريخيه والشرعيه عليها ، وهنا يمكن فهم دلالات نقل السفارة ألأمريكيه للقدس ، والإعتراف بها عاصمه موحده لإسرائيل، وبهذا تأكيد البعد ألأول في يهودية إسرائيل كدولة فقط للشعب اليهودى ، هذا البعد يكتمل بالمكون الرئيس الثانى وهو قضية اللاجئيين،وفى ألأساس القضية الفلسطينيه قضية لاجئيين هجروا بفعل القوة الإسرائيليه من ديارهم وبيوتهم ,عام 1948، وعلى أثرها قامت إسرائيل الدولة ، واليوم عدد اللاجئيين يفوق الخمسة ملايين لاجئ يعيشون في مخيمات ما زالت تحمل ديمومة هذه النكبه، وحفاظا على حقوق اللاجئيين صدر القرار الأممى من ألأمم المتحده رقم194، والذى بموجبه أنشئت وكالة الغوث، ولا شك أن أهم وأكبر إنجاز لهذه الوكاله هو الحفاظ على قضية اللاجئيين التي تذكر العالم بالمأساةوالنكبة الفلسطينيه التي يتحمل المجتمع الدولى مسؤوليه كبيره عنها ، وتطالبهم بالمسؤوالية على إرجاعهم، ومن ناحية أخرى الدول المضيفه وهى الدول العربيه وبقرار من الجامعه العربيه حافظت على جنسيتهم وإستضافتهم بشكل مؤقت، وفى هذا السياق القضية تشكك في شرعية إسرائيل وتحول دون إكتمال إسرائيل كدولة يهوديه، فجاء القرار الأمريكي الأخير بإلغاء كل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحده للوكاله وتبلغ حوالى االربع من موازنة الوكاله أي حوالى 350 مليون دورلا, والعمل على تمرير قانون بتقليص عدد اللاجئيين إلى نصف مليون اى الغاء صفة لا جئ للأبناء والأحفاد، وهو ما يعنى في النهاية أن عدد اللاجئيين سيصبح اقل من نصف مليون ، من ثم من السهل التخلص منهم بإستيعابهم أو توطينهم أو منحهم جنسيات أخرى ، ومن تبقى يمكن تشجيع هجرتهم، وهذا الإلغاء يشكل البعد الثانى الذى تكتمل به إسرائيل كدولة يهوديه، لتكتمل هذه الثليه بقانون القوميه الذى أصدره الكنيست الإسرائيلي ، والخلاصه او النتيجة الحتميه إلغاء فلسطين تاريخا وهوية وشعبا, وما تبقى من السكان يمكن التعامل معهم من منظور الحقوق الإنسانيه، وإذا كان لا بد من كينونة شبه سياسيه لتكن غزه التي تفتقر لكل مقومات البقاء والديمومة ،اما ما تبقى من شعب فلسطينى في الضفه الغربيه يمنح بعضا من الحقوق أو يرتبط كونفدراليا مع ألأردن ، لأن إسرائيل لن تسمح وفقا لقانونها ألأخير بقيام دولة فلسطينيه قلبها الضفة الغربيه، اما ما سيقوم في غزه ليس دولة بقدر ما هو بناء سياسى للسكن ، وفى الوقت تتخلص من خلاله من كل المقاومة ، ومن أي دور لحماس بصورة أو باخرى ، وهكذا يتحول الفلسطينيون ويستبدلون من شعب إلى كتلة سكانيه تبحث عن حلول إنسانيه.
drnagishurrab@gmail.com