المأزق السياسي الحقيقي الغربي نتيجة العدوان على سوريا – بقلم : د. الطيب بيتي العلوي

دراسات ….
د.الطيب بيتي العلوي – باريس …
” لا يقول الغرب  ماذا يفعل و لا يفعل ما يقوله. يقول ما لا يفعله و يفعل ما لا يقوله. هذا الغرب  المشوش الذي بنينا  صرح حضاراته  بالثورات الدموية ، والحروب الطويلة والتضحيات  والمنقبات الكولونيالية-هو حضارة فقاعية وبرج  هش من الرمال” المفكر والسوسيولجي الفرنسي  ” بيير بورديو” Pierre Bourdieu.
تاريخيا : كان يوم الإعتداء على سوريا  يوما  حزينا، ووصمة عار ،بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل. عندما  خسروا حربهم بالوكالة في سوريا ، وكانت هذه المناورة الأخيرة، محاولة يائسة لإنقاذ ماء الوجه ، التي صاحبتها ضجة إعلامية مهولة، -“كضجيج نواح جنازة والميت فأر” –كما يقول المثل الشعبي المغربي
غير أن ذاك  العدوان لم يكن  مفاجئة لدوي العقول النيرة،وهناك إعتداءات أخرى قيد الإعداد لها  سواء مباشرة على سوريا   أو غير مباشرة، تقتضيها الضرورات الفورية وعلى المدى المتوسط  للحاجيات ” الجيو-ستراتيجية” للإمبراطورية و”كلبيها” التقليدين : فرنسا وبريطانيا، كما أنها ضرورية لخدم وحشم الإمبراطورية من عرب المنطقة وستكون ضربات موجعة، الغرض منها شل ” الجسم  السوري” وإيقاف نبض دمشق، وبث الرعب النفسي  في نفوس الشعب  السوري لكي يستسلم ويثور على ” الديكتاتور” المحب للحرب
وقد تطال الإعتداءات المقبلة وشيكا،  حدود سوريا مع العراق، او حدود سوريا  مع  لبنان  او حدود سوريا مع تركيا، بما في ذلك  محاولة ضرب البنيات التحتية والمطارات  وخزانات المياه والمولدات الكهربائية: إنها إنتفاضات الحيوان الجريح  في آخر لحظات إحتضاره ، لأن ” نيرون ترامب” مصر على الحفاظ على ” كعكة الشرق الأوسط ” ولن يقبل بتقاسمها  مع  ” القيصر بوتين” مع أنه أعلن  عن رغبته في الإنسحاب –تاكتيكا  للتمويه – من أجل إرعاب مشايخ الخليج ، لكي  يستنزف أمواله بشراهة  أكثر بهدف تمويل  دعم  القدرات العسكرية  الأمريكية- التي يبدو أنها أصبحت من الماضي –  أنه ترامب صاحب كازينوهات القمار والمرابي والبيزنيسمان
الغرب الجريح يعاني من الشيزوفرينية والأمنيزيا الكلية:
إكتشف الشارع الغربي صبيحة اليوم التالي للعدوان  على سوريا ، أن حكامه  مرضى نفسانيون يعانون من  إنفصام الشخصية  والفقدان  الكلي للذاكرة ، وأن الأسباب التي سوغ بها ” الثلاثي المقدس” الإعتداء على سوريا كانت حججا  مَرَضِية  لا علاقة لها “بالقيم  الإنسانية ” أو تطبيقا لقوانين وأعراف  مجلس الأمن ، ولا علاقة لها  حتى بأبجيدات  مهاترات “الجيو-سياسة ”
.أولاً،: فرض حظر فعال على استخدام الأسلحة الكيميائية أو إمتلاكها هو حظر على جميع الدول الأعضاء بما في ذلك ” الولايات المتحدة وإسرائيل ، اللذان  يمتلكان  الآلاف من الأطنان  من الأسلحة الكيماوي إستخدمتها أمريكا في أفغانستان و حرب العراق-وخاصة في ضرب الفلوجة بقيادة الجنيرال  الأمريكي الحالي ” ماتيس أو الكلب الغضوب” أو ” الجنرال المثقف  –كمايسمى أمريكيا –  وتستخدمه  إسرائيل في كل هجومتها على غزة منذ عام 2006 حتى اليوم، ولا أحد يعترض على ذلك أو  دعا مجلس الأمن إلى  إعداد حملة عسكرية ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل لحماية الفلسطينيين العزل
