الضجيجُ الجميلُ في الحياةِ – بتصرف .. بقلم : د . سمير أيوب

فن وثقافة …
بقلم : د . سمير ايوب – الاردن …
لا تتأففوا ، من بيوتٍ تملؤها الفوضى . ولا من أصواتِ المزاح والضحكات والشجار بين الأخوة . من بحثِ أحدهم عن فردة حذائه او كتابه او قلمه . ومن آخر يصرخ بفوضويةٍ مُتعجلةٍ ، طالباً من أخته أن تكويَ له قميصه وترفض .
لا تتأففوا ، بعد كل سهرة عائلية ، من أكوامِ الجلي وتنظيفِ المطبخِ من فُتات الطعام ، وجمع أكواب الشاي وفناجينِ القهوة وكاسات الماء الفارغة ، والألعاب المتناثرة في كل أرجاء البيت .
لا تتأففوا ، من فوضى كل صباح . والكل يسأل مع الكل ، عن ضالته . ويتسابق على الحمام ومغسلتة . ولا من تحضير السندويشات ، وتمشيط الشعر ، ومسح الاحذية . ولا من ترتيب الفراش وتهوية البيت . ولا من إنتظار عودتهم بسلام ، وتحضيرالغذاء ، ولا من وظائفهم المدرسية ، وتسميع الأناشيد وحل المسائل الحسابية .
استمتعوا بكل لحظاتهم ، فغداً يكبرون ، وتكبر همومكم معهم . ستزداد الفتيات حساسية . ويزداد الفتيان ضخامة . ويتباهون بالشاربين واللحية . ويبدأ كل منهم ، إختيار طريقه والإستقلال بتفكيره وتدبيره .
سيبزع من رحم كل بيتٍ بيتٌ . ينتظركل منهم ، أقرب فرصة ليحلق بعيدا ، باحثا عن حلمه . وسيغادرون الواحد منهم تلو الآخر . ستقفون على باب كل غرفة من غرفهم . سريرها خال من صاحبه . دولابها قليل الملابس . لم يبق فيها ، إلا ذكرياتهم ، وبقايا عطورهم ، ودفء أحضانهم ، وصدى ضحكاتهم ، وآثار كتبهم .
من ولدوا وتربوا هنا ، من وقعوا على أدراجكم ، من إرتفعت حرارتهم وسهرتم لتمريضه ، من غنوا هنا تجليا أثناء الإستحمام ، فجأة صاروا ضيوفا .
إبتدأتم شخصان يا فعان . دارت بكما الأيام . تعودان شخصان أدّيا رسالتهما . تجلسان على أبواب الإنتظار ، على أمل أن يُطلّ عليكما وجه أحد من الأولاد . تنظران بدمع صامت ، إلى صورهم على الطاولة ، وعلى صورة العائلة التي تأنقت وإبتسمت ، لصورة تجمعهم . عُلِّقَت بإطارعلى الجدار .
كل ما تريدانه وقد تشتت القلب وراءهم ، سماع صوتهم ، واللعب مع الأحفاد . تعبت الأقدام . تألم الظهر . تساقطت الأسنان . إرتفع الضغط . إستفحل السكري . وضعف السمع والبصر . وإتسع كيس الأدوية ، وبات هو الرفيق الأهم في السفر .
لا تريدان شيئا . لا تنتظران مكافأة . ولكن ، ليتهم يعلمون ، أن كل ما ترغبان به ، قليل قليل قليل ….