دراسات ….
بقلم : خالد واكد – مصر …
الدوران في نفس الحلقة المفرغة
ظل النظام العربي على مدى العقود الستة الماضية يستخف بأبناء الشعب، وجعل الغالبية منهم عنوانًا للجهل، وقلة الوعي وعدم الإدراك، ليصبح الحاكم هو الشعب، هو الذي يقرر ويفكر، وصاحب الرأي الأوحد المستبد بسلطته جاعل الشعب والوطن غنيمة له ولأسرته وحاشيته المقربة، أما الشعب فلا يحتاجهم الحكام إلا وقت الضرورة والتصوير وخداع العالم؛ للحصول على مزيد من المنح والقروض والهبات والمساعدات حينما يأتي وقت عرض مسرحية الانتخابات، وعند قرع الطبول للاحتفال بعيد الجلوس وعيد الاستقلال والثورة.
لم يهتم الحكام للبطالة والفقر والجوع بين أبناء الشعب، ولم يهتموا للتعليم والصحة في حدها الأدنى المقبول. وهل وصل الشعب لمستوى من الخبرة العملية والعلمية لسد العجز بالاعتماد على الذات بدل الأجنبي في التشييد والبناء والتعمير والتصنيع وعلاج المرضى هل امتلك شباب الأمة الخبرة المطلوبة التي تجعل من أبناء الشعب قادرين على تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلد، على مدى العقود الماضية شهدنا إنجاز الكثير من المشروعات العملاقة الصناعية والخدماتية والإنشائية بالاعتماد على الخبرات الأجنبية، هل تمكن هؤلاء الحكام من توطين هذه الثروة، وهل امتلك شبابنا من مهندسين وإداريين وفنيين وعمال القدرة على الاعتماد الذاتي بنسبة 100% في إنشاء المصانع والجسور والمباني الشاهقة والطرقات بأيد وطنية خالصة لا يد للأجنبي فيها، أم ما زلنا نعتمد على صناعة الإبرة المستوردة من الصين، والسيارات من ألمانيا واليابان وتشييد الجسور والطرق من كوريا الجنوبية و… إلخ.
أمة لا تمثل رقمًا في هذا العالم.
للأسف أمة العرب لا تمثل شيئًا في هذا العالم، لم نتعلم الدرس جيدًا ما زلنا في غفلة ونوم عميق بعد هذه السنوات من منذ حقبة الاستقلال الوطني حتى اليوم لا نمثل أي رقم صعب، ما زلنا ذلك الرقم الصفري بعد كل هذه البعثات والمنح الدراسية لشتى جامعات العالم لم نصل إلى 5% مما وصل له هذا العالم المتقدم جدًا علميًا وتكنولوجيا وصناعيًا وزراعيًا وإلكترونيًا وصحيًا وثقافيًا و… إلخ.
ما زلنا نعتمد في كل شيء ويصنعه ويهندسه ويشيده لنا الأجانب من ملبس ومأكل ومشرب، وإن كان هذا نسبيًا إلا أن الحقبة الماثلة أمامنا بعد نصف قرن أننا مازلنا نعتمد على الأجنبي، إذا أردنا إنشاء مصنع جئنا بالأجنبي ينشئه لنا، إذا أردنا بناء محطة كهرباء الأجنبي، سينفذه إذا أردنا بناء مبنى شاهق (برج) الأجنبي سيبنيه لنا إذا أردنا إنشاء جسر الأجنبي سيعمل على تشييده لنا… وإلخ. حتى إذا أردنا امتلاك طائرات مصانع الأجنبي سيصنعها لنا، إذا أردنا بناء سد وحاجز مائي الأجنبي يهندسه لنا إذا أردنا امتلاك أسلحة للحرب الأجنبي سيبيعها لنا. إذا أردنا تشيد ميناء بحري وجوي لا يوجد غير شركة أجنبية لتصميمه وتشييده وإدارته و… إلخ.
إذا ما الذي يستطيع الإنسان العربي عمله إلا تكفي ست عقود من الحرية والانعتاق من براثن الاحتلال والاستعمار الأجنبي أن نتعلم كيف نعتمد على أنفسنا مثلما استطاع الصينيون واليابانيون والكوريون والماليزيون والهنود الاعتماد على أنفسهم.
ماذا كنّا نفعل طيلة السنوات الماضية أين ذهبت جهود تلك السنين من البناء في الإنسان العربي من التعليم والخطط الخمسية والاحتكاك بالأجانب الذين شيدوا كل شيء، ألم تكن كفيلة أن نحذوا إلى ما حققته بعض الدول الأقل نموًا في لماذا لم نأخذ بأقل الأسباب التي تحققت لدى الآخرين.
مكمن الخلل.. والعلة أين؟
أين مكمن الخلل هل في النظام الحاكم وسلطته التنفيذية في البلدان العربية التي لم تراع وتساعد وتساهم وتشجع على ذلك وجعلت جل اهتمامها الاعتماد على الأجنبي في كل شيء لم تعط الفرصة لأبناء البلد وشركات البلد أن تأخذ الفرصة كاملة في البناء والتشييد والتصنيع و… إلخ.
فالتجربة كانت ضرورية جدًا، بل كانت واجبة على النظام العربي تحفيز وتشجيع واضعي الخطط وأصحاب الخبرات والكوادر العربية أن تجرب وتأخذ حقها كاملًا في التجربة.
وعلى سبيل المثال هل تستطيع مصر رائدة العرب أن تبني سد مائي من واقع تجربتها وخبراتها وكوادرها المتعلمة مثلما فعلت وتفعل تركيا اليوم من تشييد سدود في شتى أنحاء العالم.
وهل في استطاعة السعودية من تجارب السنين ان تشيد مصفاة للبترول بخبرات سعودية وأيدي عاملة سعودية، وهل بإمكان الجزائر بعد هذه السنين من تراكم الخبرة بناء محطة كهربائية بأياد وطنية.
و هل باستطاعة الكويت بعد أربعين سنة على تشييد أبرز معالمها (أبراج الكويت)، وما تلى ذلك من طفرة في المباني الشاهقة لديها القدرة على بناء أبراج جديدة بأيدي كويتية خالصة.
الحقيقة التي لا تخفى على أحد أننا أمة عربية كبيرة ما زالت تعتمد على الأجنبي في كل شيء من صناعة الإبرة إلى كل احتياجاتنا الضرورية وغير ضرورية.
وإننا لم نصل إلى ما وصلنا إليه من الاتكال على الآخرين، وبعد هذه العقود لا نعرف نبني، ولا نشيد، ولا نصمم، ولا نصنع، ولا نفكر، ولا نخطط، ولا… إلخ.
فهذا ما نستطيع أن نسميه العبث السياسي والاقتصادي ويتحمل أسباب هذا الفشل الذريع كل مسؤول عربي تحمل مسؤولية ومسك زمام الأمور في إدارة نظام الحكم من رئيس دولة إلى رئيس حكومة ووزارء في