للدنيا باللهجةِ العراقية – كلمة رئيس التحرير : يكتبها هذا الأسبوع : د . سمير ايوب – الاردن

كلمة رئيس التحرير : يكتبها هذا الاسبوع : د سمير أيوب
بقلم : د . سمير ايوب  – الاردن ….
دَعْ عَنكَ روما والذي فيها . دَعْ عنك طهران وإسطمبول . ثم دَعْ عنك موسكو وقَيصرَها . ودَع عنك أمريكا ، وأنذالَ من ساد فيها ومن بادْ . إنس كل فِسطاطٍ مِنْ حَوْلِك ، وعلى مَدّ البصر ، ففي كلٍّ مِنها شيءٌ ، من قلعةِ الأسود .
دع عنك ، ودَعْ وَدَغ  …. وتعالَ ، نلقِ السلامَ على أمِّ الشرائع . ونلثم الرصافة والكرخ وسامراء والجنائن المعلقة . تعال نمشي الهُوَينا  في ثراها . فهناك من تصرفوا بِحدودِ الأرض والتُّخَمِ ، فيها حِلْمُ الرشيدِ وعِلمُ المأمونِ ونَخوةُ المُعتصمِ .
وإنْ ذهبَ الزمانُ ، أتدري ماذا سيحدث لك ، حين  تُمسِكُ بقلبكَ نخلةٌ عراقيةٌ باسقة ، وتسري بروحك ليلا ، من الوجع المُلَوَّثِ إلى الأزل ؟ أو يحمِلك بساط سعفها إلى الأبد ؟
دون أن تبرح موضِعَك ، وقبلَ أن يرتَدَّ إليك طرفُك ، تنقلك من حاضرٍ ولا أوجع , إلى إبتساماتِ عشتار ، عبر بوابات بابل وسومر وأشور . حتى تحط بك في أحضان جلجامش . وتتسامى معك بحثا عن سر الخلود ، ألجالس بخشوعٍ في الحضرة الحامورابية  ، وشرائعها ألتي طُرِّزَتْ بالحروف المسمارية , والنقوش السومرية والبابلية والآشورية . ستحكي لك شهرزادٌ ، قصة التاريخ ، في وطن كان إسمه ألعراق ألعظيم . ساعتها ، ستسمع وتنصت وتتمتم  نحيب روحك .
في هذا التضييع العابثِ بالعدَم ، أتدري ما عليك أن تفعل ، حينما تفتح لك ماجدةٌ باسقة ، عتباتَ مثوى الحسين ، رمزُ الحقِّ والبسالةِ وسيدُ الشهداء ، ساعتها إحنِ القامةَ والهامةَ لِطُهرِ أرضك . وقَبْلَ أن يرتد إليك روعُك ، أخرج قلبك من صدرك ، راقصهُ مُتَرَنِّماً مع دمعك ، مزهُوَّا بعراقيتك العربية .  فبغدادك حاضرة الدنيا وشاغلة الناس ، وهي تخفي جراحاتها عميقا في خائناتِ الأعين . قهرت هولاكو وكلَّ الغزاة الساكنين في التاريخ ، والساكنين في ضواحي واشنطن والسيليةِ حَفْرِ الباطن وتل أبيب . ناهيكَ عن كل المارقين من الزرقاوي المكاوي والبغدادي وكل حثالة الملتحين .
يا دجلة الخير ، يا أم البساتين ، أحَيي سَفحكِ ، من قرب وعن بُعدٍ فحييني . كنتِ الحبيبةَ قبل الطاعون . وبعدهُ تبقينَ مثوى شهيد الفجر ، شهيد الامة ، وشوامخ ماجداتك ، ورجالك الغر الميامين . أبا الشهداء ، نأتيك موجوعين متعبين وغرقى . أمدُدْ بِساطَك ، فًكَّ جدائل دجلة والفرات ، وإنسَ العتابا .عُدْ مع نبوخذ نصر، والمنصور والمطهرين  من آل البيت . وأقيموا قيامَتَكُمْ . فما لبغدادٍ عنكم بديلا .
كَم قمرا في عراقنا العظيم ، غالُـوا أهِلَّتَـهُ ! كَم نَجمَةٍ فيها غير مدفونة ، تَبكي الآنَ في الطِّينِ ! كَم مَسجِدٍ وحسينية وكنيسة فيها ،  وكَـم دارٍ باتت بالغدر مُهَدَّمَـةَ ! عودوا بنا إليها . خُذْونا إلى كـلِّ دَمٍ فيها . فقد عَشعشتِ الأوجاعُ في كربلاء والموصل وكركوك والأنبار والنجف وسامراء والحلة . وعَرَّشَ دمعُ المروءةِ ، في كل الشرايين .
يا أطهر الطين ، يا سادة اللحظات الماجدات ، ألوجعُ بَعدَكُم فقيرٌفقيرٌ فقيرْ . لِنُعيدَ إكتشافَ الأبجديةِ العراقيةِ للعز المُلْهِمْ ، لَمْلِموا قتلانا وإتحدوا . لَمْلِموا أرواحنا فقد يَبِسَتْ . أنثروا  إلى الأبد صدى سطوتكم  ، ليتحد العقل والدين . فعلى رجعِ أصوت دِمانا فقط ، إتِّحادَ السِّيـنِ والشِّيـنِ .