ثانيا: في حين: كان هناك خط أحمر على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، تم تجاوزه في عام 2013.حيث أن  أوباما لم يتدخل-مباشرة  لضرب سوريا – عندما انهار النظام السوري المحاصر نتيجة للتدخل  الغربي  لأنه تم التيقن لديه  أنه لا يوجد لدى النظام السوري  أية إسلحة كيماوية
ثالثا :هذه المرة ، وبعد خمس سنوات ،و في سياق مختلف جداً ، استهدفت الضربات الغربية هدفًا محدودًا-حسب زعم المعتدين -: وهو نظام إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية ، وذلك لكي  يمكن للجيوش الغربية أن تتباهى  بالنجاح الكامل في   إعتدائها  العبثي المسرحي /في حين أن حقيقة العدوان  هو في محل آخر/
والمضحك  في الأمر،  أنه حتى  أن العملية  المعلنة لم تصل إلى القوة التنفيذية للجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين  وحزب الله ، وهنا يتساءل العاقلون : ماجدوى هذا العدوان ؟. الذي تم التسويق له بأنه  رمزي ،ورسالة ،وعمل محدود   ومتأخر جدا؟  ، ما معنى هذه  الأحاجي؟
غير أن هذا الدافع ،له ميزة في إضفاء الشرعية على الإعتداء  ضد سيادة بلد عضو في هيئة الأمم المتحدة ، باسم الاتفاقيات التي تحظر هذا النوع من التسلح. ….،وهذه الحجة تجيب على الاتهام بتجاوز القانون الدولي الذي يشكله عدوان على  دولة ذات سيادة. لكنه يمنح أيضا الدول المسؤولة عن الهجوم دور الحَكَم الذي يوزع البطاقة الحمراء على اللاعب المخالف لقوانين اللعبة ، بينما يسمح له بإنهاء اللعبة دون تكرارالهفوة: وهنا نصل إلى قمة السخرية و التمسرح العبثي الكافكاوي  ، لأن الحروب ليست مباراة كرة قدم.وتلك من علامات الشيزوفرينيا الغربية

رابعا: ثم هناك سببان آخران  أكثر جدية ، ولكنهما  أقل “أخلاقية: وهما “.:
أولاً ، إجبار النظام السوري  على وقف لإطلاق النار من أجل حماية السكان  وإنقاذهم. وهو سبب فج ومنافق كلية لأن .الغالبية العظمى من الشعب السوري تعيش في أمان في المناطق التي يحتلها الجيش السوري أو الأكراد.، لذا ، فإن المسألة  لا تتعلق  فقط   بحماية الثوار “المعتدلين –الذين تمولهم المخابرات الأمريكية
ثانيا: بل إنقاذ   الجماعات  التكفيرية  المناهضة للنظام السوري منها “أحرار الشام ” وما تبقى من فلول القاعدة والدواعش  المتبقية  في  معظم محافظة إدلب –  وخاصة تنظيم ” النصرة ” العزيزة  على وزير الخارجية الأسبق ” فابيوس.” ورئيسه ” هولاند ”  وعلى ” ماكرون”  الرئيس الحالي / الموظف السابق لبنك روتشيلد  وسمسار “جورج سوروس” وقواد ناتانياهو، والتلميذ النجيب لنادي العولمة  الشرسة  /حيث إعتبر هؤلاء، منذ خمس  سنوات ” أن هذه التنظيمات وخاصة  النصرة”  يقومون “بعمل جيد”
خامسا: الإعتداء يهدف أساسا وبشكل فاضح  إلى إعادة الثقة إلى  الفصائل  الإرهابية، ومساعدتها على لم شعثها  بقصد  إعادة الإنتشار والتموقع   بغرض الإنتقال إلى الخطة القادمة ” ب”،  التي تستهدف  إطالة أمد الحرب  من أجل منع بشار الأسد من استعادة سيادة الدولة على كامل الإقاليم السورية  ، وخاصة بعد قرب  انهيار تنظيم الدولة الإسلامية في ظل الضربات المتأخرة للتحالف ووشوك  انتصار الجيش السوري.
