آراء حرة ….
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك …
حكايتان أشبه بحكايات الأطفال رأيت فيهما الكثير من الواقع . يُحكى أن ديكاً كان يؤذن عند فجر كل يوم ، ذات يوم قال له صاحبه : أيها الديك لا تؤذن مجددا أو سأنتف ريشك ، خاف الديك وقال في نفسه ” الضرورات تبيح المحظورات ” ، ومن السياسة الشرعية ان أتنازل وأن انحني قليلاً للعاصفة حتى تمر ، حفاظا على نفسي . توقف الديك عن الأذان ، ومرت الأيام والديك على ذاك الحال ، وبعد أسبوع جاء صاحب الديك وقال له : أيها الديك إن لم تكاكي كالدجاجة ذبحتك ، فقال الديك في نفسه مثل ما قال في المرة الأولى ” الضرورات تبيح المحظورات ” ومن السياسة الشرعية أن انحني قليلأ للعاصفة حتى تمر ، حفاظا على نفسي ، وتمر الأيام والديك الذي كان يوقظ الناس للصلاة لم يعد يوقظ بل أصبح وكأنه دجاجة !! ، وبعد شهر قال صاحب الديك : أيها الديك الآن إما تبيض كالدجاج أو سأذبحك غداً ! ، بكى الديك وقال : ليتني مت وأنا اؤذن .. ! . أما الحكاية الثانية فهي حكاية الثور الأبيض والأحمر والأسود ، طمع الأسد في لحمهم ، لكنه خاف أن يتعرض لهم فيهاجمونه ولا يستطيع مواجهتهم ويتغلبوا عليه ، لجأ إلى التحايل ، انفرد بالثور الأحمر والأسود واتفق على أن ينالوا من الثور الأبيض ويقتسموا لحمه ، ولقد حدث ، وبعد فترة انفرد بالثور الأسود وأغراه بأن يهاجما الثور الأحمر ويقتسمان لحمه ، ولقد حدث ، وكانت النهاية عندما هاجم الثور الأسود وقال له أنت اليوم لي وحدي ، فصاح الثور الأسود قائلا : لقد أُكلت ” بضم الألف ” يوم أن سمحت بأن تأكل الثور الأبيض . كلما حاولت أن اُعطي نفسي هدنة من مرارة التحدث عن واقعنا العربي ، أجد إبليس يعلن الحرب على قلمي ويهددني بأن يحولني إلى كاتب لحضانة أطفال لا تزيد كلماته عن” يالا يابطه .. حطي الشنطه ” ، أخشى الفضيحة وأعود سريعا إلى أخوتي في العروبة وقد ثقلت حطتهم من المخازي التي ترتكب وخفت شنطة عقولهم لأنها ألقت بكل حمولتها الفكرية في بحر النسيان . ألقى إبليس أمامي بهاتين الحكايتين وكأنه يقول لا حجة لك وفيهما ستجد واقعكم العربي الذي أخرس الديك وحوله إلى أنثى مُطالبة بوضع البيض ، والثور الأحمر والأسود اللذان خانا صديقهم الأبيض والثور الأسود الذي تمادى في خيانته وأوقع بالثور الأحمر ثم فاق على فعلته السوداء يوم أن أصبح فريسة سهلة أمام أنياب الأسد ودفع ثمن خيانته المزدوجة . كم تساهلنا نحن العرب في حق عروبتنا أمام هؤلاء الذين لا يعرفون سوى مصالحهم وانحنينا أمامهم وركعنا وهم يشددون نبرات صوتهم ” أركع أركع وامش على أربع ” ، ومشينا على أربع وامتطونا ونحن نهدهدهم فوق ظهورنا ، نمشي على أربع أمامهم ونعلن الجبروت على بعضنا البعض . اتفقنا مع أسود وليس أسداً واحداً على أن نصنع الفرائس بيدنا ونقدمها مستساغة ، فريسة اسمها العراق وفريسة اسمها سوريا ، وليبيا ، وغيرهم الكثير ، أما اليمن ، فلقد تسامح الأسد وأعطى موافقة أن نلتهمها بأنفسنا على شرط أن نسلمه جلدها ليصنع منه أحذية ، حتى يكون ملك الغابة هو الوحيد الذي يسير بحذاء !! . هكذا تكون سلسلة التنازلات عن المبادئ والقيم تحت مسمى “فقه الواقع” ؛ مكلفا … باهظا … مميت .
edwardgirges@yahoo.com