فلسطين ….
كاظم ناصر – كاتب فلسطيني …
صادق مجلس الشيوخ الأيرلندي يوم الأربعاء الموافق 11-7-2018 على مشروع قانون يمنع استيراد وبيع السلع القادمة من المستوطنات غير الشرعيّة التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ ويحظر القانون الجديد أي علاقة تجاريّة مع المستوطنات ويعتبرها جريمة قانونيّة يعاقب عليها بالسجن خمس سنوات أو بغرامة ماليّة قدرها 250 ألف يورو.
مشروع القرار تقدّمت به لمجلس الشيوخ السيناتور فرانسيس بلاك الداعمة للحق الفلسطيني وسيتحوّل إلى قانون بعد أن يصادق عليه مجلس النواب. هذا القرار ذو أهميّة بالغة لدعم الحق الفلسطيني أوروبيّا ودوليّا: على الصعيد الأوروبي إنه يدعم حركة المقاطعة الاقتصاديّة المتمثّلة في التبادل التجاري بين إسرائيل وأوروبا، ويعزّز المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية، ويساهم في تنشيط الجمعيّات ومؤسّسات المجتمع المدني المتعاطفة مع الحق الفلسطيني، ويضغط على السياسيّين الأوروبيين لانتهاج سياسة متوازنة تراعي مصالح الفلسطينيين وتعمل على إيجاد حلّ عادل للنزاع، ويعزز المعارضة الشعبية المتزايدة لاحتلال إسرائيل وممارساتها العنصرية ضدّ الشعب الفلسطيني.
وعلى الصعيد الدولي فإن القرار يساهم في عزل إسرائيل ومقاطعتها اقتصاديا، ويدعم دعوة محكمة العدل الدوليّة التي اتخذتها عام 2004 وطلبت فيها من دول العالم اتخاذ موقف من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعدم التعامل معها لكونها مخالفة للقوانين الدولية، ويشجع الحركات ومؤسسات المجتمع المدني المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بمقاطعة إسرائيل في دول العالم على الاستمرار في محاولاتها لكشفها كدولية عدوانيّة عنصريّة محتلّة تهدّد السلام والأمن في الشرق الأوسط والعالم.
ولهذا جن جنون إسرائيل واستدعت وزارة خارجيتها السفير الأيرلندي في تل أبيب ” للتوبيخ ” وقال ناطق باسمها ” لقد دعم مجلس الشيوخ الأيرلندي مبادرة المقاطعة الخطيرة والمتطرفة المعادية لإسرائيل والتي تؤذي فرص الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين، وسيكون لهذا القرار تأثير سلبي على العملية الدبلوماسية في الشرق الأوسط.”
أما على الصعيد العربي فإن القرار الأيرلندي يعتبر صفعة لأعضاء مجالس النواب والأعيان العرب الذين لا يفعلون شيئا للدفاع عن الحق والعدل في أوطانهم؛ حيث أنّه لم يحدث أن وقف مجلس نواب عربي بحزم وعارض حكومته في تبنّي قرار يدعوا إلى مقاطعة إسرائيل اقتصاديّا أو سياسيّا؛ حتى عندما أهدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس لإسرائيل، لم يجرؤ مجلس نواب في أي دولة عربيّة على المجاهرة بانتقاد الحاكم ويطالب بإجراءات عمليّة لمواجهة هذه الغطرسة، وإن الإهانات الإسرائيليّة للدول والشعوب العربية التي مرت بدون عقاب، أو حتى احتجاج رسميّ، لا تعدّ ولا تحصى.
لا عجب في ذلك لأن هذه البرلمانات العربيّة لا تمثل الشعب ولا تهتم بمصالح الوطن والمواطن؛ إنها برلمانات .. وجاهة ونفاق وارتزاق .. تمثل العشائر والحمائل، وتضم بين أعضائها نوابا لم يكملوا المرحلة الابتدائية من التعليم، ونجحوا في الانتخابات بأصوات العشيرة وبالتعيين والرشاوي والولائم الدسمة والوعود الكاذبة والتزوير.
إنها برلمانات .. تبصم .. على ما يريده جلالة السلطان أو الملك أو سمو الأمير أو سيادة الرئيس، وليست سوى ديكورات سياسية للضحك على الشعب وتضليله بالقول بأن الدولة فيها مجلس نواب يمثل الشعب ويعبّر عن إرادته. ” هل سمع أحد في تاريخ البرلمانات العربية أن مجلس نواب عربي انتقد رأس الدولة ولم يحل؟ أو أحبط قرارا تباركه الدولة؟ أو منع الثقة عن حكومة وأقالها؟ أو تمكن من تمرير تشريعات لصالح المواطنين؟
النواب في برلماناتنا يجيدون .. البصم .. والتطبيل والتزمير ” لولي الأمر”، ويتقنون النفاق والكذب على المواطنين، ولا يهمّهم إلا الوجاهة ومصالحهم الشخصية والامتيازات التي يحصلون عليها!