ومن الشائع أن يُعزى 350000 حالة وفاة إلى  همجية “النظام النازي السوري” ، في حين أن نصف الضحايا هم من بين المدافعين عن أدلب من  السكان الذين يحمون أنفسهم ضد هجمات ” الثوار”
سادسا :   كل أنواع الفوضى  في الشرق الأوسط هي ، قبل كل شيء ، ثمرة التدخل الأمريكي. في العراق ودعم السلفيين الوهابين  الخليجيين  للحركات الجهادية ” السنية”، الذين يسعون للقضاء على التنوع السوري الغني
. هذا التناقض في الخطاب الغربي و” هسترته ”  حول ” نازية بشار” و حول الأسلحة الكيميائية ،والدعم الموضوعي للإرهابيين  يسلط الضوء على ازدواجية معايير  الحكومات الغربية . وأن هناك خلل ما في عقليات هؤلاء الحكام ” المتنورون”
سابعا : . الذين يحكمون في الغرب ويسيرون العالم  ،كشفوا في هذا الإعتداء  عن حقيقة نواياهم   من هم أعداؤهم  الحقيقيون   :  إنهم الحكومات  ” المستقلة القرار”  والرافضة للهيمنة الغربية   والرافضة لأبناك روتشيلد  وللبنك الدولي على أراضيها،  في رمز  بشار الأسد والنظام السوري  ، وليس الإسلاميون والتطرف الإسلامي والإرهاب  هم  أعداؤهم   -كما يدعون –
الإستطلاعات  والدراسات الجادة  الغير الحكومية في أوروبا الغربية البعيدة عن سيطرة ” النظام  القائم ”  وإعلامه  المسير ،تشيرإلى  أن صدام و بشار  والقدافي  ليسو أعداء  للشعوب الأوروبية ، بل ” الإسلاميون والإرهابيين” ، وتبين أن  شريحة كبيرة من الشباب بنسبة 56 بالمائة، يعتبرون  أن عدووهم  الرئيسي هو حوكاماتهم  الخنوعة  لتل أبيب وواشنطون.
ثامنا :  أصبحت الشعوب الأوروبية تشكك  في  مبادئ القانون الدولي، وتنفر من حكامها التابعين للبيت الأبيض ، وتطالب شرائح كبيرة من الشعوب الأوروربية  حماية الأمن الأوروبي من همجية الناتو  والإبتعاد عن  جشع وحماقة العم سام  ، في حين يرغبون في التحالف مع الروس الذين تجمعهم إياهم الجغرافيا والتاريخ والدين والعرق  والآمال المشتركة
تاسعا وأخيرا : ، فإن المأزق السياسي الغربي  الحقيقي هو ، جعل رحيل الأسد النقطة الرئيسية لحل معضلة الشرق الأوسط  والمحور الأساسي في علاقات شرق/غرب ، والدعوة إلى إعادة الإستعمار الكلاسيكي:
مما يعني  عمليا:
-1 -إجبار النخب المفكرة  والسياسية  في العالم ” الغير غربي”  على الإعتقاد من جديد  ب “منقبة الكولونيالية الغربية”  والإيمان بأسطورة “وطأة الرجل الأبيض   في نقل الحضارة  إلى الدول المتخلفة ” لجول فيري الفرنسي، حيث بدأت أصوات مفكرة  غربية – من فلاسفة ومؤرخين  وسياسيين  -تدعو  منذ العدوان على العراق  ، إلى إحياء فكرة إعادة الإستعمار، ووضع مجموعة  من الدول ” الفاشلة” أو ” المارقة” تحت وصاية دولية-بمعنى غربية- منهم على سبيل المثال : المؤرخ الكيني  علي مزروعي  Mazarui،     والخبير الأمريكي  وليم بفافWilliam PFAFF   غير أن المؤرخ الإنجليزي  ” بول جونسون” يعد الرائد  والمنظر  للإيديولوجية  الإستعمارية الجديدة  بشكل واضح  حيث يعتبر أن  إفريقيا  والشرق الأوسط  يبقيان النموذجين الأمثلين  لتطبيق سياسة الإستعمار الجديدة..فتأمل
2-  الإصرار  على عودة القوى الغربية في لعبة الشرق الأوسط  أكثر  حضورا  وعنفا مما كان في السابق  ، في حين تعاني كل هذه الحكومات  المشتركة في العدوان مشاكل داخلية مهولة ، وتعاني من عجز إقتصادي خطير  ومن ديون تصل إلى البلايير من الدولارات تتزايد كل ثانية على مر الساعات /حيث أن الحل هو اللجوء إلى الحروب –وتلك مهمة  أبناك روتشليد في تمويل الحروب منذ القرن السادس  عشر حتى الحرب العالمية الثانية
وبغض النظر عن  الحجج اللاأخلاقية للعدوان ، فإن هذه الحكومات  الغرببية  المعتدية  وذيولها  من الدول العربية ، تخون  ” الحقيقة ” وتخون شعوبها و رسالتها ، وتمارس سياسة النعامة ، وسيجزون –من طرف “الإمبراطورية –إسرائيل وأمريكا” جزاء سنمار ، ويشربون  من “عصير البرتقالة الغربية  ”  كما شربها  الذين من قبلهم ، ويتذكرون  حكمة   الشاعر الجاهلي  أمرؤ القيس :”
“وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى … رَضيتُ، مِنَ الغَنيمَةِ، بالإيابِ”   عندما تتعقد الأمور أكثر في المنطقة  وداخل كل بلد  خارج المنطقة